نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد الكبير بالمحلة    جامعة قناة السويس تنظم تدريبًا لتأهيل طلابها لسوق العمل    مقارئ وندوات علم.. أوقاف جنوب سيناء تنفيذ البرنامج الصيفي للطفل داخل 60 مسجدا    الإسكان: زراعة 12 ألف شجرة مثمرة ضمن مبادرة الرئيس «اتحضر للأخضر» (صور)    محافظ أسيوط يوجه الإصلاح الزراعي بتكثيف منافذ السلع المتنقلة في الميادين    تكثيف أعمال النظافة بالوحدات المحلية بالزقازيق    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة بالأسواق (موقع رسمي)    مدير مستشفى كمال عدوان يحذر من كارثة تواجه شمال غزة    موقف وسام أبو علي من مباراة الأهلي والزمالك    وزيرة التضامن: استمرار عمل الخط الساخن لعلاج مرضى الإدمان خلال عيد الأضحى    إصابة 10 أشخاص في حريق عقار بالوراق    البوكس أوفيس لأفلام عيد الأضحى، ولاد رزق 3 وأهل الكهف واللعب مع العيال    يوم التروية في الحج.. أهم الأعمال المستحبة والمناسك    وزير الصحة يكلف بالالتزام بجداول نوبتجيات العيد للفرق الطبية والتعامل مع موجة الطقس الحار    وزيرة التخطيط تتابع خطوات إنشاء الصندوق السيادي لقطاع الصناعة    تشكيل ألمانيا المتوقع أمام أسكتلندا.. هافرتيز يقود الهجوم    الإسكان: بدء التجارب النهائية لتشغيل محطة الرميلة 4 شرق مطروح لتحلية مياه البحر    رئيس جامعة حلوان يهنئ السيسي بحلول عيد الأضحى المبارك    إخماد حريق داخل منزل فى العياط دون إصابات    32 ألف كادر طبى لخدمة الحجاج.. ومخيمات عازلة للضوء والحرارة    إصابة شخصين إثر انقلاب دراجة بخارية بالمنيا (أسماء)    وزيرة التضامن: استمرار عمل الخط الساخن لعلاج مرضى الإدمان خلال أيام عيد الأضحى    قصف إسرائيلي وسط بلدة الخيام جنوبي لبنان    القاهرة الإخبارية: استشهاد فلسطينى فى قصف لزوارق حربية إسرائيلية بخان يونس    المجر: «الناتو» يعمل على إنشاء 3 قواعد عسكرية ضخمة لإمداد أوكرانيا بالأسلحة    يوم التروية.. أفضل الأعمال المستحبة والأدعية المستجابة    الحجاج يرتدون ملابس الإحرام اليوم.. والبعثة الرسمية: حجاجنا بخير    أزهري يوضح موعد ذبح الأضحية.. والصيغة الصحيحة لتكبيرات العيد    الأغذية العالمي: موسم الأمطار يعرقل تقديم الدعم بالسودان    «غرفة أزمات مركزية».. خطة وزارة الصحة لتأمين احتفالات عيد الأضحى وعودة الحجاج    إجراء مهم من «هيئة الدواء» للتعامل مع نواقص الأدوية خلال عيد الأضحى    كاميرا القاهرة الإخبارية تنقل صورة حية لطواف الحجاج حول الكعبة.. فيديو    «لن نراعيه»| رئيس وكالة مكافحة المنشطات يُفجر مفاجأة جديدة بشأن أزمة رمضان صبحي    الجيش الأمريكى يعلن تدمير قاربى دورية وزورق مسير تابعة للحوثيين    الجيش الروسى يعلن إسقاط 87 طائرة مسيرة أوكرانية خلال 24 ساعة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 14-6-2024    صفارات الإنذار تدوي في كريات شمونة بسهل الحولة والجليل الأعلى شمالي إسرائيل    سعر الريال السعودي اليوم الجمعة 14 يونيو 2024 مقابل الجنيه المصري بالتزامن مع إجازة البنوك    إنبي: نحقق مكاسب مالية كبيرة من بيع اللاعبين.. وسنصعد ناشئين جدد هذا الموسم    هاني شنودة يُعلق على أزمة صفع عمرو دياب لمعجب.. ماذا قال؟    