سرب من الإوز البري يحلق في سماوات مزرعة كراوفورد بتكساس.. صياد غشيم يترصد له بأعصاب مرتعشة وبندقية صيد عيار 12.. حبس الصياد انفاسه، زم جفون عينه اليسري، وضغط علي الزناد.. "بو".. لم تسقط الإوزة.. سقط بدلا منها هاري وتنجتون أعز أصدقاء ديك تشيني غارقا في دمه.. وكان الصياد الغشيم هو نائب الرئيس الامريكي نفسه.. كارثة لم يتوقعها احد، هزت أعصاب دنيا الرئاسة الأمريكية! ألجمت الصدمة لسان ديك تشيني طوال الايام التالية ولزم مكتبه علي مرمي البصر من المكتب البيضاوي وهو في حالة ذهول تام.. الرئيس بوش يريده ان يكسر حاجز صمته ويروي وقائع الحدث ليريح ويستريح.. وتشيني يرفض ويتشبث بحالة من فقدان النطق.. كل الذين حاولوا معه اجمعوا علي انه اسير حالة من الرعب والفزع (dismayed)! أحد مستشاري الرئيس الذين شهدوا المداولات بين الطرفين زفر زفرة يأس وهو يقول: "لقد أصاب صمت ديك تشيني الرئيس باحباط شديد"! صحفيو الرئاسة سلخوا سكوت ماكليلان المتحدث باسم البيت الابيض مندهشين من انقضاء يوم كامل دون الحصول علي تقرير من الجاني يروي تفاصيل ما حدث.. واضطر ماكليلان الي الاعتذار: "يبدو ان ديك تشيني مستمتع بصمته المبين"! لم يبق لبوش وتشيني من عمر الرئاسة سوي الف يوم وموقف تشيني السلبي من الحدث يعجل بفترة "البطة العرجاء" السلبية من عمر الإدارة الامريكية.. رغم محاولة الإدارة تأجيلها الي موعدها الطبيعي بعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر المقبل.. ولئن حدث ذلك - يقول خبير رئاسي من الحزب الجمهوري الحاكم - سوف يبدو كل من الرئيس ونائبه في موقف متهاو شديد الضعف، وانهما يعيشان معا في فقاعة من داخل فقاعة.. وسوف يحدث ذلك تدميرا شديدا لفرص الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة في عام 2008 إذ ان الترشيح للمنصبين يتم مبكرا في عدد من الولاياتالامريكية.. زد علي ذلك تدني نسبة الموافقة علي الاداء السياسي لكل من الرئيس بوش ونائبه في آخر قياس للرأي العام اجرته مجلة تايم.. بلغت نسبته 40% للرئيس و29% فقط لنائبه الرعديد! والحزب الجمهوري لم يكن في حاجة الي فرقعة الاصابة الخطأ التي طالت هاري وتنجتون علي يد صديقه ديك تشيني.. كفاءة الحكومة وصدقها في ابداء الرأي محل تساؤل وتعجب.. والجمهوريون في الادارة ينحرون رقاب بعضهم البعض.. قرارات مايكل تشيرتوف وزير الامن الداخلي محل نقد مر.. وتجريح.. كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية تم شي لحمها حية حول الموقف المتهاوي في العراق، علي ألسنة زعامات الحزب في مجلس الشيوخ.. أسمع السناتور تشك هاجل وهو يقول في قاعة المجلس فوق تل الكابيتول: "اني اري ان شئوننا الخارجية تزداد تدهورا وسوءا.. سواء في العراق، أو في إيران"! وفي لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ، تقول رئيس اللجنة وزعيمة الاغلبية الجمهورية بات روبرتس: "ان برنامج التنصت غير المأذون قضائيا يمكن محاكمته امام محكمة خاصة"! بينما يجأر ميت رومني حاكم ولاية ماساشوسيتس بالهجوم اللاذع علي الرئيس بوش وفشله التام في تغطية نفقات الرعاية الصحية للمواطن الامريكي! سحابة.. يصعب تفسيرها! ويمتد النقد اللاذع لنظام الحكم الامريكي الي الرجل رقم 2: ديك تشيني.. يتهمونه بانه يقوم بعمليات خاصة لا رقابة لأحد عليها.. حتي الرئيس بوش نفسه! انه يحدد بنفسه اعمال المخابرات، وما يندرج منها وراء ستار السرية او يظهر للعلن.. وهو يفعل ذلك دون حساب لاحد او وزن موضوعي للامور.. يذهب لرحلة صيد مع مجموعة من الاصدقاء وجماعات الضغط جامعي الاموال السياسية.. وعندما يعرض غيره للنيران يصمت صمت الحملان! من اول يوم في رئاسة بوش وهو مرتاح لوجود ديك تشيني في ظله.. مسئول أمامه وحده، وخيال مآته يخيف الآخرين.. وعندما سقط في فقاعة الرعب عقب الحادث، لم يجد بوش في البيت الابيض شخصا آخر يمتلك النفوذ (Clout) وقوة الأعصاب والقدرة علي اعادة تشيني مرة اخري للخدمة! وقع الحدث نهار السبت 18 فبراير.. ضاع تشيني من الخدمة حتي الاربعاء 22 فبراير، عندما لكزه بوش بكلمات غاضبة اعادته الي مكتبه صحبة ابنته ليز، ومستشارته ماري ماتالين، وديفيد آدنجتون رئيس هيئة مكتبه، ولي آن مكبرايد سكرتيرته الصحفية.. أعدت ماتالين ومكبرايد كل الاسئلة المثارة حول الكارثة والاجوبة المناسبة التي ادلي بها تشيني.. الا انه راوغ مرة اخري في بعض التفاصيل مما دفع متالين الي اعادة تسجيل رؤيته للحدث كما حدث.. بالتفصيل الممل! ساعد في جلاء غموض الحدث الصحافة الامريكية واصرارها الرذيل (Obnoxious) علي كشف وجه الحقيقة.. مما جعل القارئ الامريكي يتعاطف بمشاعر الاسي مع موقف البيت الابيض! العجيب ان ديك تشيني خرج من حروجة الموقف الذي تردي فيه سالما بلا جرح او نقصان.. يشهد بذلك السناتور ليندسيي جراهام.. بكلماته: "لم أر في تعاملاتي مع البيض الابيض، طوال هذه الازمة، أن نائب الرئيس خسر جانبا من موقفه السياسي في الادارة الامريكية"! اما المفاجأة السارة فحملها علي قدميه المصاب هاري وتنجتون.. غادر المستشفي سالما معافي، في وقت قياسي.. شكر الاطباء.. واثني علي ميديا الصحافة، وغبطها علي كرمها وعظيم لطفها.. وحرص علي ان يعلن أساه علي التجربة الاليمة التي مر بها صديقه ديك تشيني.. واصفا دراما الموقف برمته بانها: سحابة من سوء الحظ والأسي يصعب تفسيرها"!!