بأي ذنب قتلت؟ في قرية العرائش بالقرب من مدينة طنجة المغربية تعيش الصبية الشابة «أمينة الفيلالي» التي تبلغ من العمر 16 عاما، وهي وفقا للمعايير الدولية طفلة لم تصل بعد إلي سن الرشد، اغتصبها رجل يكبرها بعشر سنوات، ولأن المادة 475 من قانون العقوبات الجنائية المغربي تتيح للمغتصب أن يتزوج ضحيته في مقابل الإفلات من العقوبة التي تصل إلي عشرين عاما من السجن المشدد لمن يغتصب قاصرا، ولكي تنقذ الأسرة سمعتها، أجبرت أمينة علي الزواج من مغتصبها، فعاقبتها مرتين، مرة بواقعة الاغتصاب السافلة، ومرة ثانية، باجبارها علي الزواج من مجرم يستحق العقاب، بزعم الحفاظ علي شرف الأسرة. لكن عذاب أمينة لم يقتصر علي هاتين الجريمتين اللتين ارتكبتا بحقها، وهي طفلة كانت بحاجة إلي الحنان الأسري والعلاج النفسي، قبل أن يجري اغتيال طفولتها وانتهاكها بالاغتصاب، ثم بالزواج ممن اغتصبها. فقد كانت المفاجأة المذهلة التي تحمل إرثا من التخلف الاجتماعي والثقافي أن الزوج عذبها علي امتداد الستة اشهر التي عاشت فيها معه وأمعن في سوء معاملته لها، مرة لإنها فتاة مغتصبة، ومرة أخري لرفضها له، فما كان من الطفلة الصغيرة التي لم تجد عونا من الأسرة أو المجتمع الذي تحكمه تقاليد بالية بالغة التخلف، تختصر شرف المرأة في جسدها وعذريتها، إلا أن أقدمت علي الانتحار بتناول سم الفئران لتضع حدا لآلامها وعذابها النفسي، فماتت علي الفور. المجرم الحقيقي في هذه الفاجعة التي هزت المجتمع المغربي من سفحه إلي قمته ، هو القاضي الذي أصدر حكما إلزاميا للمغتصب بالزواج من ضحيته من أجل رد الضرر بعد أن قاضته أسرتها، وهي التقاليد الاجتماعية السائدة، التي تعتبر غشاء العذرية هو مصدر الشرف، بعد أن أصبحت العمليات الجراحية لترقيعه أكثر انتشارا من مخدر البانجو. الذي ينتشر من المحيط إلي الخليج المجرم الحقيقي هو الفقر الذي اجبرها علي التسرب من المدرسة في مرحلة التعليم الإلزامي لترعي اشقاءها، وتشارك أمها وثلاث من شقيقاتها الخدمة في المنازل لتوفير الاحتياجات الأساسية للأسرة التي يقبع ربها في المنزل عاطلا عن العمل. المجرم الحقيقي هو الأسرة التي لم تستطع بسبب البؤس والشقاء، والفقر والعوز والجهل، أن تضفي أي شكل من الحماية علي ابنتها الطفلة الصغيرة التي دفعت حياتها ثمنا لجرائم لم ترتكبها. القضية، دفعت بالمظاهرات الحاشدة أمام البرلمان المغربي للمنظمات النسوية والحقوقية التي طالبت بإلغاء المادة 475 من قانون العقوبات الجنائية التي تعفي الجاني من جريمة الاغتصاب من العقوبة التي يفلت منها بالزواج من ضحيته التي تدفع ثمن افلاته من العقاب، وحذف المادة 20 من قانون الأسرة التي تسمح للقاضي بتزويج القاصر، وهو ما وعد وزير العدل المغربي بالغائها. صحيح أن العنف ضد المرأة، هو وليد ثقافة اجتماعية راسخة في التخلف، لكنها ليست بعيدة عن الخيارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تقمع الجدل السياسي في المجتمعات، وتؤبد الفقر، وتروج لثقافة الاستهلاك. كما أنها أصبحت جريمة تتصاعد الآن في معظم دول الربيع العربي، وفي الدول التي صعد إلي برلماناتها تيار الإسلام السياسي كالمغرب، حيث تدعو احزاب إسلامية تونسية تشكلت بعد الثورة إلي أن يتضمن الدستور التونسي الجديد الحق في اتخاذ «جواري» ، كما تلاحق الفتيات في شوارع العاصمة المغربية الرباط وتمزق ثيابهن في الطرقات العامة لأنه لباس غير شرعي ومناف للتقاليد الإسلامية! يحق للطفلة المغربية البائسة أمينة أن تصرخ من السماء، وأن نصرخ معها: بأي ذنب قتلت؟