للمسافرين.. تعرف على مواعيد القطارات خلال عيد الأضحى    تنسيق مدارس البترول 2024 بعد مرحلة الإعدادية (الشروط والأماكن)    مصطفى فتحي يكشف حقيقة بكائه في مباراة سموحة وبيراميدز    باستعلام وتنزيل PDF.. اعرف نتائج الثالث المتوسط 2024    حاتم صلاح: فكرة عصابة الماكس جذبتني منذ اللحظة الأولى    سموحة يرد على أنباء التعاقد مع ثنائي الأهلي    طريقة عمل الفشة في خطوات سريعة قبل عيد الأضحى.. لذيذة وشهية    نجم الزمالك السابق: خلصنا مع أحمد ياسر ريان.. والتعاقد في هذا الموعد (فيديو)    الحركة الوطنية يفتتح ثلاث مقرات جديدة في الشرقية ويعقد مؤتمر جماهيري    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 14 يونيو: انتبه لخطواتك    هشام قاسم و«المصري اليوم»    محمد محمود عبد العزيز يحتفل بعيد ميلاد شقيقه    مودرن فيوتشر يكشف حقيقة انتقال جوناثان نجويم للأهلي    تحرك نووي أمريكي خلف الأسطول الروسي.. هل تقع الكارثة؟    يورو 2024| أصغر اللاعبين سنًا في بطولة الأمم الأوروبية.. «يامال» 16 عامًا يتصدر الترتيب    مستقبلي كان هيضيع واتفضحت في الجرايد، علي الحجار يروي أسوأ أزمة واجهها بسبب سميحة أيوب (فيديو)    وكيل صحة الإسماعيلية تهنئ العاملين بديوان عام المديرية بحلول عيد الأضحى المبارك    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 14 يونيو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرأة في فكر الجماعات الإسلامية المعاصرة (القسم الثاني)
نشر في الأهالي يوم 31 - 03 - 2010

لعبة الذئب والحمل..تخزين المرأة گما تحفظ الأموال في خزائن مصفحة
في الأسبوع الماضي نشرنا القسم الأول من دراسة المفكر الراحل د. فؤاد زكريا «قضية المرأة في فكر الجماعات الإسلامية المعاصرة»،عمن كتابه «الصحوة الإسلامية في ميزان العقل»، رصد فيه التناقضات والازدوجيات التي يقع فيها هذا الفكر السلفي تجاه قضية المرأة، مثل «ازدواجية التحرر والعبودية» حيث يدعي هؤلاء السلفيون دعمهم لحرية المرأة بينما، هم في جوهر الموقف يجردونها من إنسانيتها وحريتها ويثبتون دونيتها وعبوديتها. ومثل «ازدواجية العقل والعاطفة» حيث يمدحون المرأة بعاطفيتها المفرطة وهم في الجوهر يقصدون سلبها رجاحة العقل وحكمته. هنا القسم الثاني والأخير من هذه الدراسة القيمة، حيث يواصل المفكر الكبير نقده للموقف السلفي من المرأة
3- ازدواجية الروح والجسد
لعل أهم الازدواجيات جميعا، وأقربها إلي واقعنا الراهن الملموس، هي ازدواجية الروح والجسد، التي تعبر عنها ظاهرة التحجب أوضح تعبير، ولا شك أن الاهتمام الهائل الذي تبديه الجماعات الإسلامية المعاصرة بتحجب المرأة، والاعتقاد بأن المعيار الأول، والأساسي، لسلوك المرأة طريق الإسلام الصحيح هو اختيارها للحجاب، دليل علي أن إخفاء الجسد أو إلغاء معالمه الظاهرة هو، في نظر هذه الجماعات، المدخل الأول إلي عالم الروح.
ولكن المسألة في حقيقتها ليست أحادية الاتجاه علي هذا النحو، وليس الأمر متعلقا بحجاب يخفي الجسد أو يبعد تأثيره عن ذهن الآخرين فيؤدي ذلك تلقائيا إلي مزيد من الروحانية في فكر المرأة وسلوكها، بل إن الموضوع في حقيقته أعقد من ذلك بكثير، وفي هذه الحالة بدورها يتخذ هذا التعقيد شكل ازدواجية أشد حدة وعنفا من كل ما عداها من الازدواجيات.
