انتهت جولة أو دورة هونج كونج لمنظمة التجارة الدولية بعد أسبوع من المداولات والمناقشات والمشاغبات التي شارك فيها 150 وزيرا للتجارة يمثلون دول العالم التي انضمت إلي المنظمة التجارية العالمية WTO. وفي مواجهة البيان الهزيل الصادر عن الدورة حمل المتظاهرون الذين احتشدوا أمام قاعة الاجتماعات صورة للفلاح الكوري الذي انتحر علنا في مدينة كانكون المكسيكية حيث كانت تعقد دورة أخذ دورة للمنظمة 2003 وذلك احتجاجا علي قواعد وقوانين التجارة العالمية. وكتب المتظاهرون الذين تجاوزا عشرات الآلاف تحت الصورة الضخمة للفلاح المنتحر.. لقد ضحي بحياته دفاعا عن الفلاحين في جميع أنحاء العالم. ومن سياتل إلي هونج كونج مرورا بكانكون والدوحة تمضي رحلة العولمة التجارية ومؤسساتها الدولية والتي امتدت حتي الآن لأكثر من سبع سنوات انقسم فيها العالم إلي عالمين وتحولت العولمة إلي عولمتين. عولمة رأس المال المسيطر والتحكم في التجارة الدولية من خلال الشركات الكبري المتعددة الجنسيات والمتركزة في الغرب الأوروبي والأمريكي والشرق الياباني والعولمة الشعبية التي تحتشد في مثل تلك المؤتمرات تحتج وترفع الشعارات التي تنادي بأن الانسان قبل التجارة وهذه العولمة الشعبية تمثل الحركات والتنظيمات المعادية للعولمة التجارية كما تمثل في واقع الأمر مصالح المستهلكين والمستضعفين في الجنوب والشرق الآسيوي الأفريقي والغرب اللاتيني. وتقوم مؤسستان شعبيتان بتقديم كل الدراسات الخاصة بالآثار السلبية للعولمة التجارية علي الدول النامية وهي صندوق الوايلد لايف wild lifo العالمي ومؤسسة أوكسفام Oxfom وتنظمها عدد من التنظيمات الشعبية وغير الحكومية. ومؤتمر منظمة التجارة الدولية الذي أنهي اجتماعه في هونج كونج منذ أيام ناقش ثلاث قضايا رئيسية هي رفع الدعم الذي تقدمه الدول الغنية خاصة أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي لمنتجاتها الزراعية الأمر الذي يلق أضرارا شديدة بالدول الفقيرة والنامية والفلاحين المنتجين في هذه الدول ثم قضايا تخفيض الجمارك علي الواردات والخدمات. والقضية كما هو معروف أثبت منذ عامين في الاجتماع الوزاري للدول المشاركة في منظمة التجارة الدولية والذي عقد في مدينة كانكون المكسيكية (2003) حيث شنت الدول النامية هجوما واسعا ضد الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي لسياستهما الزراعية الخاصة بالدعم والاغراق واعتمد هذا الهجوم علي التقديرات التي كشفت عنها احصائيات البنك الدولي التي تقول بأنه منذ تطبيق قوانين الجات ومنظمة التجارة العالمية سنة 1995 زادت معدلات التجارة العالمية بما يساوي 300 مليار دولار ذهبت غالبيتها إلي الدول الصناعية الكبري في حين خسرت الدول النامية حوالي 200 مليار دولار نتيجة تدني صادرات وسياسات الدعم والحماية التي تفرضها الدول الغنية علي منتجاتها الزراعية ويضرب نيكولاس شتيرن وهو خبير اقتصادي في البنك الدولي مثلا علي ذلك بأن الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي تدفع مليار دولار يوميا دعما لمنتجاتها الزراعية ويأتي هذا بالطبع علي حساب الفلاحين والمنتجين الفقراء في دول الجنوب. واستطاع ممثلو الفلاحين والمنتجين في الدول الفقيرة والنامية أن يكسبوا جولة مهمة في هذا الاجتماع ووضع سياسة دعم المنتجات الزراعية خاصة القطن والذي يأتي علي حساب الدول النامية حيث يحتكر القطن الأمريكي السوق العالمي ويسد الطريق أمام الدول النامية لتوسيع مجالات التصدير. وفي هذا الاجتماع التاريخي في كانكون هاجم وزراء الاقتصاد في الدول النامية السياسات التجارية الأمريكية وعبر وزير تجارة بنين وهي احدي الدول الافريقية المنتجة للقطن عن ذلك حين قال إن سياسة أمريكا الزراعية تغلق المدارس والمستشفيات في بنين. لقد فشل اجتماع كانكون الذي عقد منذ عامين في الوصول إلي أي اتفاق محدد حول القضايا التي كانت مطروحة والتي تتعلق بالمنتجات الزراعية وسياسات المنافسة الحرة والقاتلة ولكن المؤكد أن الفقراء كسبوا معركة مهمة وهي إعادة الثقة إلي دورهم والقدرة علي الاحتجاج والخروج من دائرة التهميش. وأدي اجتماع كانكون والنجاح النسبي الذي حققه الفقراء إلي تشكيل تكتل اقتصادي دولي داخل مجموعة الدول المشاركة في منظمة التجارة الدولية أطلق عليه مجموعة الواحد والعشرين (21 دولة) وهي تضم الصين والهند والبرازيل ومصر وجنوب أفريقيا واتفقت هذه الدول علي التشاور لاتخاذ مواقف مشتركة للدفاع عن قضايا واشكاليات التجارة العالمية خاصة بالنسبة للدول النامية. وقد بان دور هذه المجموعة بشكل واضح في اجتماعات هونج كونج الأخيرة سواء بالنسبة لتأكيد قرار منظمة التجارة الدولية في العام الماضي بضرورة وقف كل من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي سياسة دعم المنتجات الزراعية التي تضر بمصالح الدول النامية كذلك القرار الخاص بالمستويات المرتفعة من التعريفات الجمركية التي تعرضها الولاياتالمتحدة وعلي منتجات الدول النامية. وهكذا تتواجه العولمتان في كل مرة ينعقد فيها مؤتمر منظمة التجارة الدولية سواء كان في سياتل 1999 أم في الدوحة 2001 أم في كانكون 2003 أم في هونج كونج 2005 عولمة الرأسمالية السائدة والمستبدة التي تتحكم في الأسواق والبشر والمنتجين وتفرض قوانينها الخاصة التي تسعي إلي الربح والربح علي حساب كل شيء. والعولمة الانسانية التي ترفع الشعارات وتنظم المظاهرات ومسيرات الاحتجاج وتحشد القوي الاجتماعية علي النطاق القومي والقاري الدولي المتضررة والمتمثلة في الطبقات العادلة والمنتجة والمتمثلة في اتحادات العمال والاتحادات المهنية وجموع المثقفين من كتاب ومفكرين وعلماء وأنصار البيئة والقوي الديمقراطية المعادية للحروب والاستقلال. حقيقة أن اليد العليا مازالت لأصحاب السوق والمال ودعاة الهيمنة والسيطرة لأنهم الأقوي والأكثر قدرة ولكن قوي العولمة الشعبية الانسانية تتزايد وتكسب كل يوم أرضا جديدة وهذا ما أكدته اجتماعات هونج كونج.