أخيرا انتهت لعبة التحالف في ألمانيا، وان كان البعض يعتقد أنها مجرد البداية. والاتفاق الذي تم في الاسبوع الماضي بين الحزب المسيحي الديمقراطي وشقيقه الحزب المسيحي الاجتماعي في بافاريا والحزب الاشتراكي الديمقراطي علي تشكيل ما يسمي بالتحالف الكبير جعل من آنجيلاميركل رئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي أول سيدة علي الاطلاق تتولي منصب المستشار في ألمانيا. ولكن هذا الافتاق نفسه سلب من المستشارة الجديدة فرحة النصر والتفرد حين حد من سلطات المستشار حين أعطي للحزب الاشتراكي الديمقراطي ثمانية وزارات من بين 14 وزارة هي مجموع مجلس الوزراء الفيدرالي ليس هذا فقط بل ان الوزارات التي حصل عليها الحزب الاشتراكي الديمقراطي هي وزارات أساسية أو بالمعني الذي تعودنا عليه وزارات سيادة منها الخارجية والمالية والعمل والعدل. والانتخابات العامة التي جرت في ألمانيا منذ حوالي شهر أسفرت عن نتائج لم يكن فيها مهزوم ومنتصر بالمعني الحرفي للكلمة بينما حصل الحزب المسيحي الديمقراطيي وشقيقه المسيحي البافاري علي 2.35% من الأصوات حصل الحزب الاشتراكي الديمقراطي علي 3.34% من الأصوات، كما أن الاحزاب الثلاثة الأخري التي دخلت البرلمان لم يستطع أي منها أن يحصل علي نسبة مريحة تمكنه من ترجيح كفة أي من الحزبين الكبيرين. فقد حصل الحزب الليبرالي الحر - الحليف التقليدي للمسيحيين الديمقراطيين علي 10% من الأصوات والمقاعد، بينما حصل حزب الخضر الحليف التقليدي للاشتراكيين الديمقراطيين علي 3.8% من الأصوت والمقاعد، أما حزب اليسار الجديد فقد حصل علي 9.8% من الأصوات والمقاعد. وبلغة اليسار واليمين فلقد حصلت أحزاب اليسار الثلاثة - الاشتراكي الديمقراطي والخضر واليسار الجديد - علي حوالي 53% من الأصوات أي الاغلبية المطلقة، بينما حصل اليمين - الحزب المسيحي الديمقراطي وشقيقه المسيحي البافاري والحزب الليبرالي علي 47% من الأصوات، لكن المشكلة الحقيقية ان حزب اليسار الجديد الذي تشكل من كوادر حزب العمال الموحد - الشيوعي - الذي كان يحكم ألمانيا الديمقراطية حتي 1991 وانقسام الجناح اليساري في الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة أوسكار لفونتين رفض الدخول في تحالف الحزب الاشتراكي الديمقراطي. كما ان المستشار شرويدر زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي أعلن بوضوح أيام المعركة الانتخابية انه لن يدخل في تحالف مع حزب اليسار الجديد وغريمه الرئيس لافونتين رغم ان قطاعا مهما داخل الاشتراكيين كان يحاول الضغط من أجل بناء تحالف يساري عريض حتي ولو كان في صورة الموافقة الصامتة أي ان يمرر اليسار الجديد ونوابه في البوندستاج حكومة أقلية اشتراكية. وبقدر ما أصبح التحالف الكبير بين الحزبين الاخيرين هو البديل الأوحد للخروج من الأزمة التي أسفرت عنها نتائج الانتخابات الألمانية وتواصلت قرابة شهر، فإن الكثيرين غير متفائلين بقدرة هذا التحالف علي الاستمرار والتواصل طوال السنوات الأربعة القادمة. فالبرامج مختلفة ومتباينة والمواقف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تقع علي طرفي نقيض وبرنامج الاصلاح الاقتصادي الذي وضعه شرويدر منذ عامين والذي استهدف في الأساس ايجاد حلول عملية لمشكلة البطالة المتفاقمة والتي وصلت إلي آفاق غير مسبوقة (5.11%) لم يجرؤ علي المساس بالخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية علي أساس ان الحزب الاشتراكي الديمقراطي يعتبر نفسه ممثلا عن العمال والطبقات الوسطي والصغيرة. بينما يشهد الحزب المسيحي الديمقراطي وزعيمته المستشارة الجديدة انجيلا ميركل تفعيل الانتاج والتصدير من خلال دعم للقطاع الخاص والشركات الألمانية الكبري حتي تستطيع ان تفتح المزيد من الأسواق العالمية وتوفر بالتالي فرصا كثيرة للعمل. وبينما أخذ الحزب الاشتراكي الديمقراطي والمستشار شرويدر أثناء توليه السلطة في السنوات السبع الماضية ما سمي بسياسة التحالف النقدي مع الولاياتالمتحدة وهو ما عبرت عنه ألمانيا والمستشار شرويدر في رفضه الغزو الامريكي للعراق والتصويت ضده في مجلس الأمن وتحالف مع فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي للوقوف ضد كثير من السياسات الاقتصادية الامريكية في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش خاصة فيما يتعلق بالحروب التجارية والعلاقات مع ايران. بينما كان الحزب المسيحي الديمقراطي وعلي مدي نصف قرن يمثل الحليف الأساسي لرئيس الولاياتالمتحدةالامريكية ليس في ألمانيا فقط بل وفي أوروبا كلها ويعارض سياسات شرويدر وحزبه الاشتراكي الديمقراطي وحليفه حزب الخضر ويتهمهم بأنهم يشيعون في ألمانيا سياسة العداء للامريكية علي وزن العداء للسامية. أيضا فيما يتعلق بسياسات الهجرة من جنوب المتوسط وشرق أوروبا فمازال شرويدر وحزبه يؤيدون سياسة الانفتاح علي الشرق والجنوب واستيعاب الأقلية التركية والأقليات الأخري المقيمة علي الأرض الألمانية والموافقة علي دخول تركيا الاتحاد الأوروبي كجزء من الانفتاح علي ثقافات الشعوب الاخري، وكان شرويدر يعتبر ان هناك فرصة طيبة لألمانيا لكي تدفن إلي الأبد تراثها النازي البغيض من خلال إيجاد مجتمع متعدد الثقافات. أما الحزب المسيحي الديمقراطي فلديه مشروع متشدد ازاء الهجرة إلي ألمانيا من الخارج ويقف ضد دخول تركيا الاتحاد الأوروبي ويحذر من أن التسامح مع المهاجرين من الشرق والجنوب قد أدي إلي تلويث الثقافة والتراث الألماني. ان هذا التباين الشديد في البرامج والأهداف السياسية والاجتماعية والثقافية بين الحزبين اللذين يشكلان طرفي التحالف الكبير لدي البعض بأن الحكومة الجديدة لن تستطيع ان تقدم حلولا للمشاكل العاجلة التي تواجه ألمانيا وخاصة في المجال الاقتصادي وهي تمتطي جوادين يركض كل منها في اتجاه معاكس. وحتي قبل أن يمر أسبوع علي اعلان التحالف شدد شرويدر في خطاب له عن ضرورة ان تبقي ألمانيا خارج الحسبة الأمريكية في العراق، كما طالب الحكومة الجديدة بالالتزام باستكمال مسيرة الاصلاح الاقتصادي الذي وصفته حكومته في الفترة القادمة. والمؤكد أن الحكومة الجديدة ومستشارتها المترددة لا تقدم الفصل الختامي في الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعيشها ألمانيا، مازالت هناك فصول مثيرة قد تعثر الصورة كلها.