إن عملية حجب الجسد يفترض أنها صون له عن طريق نقله إلي مستوي الأشياء الخافية عن الأعين، أو الأشياء غير المرغوب فيها، وأحيانا المنفرة «إذا حكمنا علي الأمور في ضوء بعض مظاهر التحجب التي تؤدي إلي تشويه مقصود ومتعمد لأي صورة جمالية للمرأة»، والمفروض أن عملية التحجب هذه ترفع الجسد فوق مستوي «السفور» الذي يبتذله ويتفنن في إظهاره للآخرين وعرضه عليهم لأغراض أقلها خطرا انتزاع إعجابهم به، ومع ذلك فإن العلاقة بين الحجاب الكثيف وأشد أنواع السفور تطرفا، أعني السفور «المتبرج» أقوي مما نظن، فهما معا وجهان، أحدهما سلبي والآخر إيجابي، لعملة واحدة، أما هذه العملة الواحدة التي يشترك فيها الحجاب والسفور المتطرفان فهي تأكيد أهمية الجسد والإصرار علي أنه موضوع دائم للرغبة ومصدر دائم للإغواء، وهكذا فإن المحجبة، التي تنطلق من هذا الاعتقاد، تعمل علي إخفاء الجسد حتي تسلبه هذه الصفات، أما السافرة المتبرجة، التي تنطلق من اعتقاد مماثل، فإنها تعمل علي إبرازه وكشفه حتي تزيد من قدرته علي إثارة الرغبة والجذب والإغراء، إن الاثنتين معا، برغم كل ما يبدو بينهما من تناقض، تؤكدان في سلوكهما أن أهم ما في المرأة هو جسمها، وتجعلان من نظرة الرجل إلي المرأة حقيقة أساسية في حياتها، فتعمل إحداهما علي صد هذه النصف، وتعمل الأخري علي جذبها، وفي كلتا الحالتين يسود الاعتقاد بأن الهدف الوحيد للرجل هو اقتناص المرأة، ولا أغالي إن قلت إن نظرة الاثنتين معا إلي الطبيعة البشرية تؤكد جانبها الخلفي، حتي حين يكون الهدف إبعاد هذا الجانب أو الحماية منه، وأبسط دليل علي ذلك هو أن هناك بديلا ثالثا، تمثله المرأة التي لا تحجب جسمها ولا تكشفه بابتذال، لأنها واثقة من أن في شخصيته جوانب أخري أهم من الجسد، ولأنها تتوقع من الآخرين أن يركزوا اهتمامهم علي هذه الجوانب علي الجسد.
إهمال وترفع
وهكذا فإن التحجب يقع عند نقطة الالتلقاء بين إهمال الجسد والترفع عنه من جهة، وبين الاهتمام المفرط به والاعتقاد بخطورته علي صاحبته وعلي الآخرين، ومن ثم ضرورة إخفائه عنهم، من جهة أخري، ويصل هذا الاعتقاد الضمني بخطورة الجسد إلي حد النظر إلي أي نوع من الملامسة العابرة، كالمصافحة مثلا، علي أنه ينطوي حتما علي سوء نية وعلي استثارة رغبة محرمة ، ولا يمكن أن تكون هذه الحساسية الزائدة لأي تلامس عابر من الجنس الآخر سوي الوجه السلبي والوقائي، للنظرة الحيوانية إلي طبيعة الإنسان.
وتؤدي هذه الدلالة المزدوجة للحجاب إلي ازدواجية أخري، تتعلق بالسلوك المنتظر من المرأة المحجبة نفسها، فالمطلوب منها أن تكون متقشفة المظهر حاجبة لنظرات الآخرين وأطماعهم، متباعدة قدر الإمكان عن الجنس الآخر، وأن تكون في الوقت ذاته أنثي كاملة مع الزوج، ولا شك أن الكثيرين سيرون في هذه الازدواجية أمرا طبيعيا، علي أساس أن من واجب المرأة المسلمة التمنع علي الحرام والإقبال علي الحلال، ولكن المشكلة من الوجهة النفسية أشد تعقيدا بكثير، لأنها تفرض في المرأة القدرة علي الجمع بين العفة المفرطة من ناحية، والإقبال المفرط علي الجنس من جهة أخري، ذلك لأن علي هذه المرأة نفسها أن تعوّض زوجها عن خشونة مظهرها الخارجي، وتثبت له أنها لازالت الأنثي القادرة علي تحقيق جميع رغباته، فكيف يمكن أن تجمع شخصية واحدة، ونفسية واحدة، بين هذين النقيضين؟ ألا يؤدي هذا التناقض بين المظهر الخارجي والممارسة الخاصة إلي أزمة نفسية أو تعقيد في التكوين الداخلي للمرأة؟.
