أثار قرار إجراء محاكمة المتورطين في أحداث استاد بورسعيد داخل قصر ثقافة الإسماعيلية استياء المثقفين المصريين، الذين رأوا أن في ذلك القرار إهانة للثقافة المصرية، بتحويل أحد المراكز الثقافية المهمة إلي محكمة لعقاب المجرمين. وصف سعد عبدالرحمن رئيس هيئة قصور الثقافة في مؤتمر صحفي عقده بمقر قصر ثقافة الإسماعيلية بأن ما يحدث هو نوع من «الغباء» لأن القصر يقع وسط تجمع سكاني، كحما أن ما يحدث يعد امتدادا للأسلوب الأمني الذي كان يحدث في عهد مبارك وربما أكثر قوة منه، فما يحدث يعد إهانة لمصر ولوزارة الثقافة وللمثقفين. تؤكد منيرة صبري - رئيس إقليم القناة وسيناء الثقافي - أن المسألة تم حلها وقامت شركة المقاولون العرب بتركيب المائة والأربعين كرسيا التي تم خلعها من مسرح قصر الثقافة، الذي بدأ ممارسة نشاطه مرة أخري، وأن ذلك تم بفضل الوقفة الشجاعة من الأدباء والمثقفين في الإقليم من سيناء وبورسعيد والإسماعيلية والعاملين بالقصر الذين حموا القصر بأجسادهم في مواجهة قوات الأمن التي حاولت اقتحامه دون إذن من هيئة قصور الثقافة أو وزارة الثقافة ودون تصريح رسمي. وتضيف منيرة صبري قائلة: لقد قمت بتقديم بلاغ إلي المحامي العام فور علمي بالحدث، والذي أرشدني إلي ضرورة تقديم بلاغ في القسم، لأن ما حدث هو قرار خطأ فتحويل قصر للثقافة والفنون إلي محكمة يقدم صورة سيئة للثقافة واستهانة للعقل المصري.. وتكرار لما حدث في حريق مسرح بني سويف نظرا لأن مكان القصر يقع في سرة المدينة ولو أقيمت المحاكمة كانت ستحدث أمور لا تحمد عقباها. الروائي إبراهيم عبدالمجيد يصف ما يحدث بأنه «جنون» لا يمكن تخيله، فإن يتحول مكان للثقافة وللمعرفة والعلم إلي محكمة أمر يتنافي مع الأعراف الأخلاقية لما فيه من تشويه للأماكن الثقافية، نظرا لأن «المحاكمة» عمل قانوني له مكانه الخاص، بعيدا عن المكان الثقافي المنوط به تقديم عمل معرفي بالأساس. ويضيف عبدالمجيد قائلا: ما يهمني هو الفعل الأخلاقي، فالقائمون علي السلطة يبدو أنهم ينظرون للثقافة نظرة دونية، وهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلا. أما الكاتب المسرحي محمد أبوالعلا السلاموني فيقول: هذا إجراء غير مسبوق، في أن يتحول مكان ثقافي إلي فعل سياسي خصوصا في قضية قد تكون من أهم القضايا التي واجهت الشعب المصري بعد الثورة، ولم تستطع السلطات الحاكمة إيجاد حل لها، وهذا يدل علي عدم فهم السلطة الثقافية، ويدل كذلك علي استهانتها بالثقافة والمثقفين. ويناشد السلاموني المثقفين كافة أن يعلنوا موقفهم الجاد تجاه هذا الأمر، لأن تحويل قصر ثقافة الإسماعيلية إلي محكمة يجعل من الثقافة أمرا مشكوكا فيه لدي عامة الشعب بعد ذلك، نظرا لأنهم سينظرون إليه كأداة من أدوات السلطة المشكوك فيها، وهذا يسيء للثقافة والمثقفين وسندنا في ذلك هو «استقلال القضاء». وكان من المفترض أن تقام المحاكمة في مكان بعيد عن التجمع السكاني، مكان محايد يدل علي قيمة القضاء. لأن هذا الأمر يعرض سمعة الثقافة للتشويه، ويعطي فرصة لأعمال الشغب والعشوائية، فإقامة المحاكمة بهذا الشكل يثير الشبهات لمكان من المفترض أن يحترمه الشعب. غياب المثقف أما الشاعر ماجد يوسف - رئيس لجنة الشعر - فيقول: نحن الآن كمثقفين نجني ما زرعت أيدينا خلال الثلاثين عاما الماضية، بمعني أن المثقف تخلي عن دوره الريادي والقيادي وأصبح عبدا لسيف المعز ولذهبه إما بالمنح أو العطايا أو النشر، منذ الصيحة الشهيرة لوزير ثقافة مبارك «إن المثقفين دخلوا الحظيرة» الذي كان بمقولته هذه يدشن وضعا قائما بالفعل. فقد غاب المثقف المناضل، وربما انحسرت المسألة في أحاد معروفين بالاسم هم من ناضلوا، أما عموم الحياة الثقافية المصرية فاستنامت واستجابت للحظيرة. ويضيف يوسف قائلا: عندما قامت الثورة لم يكن للثقافة الوزن الذي تستحقه، فكان من المفترض أن تكون لها قيمتها