انفجار الأفلام التسجيلية وفتح قاعات العرض للتحرير 2011 في عام واحد هو 2011، سمح الموزعون للأفلام لأفلام مختلفة بالتواجد والعرض علي شاشات قاعاتهم المخصصة للأفلام التجارية الروائية دائما، ولأول مرة في مصر يعرض فيلم تسجيلي طويل هو (التحرير 2011) الذي يتضمن ثلاثة أجزاء تدور حول الثورة المصرية والعناصر الأههم المحركة لها، وضدها. لم يحقق الفيلم الذي عرض بدون دعاية تقريبا إيرادات بالملايين ولكنه حقق خطوة مهمة ارتقت بوضعية السينما المصرية وعبرت عن تنوعها وتنوع جمهورها أيضا، وكان التنوع مرفوضا في السينما كما هو الحال في السياسة، ولعل حصول الأفلام الوثائقية والتسجيلية علي هذا الحق القديم ضمن أهم ظواهر عام ثورة 25 يناير المجيدة، أما الظواهر الأخري فهي تتعلق أيضا بذلك المناخ الذي خلقته روح الثورة لدي المبدعين والجمهور علي حد سواء، وساهم في إعادة النظر في تقييم أفلام تمت كتابتها وإخراجها قبل الثورة ولكن عرضها بعدها أضاف لها أبعادا مختلفة برغم حصول بعض هذه الأفلام علي جوائز دولية مثل «ميكروفون» و«حاوي» و«الفاجومي» و«كف القمر» وأخيرا «أسماء».. وظاهرة أشد وضوحا في عالم إلغاء مهرجانات السينما المصرية الدولية «بحجة عدم استتباب الأمن» هي صعود مهرجانات جديدة للفيلم التسجيلي والقصير، حاملة معها أعمال وأفكار عشرات المبدعين الشباب الذين وجدوا في هذه المناسبات المكان المناسب للتواصل مع جمهور دائما حاضر، وأظن أن هذه المهرجانات التي فتحت أبوابها للإبداع الطازج - إذا جاز التعبير - عن أحداث الثورة وحالة الناس قبلها، وبعدها، أضاءت ليالي القاهرة وعوضت جزءا مهما مما فقد لتوقف مهرجانات المسرح والسينما، وربما لو أتيحت للجهات التي تنظمها إمكانيات أكبر لأصبح للفيلم التسجيلي والقصير في مصر شأن أكبر ولأصبح وعي الجمور أيضا أكبر في هذا العام الجديد والأعوام القادمة التي لابد أن يتحرك فيها الفن ليقترب أكثر من الحياة وتتحرك وسائل عرضه إلي دوائر الانتشار الجماهيري. دور الثقافة الجماهيرية ومادامت قنوات التليفزيون قد أغلقت أبوابها أمام هذه الأفلام فإنه علي جهاز الثقافة الجماهيرية أن يعيد «نوادي السينما» في قصوره وبيوته لتقوم بدورها القديم المؤثر وأن تستمر المهرجانات الجديدة بالعاصمة في مسيرتها وهي مهرجان «كام» الذي أقيم بدار الإبداع بالأوبرا للمرة الأولي في سبتمبر الماضي عن الجمعية المصرية للثقافة والتنوير، ومهرجان يوسف شاهين للسينما المستقلة الذي يقيمه حزب التجمع وكانت دورته الثانية في اغسطس الماضي ومهرجان المركز الثقافي الألماني (جوتة) في اكتوبر، وقبلهما مهرجان (الساقية) وأظن أن عددا آخر من الجهات اقامت مهرجاناتها التي لابد أن تنسق بينها ليصبح التعبير السينمائي عن الحياة المصرية مفتوحا بلا قيود بعد ثورة اسقط نظاما قيد كل شيء في حياتنا، وبعد ثورة في التعبير عن الاحداث في عامها الأول، أخيرا فإن الجمعية الوحيدة التي تقيم مهرجانا سينمائيا دوليا وصممت علي اقامته برغم قرار حكومة عصام شرف هي جمعية كتاب ونقاد السينما والتي تستحق التحية عن موقفها حين اقامت مهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي السابع والعشرين في الفترة من 5 إلي 9 اكتوبر الماضي بمدينة الاسكندرية، وتضمنت عروض مسابقة الافلام القصيرة بها خمسين فيلما بينها 15 فيلما روائيا قصيرا، و13 فيلما تسجيليا، وعشرة أفلام تحريك والجديد هنا هو المسابقة الاضافية لأفلام الثورة والتي تضمنت اختيار 12 فيلما للعرض بها، حصل ثلاثة منها علي جوائز