إن المظهر الخارجي الذي يراد تحقيقه عن طريق الحجاب أشبه ما يكون بمظهر الراهبات: اللون الداكن، الرداء الواسع الذي لا يكشف أية تفاصيل، حجب الشعر، وأحيانا الكفين والوجه فالحجاب نوع من الرهبنة، ولكنه رهبنة جزئية، تتعلق بمظهر المرأة الخارجي، أو مظهرها الاجتماعي فقط، علي حين أن رهبنة العقائد الأخري، كالمسيحية، رهبنة كاملة، تسير علي المرأة ظاهرا وباطنا، وعلي الرغم من التعارض بين الرهبنة الكاملة وبين الطبيعة البشرية السوية، فإن فيها مزيدا من الاتساق، لأنها تزيد التناقض بين الظاهر والباطن، ولا تعرض المرأة لازدواجية المظهر الملائكي المتعفف أمام الناس، والجوهر المقبل علي المتع الحسية داخل البيت، ومن الصعب أن يتخيل المرء هذا الجمع بين الرهبنة في الخارج، أمام المجتمع، وبين الأنوثة الفياضة في الداخل، بدون اضطراب، ولو جزئيا، في الشخصية، أو قدر من النفاق في ممارسة أحد الدورين.
ولابد أن نشير، في هذا الصدد، إلي العلاقة الجدلية المتصاعدة بين التحريم والرغبة، فممارسات الإسلاميين المعاصرين تحتشد بسلسلة مترابطة من التحريمات: تحريم الاختلاط خوفا علي المرأة، تحريم النظرة الثانية، تحريم السلام باليد، تحريم أي كشف، مباشر أو غير مباشر للجسد، ولكن هذه التحريمات ذاتها تؤدي إلي مزيد من الرغبة، فالشاب الذي لا يستطيع رؤية فتاة أو الكلام معها تشتعل رغبته في الجنس، ويتحول إلي إنسان جائع، وكذلك الحال في الفتاة، وكلما اتسع نطاق التحريم ازدادت الرغبات اشتعالا، فتشتد التحريمات مرة أخري لمواجهة الموقف الحرج والحد من خطورته، وهلم جرا، وهكذا فإن كلا من التحريم والرغبة المعقدة يزيد الآخر تطرفا، بحيث يصعب الاهتداء إلي حل للمشكلات النفسية المتعلقة بالجنس عن هذا الطريق، ويمكن القول إلي مجتمع الحرمان المفرط يولد عقده الخاصة، تماما كما أن مجتمع الإباحية المفرطة «في الغرب الذي ننتقده دائما، كما لو كنا نحن وحدنا أصحاب الفضائل» يخلق أيضا تعقيداته الخاصة.
4- و النظرة إلي الرجل:
لا يمكن أن تكتمل معالجتنا للازدواجيات التي تترتب علي نظرة الإسلاميين المعاصرين إلي المرأة، إلا بإشارة إلي الازدواجية المقابلة التي تكمن في نظرتهم إلي الرجل، فالتحجب يفترض أن لدي الرجال نهما دائما إلي النساء، وأن نظرة الرجل إلي المرأة هي نظرة «الذئب»، ومن ثم فإن من أكثر العبارات تداولا عند دعوة النساء إلي التحجب، مناشدتهن بأن يحفظن أجسامهن من «عيون الذئاب»، فالرجل ذئب وعيونه جسورة مقتحمة طامعة علي الدوام، وهي لا تري في المرأة إلا موضوعا للجنس، وصفة «الذئب» هذه تعم الجميع، ولكن الذئب هو دائما «الرجل الآخر» فالزوج يحرص علي أن يصون زوجته بالحجاب من عيون الذئاب الأخري، ولكنه هو نفسه يتحول إلي ذئب في نظر الأزواج أو الأبناء أو الأخوة الآخرين، وهنا تعود مرة أخري فكرة «التشيؤ»، والربط بين المرأة وبين الملكية الخاصة، بحيث يحرص الرجل علي صون أعز ممتلكاته، وهي المرأة، وحجبها عن عيون الآخرين، فالامتلاك في هذه الحالة يصبح كاملا، ويحرص عليه صاحبه أكثر مما يحرص علي أي شيء آخر يقتنيه، ذلك لأن في حياة الإنسان أشياء كثيرة «مرغوبة»، كالسيارة أو البيت الفاخر، وبقدر ما يحرص الإنسان، في هذه الحالة الأخيرة، علي ألا يستخدم هذه المقتنيات أحد سواه، فإنه لا يمنع نظرة الآخرين إليها، ولا يعد هذه النظرة انتقاصا من ملكيته لها، أما في حالة المرأة وحدها، وعلي خلاف الأشياء الأخري المرغوبة، فإن الرؤية تعد جريمة، ونوعا من الانتهاك، لأن فيها قدرا من المشاركة، ولذلك فإن حجاب المرأة عن عيون الذئاب الآخرين يعني ضمان استحواذ المالك وحده علي حق الرؤية، إلي جانب حق الاستمتاع.