المتراكمة خلال الثلاثين عاما الماضية بحضور متكافئ في الثورة، أما وقد غاب الدور، فقد هانت الثقافة علي القائمين بالثورة شعبا وجيشا فلم يهتم أحد بأن يجعلها في الصدارة. وهذه الصورة تم التكريس لها، كذلك استسلام المثقفين للوضع مما قلص حجمهم. ويطالب ماجد يوسف المثقفين بأن يتحدوا علي كلمة واحدة بعيدا عن الصراعات الفكرية والمذهبية، ويعرفوا جيدا كيف تدار الخلافات والاختلافات حتي لا تتفتت أصواتنا في الفراغ، خاصة في ظل الهجمات الشرسة التي نراها الآن من التيار الإسلاموي في مجلس الشعب الذين يتربصون بالثقافة ويقيمون لها محاكم تفتيش. تدمير الفعل الثقافي أما المخرج المسرحي حسن الوزير فيعبر عن إدانته لهذا التصرف قائلا: أدعو وزير الثقافة ورئيس هيئة قصور الثقافة والمثقفين التمسك بموقفهم الرافض لتحويل قصر الثقافة إلي محكمة، وأطالبهم بتقديم استقالتهم إذا لم ينفذ ما طالبوا به، لأن هذا معناه إهانة لكل مثقفي مصر. فالموضوع ليس مكانا، ولكن يبدو أن هناك أغراضا غير معروفة لاختيار قصر ثقافة الإسماعيلية للمحاكمة لأنه مكان وسط تجمع سكاني، فهذا قرار غير طبيعي، وهناك أماكن كثيرة علي الطريق الصحراوي، فلماذا هذا المكان بالذات؟!! ويضيف حسن الوزير: أري أن هذا مخطط ليس ابن اليوم فقط فلا نستطيع أن نفصله عن حوادث سابقة مثل حريق مسرح بني سويف وحريق المسرح القومي لأن هناك مخططا لحرق الثقافة المصرية، خاصة المسارح لما تقوم به من دور من إقامة علاقة خاصة مع الجمهور. ويؤكد عاطف مغاوري - عضو مجلس الشعب عن حزب التجمع - أن هذا الحادث ليس منفصلا عن إسقاط المادة الخاصة بحرية الإبداع من دستور 71 التي لم يرد لها ذكر في الإعلان الدستوري، ففي ظل الدعوات التي تتردد في أرجاء الوطن من بعض التيارات حول الحد من حرية الإبداع، نجد أن ما يحدث مسألة رمزية مفادها التقليل من شأن الثقافة، فإن يتحول مكان للثقافة إلي مكان لمحاكمة مجرمين عن جرائم ارتكبوها في حق الوطن. خاصة أن الثقافة تعاني فقرا وقلة في الأماكن الثقافية، فإن هذا سينطبع في ذهن المواطنين بأن هذه الأماكن للعقاب وليست للمعرفة. والمفترض أنه عندما تكون هناك انطلاقة جديدة لوطن بعد الثورة أن تقتطع الأماكن التي كان يستولي عليها الاستبداديون لتتحول إلي منارات ثقافية وفكرية وليس العكس، فتراث الثورات يدلنا علي ذلك. بيانات واعتراضات من ناحية أخري فقد صدرت عدة بيانات تندد بما حدث ومنها بيان من «ائتلاف مثقفي بورسعيد من أجل التغيير» والذي جاء فيه: «أن الائتلاف لا يكتفي بالاستنكار والرفض والإدانة، ولكنه يدعو أعضاءه وكل المثقفين المصريين لإظهار مدي خطورة أثر هذا الإجراء علي النشاط الثقافي برمته، وإيضاح مدي تأثيره السلبي علي الجمهور العام، فالحركة الثقافية في مسيس الحاجة إلي زيادة أعداد المسارح، ومن ثم لا يمكنها الاستغناء عن هذا المسرح الذي يعد أهم متنفس لفناني المسرح والأدباء والفنانين وغيرهم ممن يمارسون العمل الثقافي داخل الإقليم وخارجه». أما «حركة نحن الأدبية» فقد أصدرت بيانا تحت عنوان «إلا قصور الثقافة يا وزارة العدل» جاء فيه «إن إحساسا بالصدمة أصاب الحركة الثقافية المصرية بحدوث ما لم يكن أحد من المثقفين أو من سائر المواطنين يتوقعه من وزير العدل، فقد اختار الوزير صرحا ثقافيا هو قصر ثقافة الإسماعيلية ليكون مكانا لعقد محاكمة المتهمين بالضلوع في مجزرة استاد بورسعيد بعدما تم التلويح بعقدها في أكاديمية الشرطة بالمجمع الخامس بالقاهرة». وأضاف البيان «أن هذا القصر بمسرحه هو من أهم وأكبر مراكز الإشعاع الثقافي بمصر كلها، ولا يخدم الحركة الثقافية بمدينة الإسماعيلية وحدها، وإنما يمتد نشاطه ليشمل جميع الفعاليات الثقافية من مهرجانات ومسابقات وعروض مسرحية وسينمائية وملتقيات وندوات أدبية وفنية ودينية وسياسية وكل ما يتعلق بالشأن الثقافي محليا وإقليميا وقوميا ودوليا.