هذا الفرع وكان المدهش هو أنها لمخرجين ومخرجات جدد يمتلئون بالرغبة في التعبير عما يحدث في مصر، لا تنقصهم الموهبة ولاالحرفية والاجتهاد، بعضهم درس السينما اكاديميا، والبعض علم نفسه، والكثير منهم ومنهن، استوعبته الفضائيات العربية التي تهتم بالبرامج التسجيلية والوثائقية مثل (الجزيرة) و«العربية». أنا والاجندة في (برد يناير) يقدم المخرج روماني سعد صورة لحال أسرة من أسر الفقراء الذين يبيعون الاعلام للناس في أيام الثورة، أم وأطفالها يعيشون في حجرة فارغة بعد أن باع الأب كل شيء ثم طفش فلا تجد الأم مهارة لديها إلا حياكة الأعلام المصرية حتي تعول نفسها والاطفال، فيلم قليل الحوار الصورة فيه اكثر من معبرة وخاصة حين يتحول «العلم» من مصدر للرزق إلي مصدر للوعي ، أما فيلم (ثورة شباب) للمخرج عماد ماهر فيقدم صورة أخري داخل بيت آخر لأب يتابع الأخبار في التليفزيون يوم 28 يناير (جمعة الغضب) فيكتشف أن كلا من ابنه الشاب ووالده العجوز كانا في الميدان دون أن يعرف، ويأتي الفيلم الثالث ضمن الفائزين بجوائز المهرجان ليقدم صورة (ثالثة) خارج البيت وداخل الميدان، وهو(أنا والاجندة) للمخرجة نيفين شلبي، والذي يطرح الصورة الأكبر في الحدث، أي شباب الثورة وهم يحكون عن أسبابهم الحقيقية للنزول إلي الميدان والاستمرار وتأتي شهاداتهم (اربع شخصيات) متوازية مع أحداث الثورة من اليوم الأول وحيث اختارت المخرجة من خلال عنوان فيلمها الرد علي الاتهامات الموجهة للشباب بتنفيذ اجندات خارجية بالإعلان عن الاجندات الحقيقية لدي المواطنين المصريين والتي دفعتهم دفعا إلي الخروج والصمود بعد أن انتهي الصبر. وأفلام بروح الثورة في عام 2011، عرضت افلام مثل (الفاجومي) تأليف واخراج د. عصام الشماع عن حياة الشاعر المناضل أحمد فؤاد نجم والذي قام بدوره الفنان خالد الصاوي، وقام بدور رفيق نضاله الشيخ إمام الفنان صلاح عبد الله، وأيضا عرض فيلم (كف القمر) للمؤلف ناصر عبد الرحمن والمخرج خالد يوسف عن انهيار الحياة الانسانية والاجتماعية في مصر من خلال قصة أم صعيدية يذهب ابناؤها الخمسة للعمل خارج قريتها فيبدأ الغرباء في التعدي عليها ونهشها ويكون مطلبها الوحيد قبل الرحيل أن يعود ابناؤها لبناء بيتهم المنهار من جديد في بعد رمزي لا يخفي علي مشاهد، أما فيلم (ميكروفون) لأحمد عبد الله فيطرح صورة لمحاولات مجموعات الشباب في الاسكندرية في التعبير عن انفسهم بلغة الموسيقي الحديثة والتي تحمل كلمات مختلفة عن الغناء التقليدي وتتوجه إلي جمهور يبحث عنها لكنها في نهاية المطاف تواجه بالقمع البوليسي حين تمر «سيارة الشرطة» وتأمر بإيقاف تجهيزات المسرح.. وإلغاء العرض 00 أما فيلم (حاوي) لإبراهيم البطوط فهو دراما عن القهر المستمر والمتوغل في الماضي وحتي حدود الحاضر (انتج عام 2010) تدور احداثه ايضا في الاسكندرية وتبدأ بخروج (سجين) من سجن استغرق عشر سنوات، وبحثه عن طفلته التي اصبحت شابة، وتسكعه أمام الجديد الذي يراه في مدينته وتغير أحوالها وأحوال اصدقائه وأقاربه، صورة تبتعد عن التفاصيل الصغيرة والحكايات التقليدية لتقدم مناخا تعلو فيه البرودة وليخيم علي الصمت والخوف علي كل شيء وهو ما نراه من خلال شخصيات معدودة وخطوط مفتوحة بين الماضي والحاضر وصورة من القمع في كل صوره بل وازدراء المواطنين،، ويأتي فيلم (اسماء) للمؤلف والمخرج عمرو سلامة ليختم العام الماضي من خلال دراما تتناول بجرأة التعامل الاجتماعي مع مرضي «الايدز» من منظور حكم اخلاقي جائر لا يفرق بين أي منهم، ولا