إنها بالطبع صورة بشعة لمجتمع يعد كل الرجال فيه لصوصا أو معتدين محتملين علي النساء، ولا يكون هناك علاج لهذه العدوانية الجنسية الشاملة سوي الإخفاء والحجب، تماما كما توضع الأموال في خزائن مصفحة غير قابلة للكسر حتي يخشي صاحبها من أن تمتد إليها أيدي اللصوص، وأبشع ما في هذه الصورة أنه تعزل الرجل والمرأة تماما عن كل المشاكل الواقعية التي يعيشان فيها وتختزلهما إلي مجرد جنسين يرغب كل منهما في الآخرين، ويشكل في الوقت ذاته خطرا عليه، وتنسي تماما أن كليهمها إنسان يعيش في مجتمع ويكافح في سبيل العيش ويعاني من أزمات في الحياة اليومية والاقتصادية والسياسية، ويحلم بمستقبل أفضل لأجياله المقبلة.
ولكن النقد الذي نود أن نركز عليه ها هنا، تمشيا مع بقية أجزاء هذا البحث، هو أن هذا الموقف ينطوي علي ازدواجية في النظرة إلي الرجل، توازي الازدواجيات المناظرة لدي المرأة، وإن كانت تسير في اتجاه عكسي، فالرجل كما رأينا يتهم بأنه ذئب، وبأن نظراته وأطماعه الدائمة لا تصد إلا بحجب موضوع رغبته عنه، ومع ذلك لا يدعو الإسلاميون إلي اتخاذ أي إجراء ضد هذا «الذئب»، وإنما يفترض دائما أنه ذئب لا علاج له، ومن ثم فإنه يترك لكي يمارس «ذئبيته» بلا عقاب، ويقع العبء كله علي المرأة، فهي وحدها التي تكلف بحماية نفسها من أخطاره، وهي وحدها الملزمة بارتداء الثياب الثقيلة التي تغطي كل أطراف جسمها في قيظ الصيف «ومعظم البلاد الإسلامية، كما نعلم ذات صيف طويل شديد الحرارة».
وهكذا تنكشف لعبة الرجل في عملية التحجب بوضوح قاطع، ذلك لأن الرجل هو الذي يمسك بزمام الأمور، وهو الذي يضع قواعدها لصالحه منذ البداية، إنه رجل شرقي يغار علي ما يملك ويود أن يستحوذ عليه إلي الحد الذي لا يسمح للآخرين حتي بمجرد التطلع إليه، ولكن من أصول اللعبة، قبل أن يعزل المرأة عن كل الوظائف الجادة في الحياة، أن يوجه إليها عبارات المديح والتمجيد والتكريم، لكي يقنعها في النهاية بأن تترك له المهام الكبري وتتفرغ لتربية أطفاله وتغذيته وإمتاعه، ومن أصول اللعبة أيضا أن يذم نفسه ويتهم أبناء جنسه بأنهم ذئاب عدوانيون طامعون في نساء الغير، دون أن يوقع علي نفسه أي جرم، بل يترك المرأة وحدها تتحمل تبعة خصاله السيئة، أي أن المدح الموجه إلي المرأة كان لفظيا ظاهريا، أما النتيجة العملية فهي خسارة لها علي جميع الجبهات، بينما يوجه اللوم والذم إلي الرجل علي المستوي الكلامي، ويظل علي المستوي العملي، هو الرابح علي طول الخط، ومن المؤكد أن المديح إنما وجه إلي المرأة، في الحالة الأولي، لكي يساعدها علي «ابتلاع» الخسارة الفادحة التي تلحق بكيانها كإنسانة، علي حين أن الذم، في الحالة الثانية، يوجه إلي الرجل للتخفيف ظاهريا من حدة المكاسب التي يحرزها علي جميع الجبهات، ولو لم تكن المسألة في حقيقتها لعبة بارعة أتقنها الرجل لكي يخدر بها المرأة ويحقق بها مصالحه، لاتجهت دعواته إلي أن يتحمل هو جزءا من العبء علي الأقل، وذلك - مثلا - بأن يتخذ إجراء ضد نظرات الرجال وأطماعهم الجنسية التي ترغم المرأة علي حجب نفسها من عيونهم، ولكن شيئا من هذا لا يحدث، لأن الرجل وحده هو الذي يضع قواعد اللعبة.
