عقد اجتماعي جديد دعي اليه تقرير التنمية البشرية الاخير الصادر عن البرنامج الانمائي للامم المتحدة بالتعاون مع وزارة التخطيط المصرية.. فالعلاقة بين المواطن والدولة لم تعد قادرة علي الاستمرار بسيناريو "الوضع القائم"، والذي وصل بنا الي المرتبة 119 في ترتيب التنمية البشرية العالمي وأخرجتنا من المنافسة علي ابسط قواعد "جودة" الحياة. التقرير الذي شارك فيه بجهد كبير 35 باحثا وضع مصر امام لحظة اختيار اما ان تواجه العبء الثقيل للحرمان المادي والبشري الذي تعاني منه طبقات عديدة في المجتمع عن طريق مواجهة حاسمة للفقر، والابتعاد عن الاساليب الاعتيادية في معالجته من خلال الاعانات، واما مواجهة اخطر يدفع فيها المجتمع ثمنا اكثر فداحة في المستقبل القريب وليس البعيد. التقرير الذي صدر في 218 صفحة غاية في الاهمية ركز علي لفظ "العدالة" والتي اعتبرها في موقع الصدارة في عملية صنع السياسات.. تحقيق تلك العدالة سيؤدي في نظر مؤلفي التقرير الي توفير طاقات ومواهب مصرية كثيرة لاستثمارها في التنمية.. وما لم يذكره التقرير ان غياب تلك العدالة سواء في توزيع الدخل او الدعم او تقديم الخدمات او في الحقوق السياسية كان هو المخدر الاكبر لهمه هذا الشعب والعامل الاساسي وراء تراجعه سواء في قدراته البشرية او في مستوي معيشته التي لا يمكن مقارنتها بأي من الدول المجاورة او المساوية في الامكانات. وفي نص العقد الاجتماعي الجديد طالب التقرير بأن تسعي الدول الي تشجيع المزيد من المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية من قبل المجتمع المدني معتبرا التمكين السياسي ومنح المواطنين حقوق المواطنة الكاملة لتكون أداة لقيامهم بمسئولياتهم والحصول علي حقوقهم.. معولا اساسيا.. لا يتم الا بوجود احزاب سياسية تمثل المواطن وتصل الي المناطق والفئات المحرومة والبعيدة.. وايضا -وهو الاهم- بوجود مشرع قادر علي اداء وظيفته "بكل دقة". ورفض التقرير ومؤلفوه تبسيط قضية الفقر الذي تبلغ نسبته في مصر طبقا للارقام الرسمية 20% من السكان.. وقالت د.سحر الطويلة ان الفقر ليس جيوبا متناثرة كما نظن ولكن هناك مناطق جغرافية كاملة وطبقات اجتماعية واقعة في شراك الفقر.. ليس فقط فقر الدخل ولكن الاهم هو فقر القدرات وهو ما يكاد يطغي علي جميع المناطق الجغرافية والطبقات في مصر.. حيث فقد المواطن المصري القدرة علي الابداع والابتكار علي جميع المستويات، بل وفقد قدرته علي معرفة حقوقه ناهيك عن المطالبة بتلك الحقوق او مساءلة المقصر. فيما اعتبرت الدكتورة هاينا الشلقامي الاستثمار في البشر عن طريق اعادة النظر في منظومة الخدمات الاساسية هو جزءا من الحل وليس جزءا من المشكلة كما يخيفنا البعض. وقد ركز التقرير علي تحقيق جودة 5 خدمات اساسية وهي التعليم، التأمين الصحي، الضمان الاجتماعي، الائتمان للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، والصرف الصحي. السيناريو الافضل الذي قدمه التقرير كلفته 180 مليار جنيه علي مدار عشر سنوات بواقع 18 مليارا سنويا.. البعض اعتبر تلك مشكلة باهظة.. لكن التكلفة القادمة هي ما سندفعها اذا ما استمر الوضع القائم. التقرير قدم نموذجا لشراكة بين الدولة والمواطن تلك الشراكة أو ذلك العقد - كما قال منير فخري عبدالنور- تحتاج الي موافقة الطرفين.. وتوفير التمويل المناسب. فهل يسمح المناخ السياسي الحالي بذلك العقد الجديد وبتغيير اسس اللعبة ليكون المواطن شريكا وليس محكوما.. ام ان الدولة بنظامها الحالي تصر علي ان تبقي هي ومن يرتبط بها المستفيد الاكبر علي حساب شرائح كبيرة وغالبة في المجتمع.. تحت نظرية "نحن نعرف أفضل".. وتلك قواعد "السلام الاجتماعي". التصريحات حول الشراكة الجديدة تبعث علي الامل.. الاهم هو ان يكون الانتقال من التصريح الي التطبيق.. قبل فوات الأوان. أرقام في التقرير: * محافظة أسيوط بها أعلي معدلات للفقر في مصر 61% من السكان. * المنيا بها أعلي معدل أمية في مصر 50.6% من السكان. * 50% من سكان الوجه البحري يعيشون بدون مياه مأمونة (رقم ارتفع عن عام 1992). * بينما 47% من سكان الوجه القبلي يعيشون بدون مياه مأمونة. * 85% من سكان الوجه القبلي يعيشون بدون خدمات صرف صحي، و47% من اطفالهم يموتون قبل سن الخامسة. * 24% فقط من أصحاب الثروة الاعلي في مصر يشعرون بالامان لمستقبل اولادهم بينما 14% من الادني دخلا يشعرون بالأمان!! اما الامل فلا يشعر به سوي 23% فقط من الاعلي دخلا بينما لا يشعر به 86% من الادني دخلا في مصر.. لا أظن الأرقام تحتاج إلي تعليق. نقطة فاصلة لاتزال العبارة واخبارها ومآسيها تحيطنا بسحابة الحزن علي الرغم من الفرح بكأس الامم الافريقية.. الانباء الأخيرة عن عدم ملكية الشركة للعبارة وانها مملوكة لشركة بنمية لم تقدم جديدا سوي محاولة اخري للتنصل من المسئولية.. لكن الاهم وهو ما كشفه لي نائب رئيس الشركة عمرو ممدوح اسماعيل في حواري معه في برنامج "اتكلم".. ان الشركة البنمية هي ايضا مملوكة له ولوالده ومعهما شريكان سعوديان. عدم امتلاك الشركة للعبارة اذن ليس هنا دليل براءة.. فالشركة صاحبة العبارة "البنمية" تحمل نفس الاسماء. ارجوكم لا تقدموا لهم المزيد من اطواق النجاة.. فهم لم يقدموا طوقا واحدا لأكثر من الف من الغرقي.