يتوقف أمام التفاصيل وهو ما نراه من خلال مسيرة بطلة الفيلم التي قامت بدورها هند صبري باجتهاد واهتمام ووعي- وحيث يشتبك في تلك المسيرة الشخصي بالعام، والأنساني بالتمييزي، ويتحول الناس إلي حكام علي بعضهم البعض، وأيضا شغف الاعلام بتناول القضايا الساخنة وسعيه إلي اضفاء المزيد من الاثارة إليها، وأخيرا تأتي قضية المرأة في هذا التناول الذي يؤكد علي ارتباط قضايا المواطن بعضها ببعض طالما واجهت نفس الواقع والسياسات الظالمة. «كان» تحتفل وأخيرا .. علينا أن نؤكد من جديد علي الجديد في هذا الرصد لسينما عام الثورة، فإذا كنا في مصر لم نر بعد فيلم (18 يوم) الروائي المكون من عشرة أفلام قصيرة ضمها اطار واحد هو الموضوع ووجهة نظر مخرجيها العشرة في الثورة (عرض الفيلم في مهرجان كان الماضي وسط احتفال تكريمي للثورتين المصرية والتونسية) فإننا رأينا فيلم (التحرير 2011) الذي يحمل اسما آخر مأخوذ من اسماء اجزائه الثلاثة (الطيب، الشرس، والسياسي) والطيب هنا هو الشعب المصري الذي خرج ليؤزار الثورة في بدايتها كما يقدمه المخرج تامر عزت من خلال رصد لاحداث أيام الثورة متزامنا مع حكايات عدد من المواطنين مما حدث لهم في تلك الأيام ، خاصة تلك الفتاة الشابة التي نزلت وصديقتها وحدهما ثم كرت المسبحة لتأخذ معها عائلتها وصديقاتها وأسرهن وليصبح الذهاب إلي الميدان واجبا ورغبة داخلية عميقة لدي الجميع، أما النموذج الثاني في الفيلم فهو مصور شاب كان في منحة دراسية في الدنمارك حين قامت الثورة ولم يطق صبرا فعاد مسرعا ليقوم بما اعتبره واجبا وحقا للبلد وأصبح منذ اللحظة الاولي لوصوله أحد مصوري الاحداث وحيث نراه أحيانا في لحظات عديدة يقوم بحيل لا يتصورها احدنا لتوثيق امر ما أو رصد هجوم الشرطة أو انقاذ البعض بتعاون كامل مع ابناء الميدان أما الجزء الثاني من الفيلم (الشرس) اخراج آيتن أمين فهو يحاول الاجابة عن السؤال الدرامي حول علاقة الشرطة بالشعب، وكيف وصلت إلي ما وصلت إليه، وهل كانت مجرد صورة لتعليمات نظام قمعي؟ أم دافع داخلي للبعض للتسيد علي بقية مواطنيه؟ في لقاءات عديدة الفيلم نكشف الفارق بين صدق ومراوغة الشرطة، بين من اعترف بالخطأ والاغراق في تنفيذ التعليمات بل والخجل والرغبة في استعادة علاقة سوية مع ابناء وطنه، وبين من يعتقد أن الوقت قد فات وأنه ليس مسئولا عما حدث ويأتي الجزء الثالث من الفيلم (السياسي) ليقدم بورتريه عن مبارك في بداياته إلي أن يصل إلي خطاب التنحي لعمر سليمان وبينهما يضع المخرج وجهات نظر ساخرة في خطوات الرئيس السابق إلي المنحدر من خلال عنوان طريف هو (عشر خطوات لصناعة الديكتاتور) تبدأ بتغيير «اللوك» وبحيث عليه- اي الديكتاتور- تحسين صورته وصبغ شعره!! ، ثم تحويل كل الأمور لتسير في مجراه وخلفه بمساعدة جيش من المنافقين الذين يحولون رغباته إلي اوامر وقوانين، فيصبح كل شيء باسمه، ويذكر لفيلم أنه كانت توجد 9684 مؤسسة في مصر باسم مبارك، وعشرات الاغنيات والاوبريتات وآلاف المقالات والصور عنه دائما.. وفي كل مناسبة ودون مناسبات ايضا.. ويستعين الفيلم بكل الوثائق الشخصية للرئيس السابق منذ كان ضابطا صغيرا وحتي اصبح رئيسا، وايضا الوثائق المصنوعة مثل صورة جريدة الأهرام التي تمت صناعتها من أجل الرئيس فأصبح في مقدمة مجموعة رؤساء بينهم أوباما وليس في شمال مؤخرة الصورة وهناك ايضا رسوم الكاريكاتير والفوتوشوب وابداعات الاقلام الساخرة في هذا الجزء الذي يختتم الفيلم بايقاع سريع برغم أن صورة الشعب كانت هي الأولي بهذا الختام.