الإسلاميون المعاصرون
حاولنا في الصفحات السابقة أن نلقي الضوء علي بعض الجوانب المعقدة في الموقف الذي تتخذه الحركات الإسلامية المعاصرة من مشكلة المرأة، ولا يمكن أن توصف محاولة كهذه بأكثر من أنها مجموعة من التحليلات التي تسعي إلي التنقيب عما وراء الشكل الظاهري الذي يطرح به هذا الموقف في العلن، فللموضوع جوانبه الأشد خفاء وتعقيدا إلي حد بعيد، ويكفينا أن نكون قد أطللنا من فجوة صغيرة تنفذ بنا إلي تلك الأعماق البعيدة التي لا يريد أحد أن يعلنها أو أن يعترف بها، ولا جدال في أن مجال البحث والتفكير يظل مفتوحا علي مصراعيه في هذا الموضوع الشديد التعقيد، الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بمصيرنا الاجتماعي والحضاري.
ولو شئت أن ألخص الخطأ الأكبر في معالجة الإسلاميين المعاصرين لمشكلة المرأة، لقلت إنه الإصرار علي النظر إلي هذه المشكلة بطريقة تجريدية خالصة، وأقوي مظاهر هذا التجريد، عزل هذه المشكلة عن كل التغيرات بحجة أنها محكومة بقواعد تعلو علي الزمان والمكان، وهكذا تفصل مشاكل المرأة عن السياق التاريخي والاجتماعي والاقتصادي، وينظر إليها كما لو كانت جنسا مجردا في مقابل جنس آخر، لا علي أنها كيان يغوص في قلب التاريخ ويندمج في التقلبات التي تطرأ علي عالم سمته الأساسية هي التغير، وحصيلة هذه النظرة التجريدية هي تثبيت مجموعة من الأوضاع التي خضعت لها المرأة في ظروف خاصة ولحظة محددة من لحظات التاريخ، كما لو كانت وضعا دائما يتمشي مع «طبيعتها» الثابتة، وفي اعتقادي أن هذه النظرة المجردة، المعزولة عن السياق الاجتماعي والتاريخي، هي المسئولة قبل غيرها عن جميع العيوب التي تشوب نظرة الإسلاميين المعاصرين إلي المرأة.
تبقي بعد ذلك كلمة أخيرة عن عبارة «الإسلاميين المعاصرين» أو «الاتجاهات الإسلامية المعاصرة» التي استخدمناها طوال هذا البحث، فأنا أدرك تماما أنه من السهل توجيه انتقاد أساسي إلي هذه الورقة، يتهمها بأنها ارتكزت علي تعميم جارف، فجمعت في إطار واحد عددا كبيرا من التيارات الإسلامية التي تتباين فيما بينها كل التباين، وأنا أعترف بصحة هذا النقد، ولكني أود أن أركز علي ما بين هذه التيارات المتباينة من نقاط مشتركة، لا علي ما بينها من خلافات، وعلي سبيل المثال، فإن أكثرها اعتدالا وأشدها تطرفا يتفقون علي تأييد الحجاب، بكل ما يترتب عليه من نتائج عقلية ونفسية، وإن كانوا يتفاوتون في أمور فرعية مثل شكله ودرجة كثافته.. فمع التسليم الكامل بأن التيارات الإسلامية المعاصرة تتباين اعتدالا وتطرفا، ينبغي أن نعترف في الوقت ذاته بأن البحث العلمي يحتم علينا التنقيب عن النقاط المشتركة القابلة للتعميم في قلب الظواهر المتباينة، ولو اكتفي المرء بتناول الجزئيات واحدة واحدة لما تقدم العلم خطوة واحدة إلي الأمام، ومن هنا فإنني طرحت الاختلافات الجزئية بين هذه التيارات جانبا، وبحثت عن العناصر المشتركة التي تكاد جميع هذه التيارات تكون متفقة عليها، وفي هذه الحدود أرجو أن يصدر القارئ حكمه علي هذه المحاولة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.