في رسالة المفكر العفيف الأخضر إلي أردوغان بعنوان «مشروع مصالحة الإسلام والعلمانية»، يطالبه فيها بأن يكون قائدا ل «مشروع القرن في الإسلام» وأن تكون قيادته، في البداية، محصورة بين مصر وتونس، وأن النخب، في هذين البلدين، متلهفة علي التحرر من تعصب قادتهما الديني ومن انغلاقهما علي روح العالم الذي نعيش فيه، ويستطرد الأخضر قائلا إنه بفضل أردوغان يصبح الإسلام قادرا علي التصالح مع الحداثة بما هي مؤسسات ديمقراطية وعلمانية وقوانين وضعية، وبذلك يمكن تأسيس دولة علمانية في البلدين، والأخضر يعني بالعلمانية وقوف الدولة علي مسافة متساوية بين جميع الأديان، كما يري أن تحقيقها يستلزم قائدا استثنائيا. هذه هي خلاصة مقال العفيف الأخضر، وهي خلاصة في حاجة إلي تحليل ونقد لمعرفة مدي صلاحيتها لتحقيق العلمانية في كل من مصر وتونس، وأنا أظن أن ثمة أفكارا في حاجة إلي توضيح وتعديل. القول إن المطلوب إحداث مصالحة بين الدين والعلمانية هو تحصيل حاصل لأن العلمانية ليست ضد الدين كإيمان وعقيدة إنما هي ضد السلطة الدينية المتمثلة في مؤسسة سواء كانت الكنيسة في المسيحية أو منظمة أصولية إسلامية تسعي لفرض معتقدها الأصولي علي المجتمع، ومن هذه الزاوية فإنه يمكن القول إنه لا مصالحة بين العلمانية والدين لأن الأصولية تعتبر العلمانية مهددة لمعتقدها، ولا أدل علي ذلك مما جاء من تصريحات للتيارات الإسلامية الأصولية في جريدة «المصري اليوم» بتاريخ 2/10/2011، إذ قال ممدوح إسماعيل نائب رئيس حزب «الأصالة»: «إن لم يتمكن الإسلاميون من الوصول إلي الحكم مثل العلمانيين فنحن سلاحنا السيف في الوقت الذي يمتلك فيه عدونا «العلماني» قنبلة ذرية»، ثم استطرد قائلا: «إن الأحزاب الإسلامية لم تتحد حتي الآن في مواجهة الأعداء من العلمانيين»، كما حذر الشيخ مسعد أنور القيادي السلفي من إهدار فرصة تطبيق الشريعة الإسلامية خلال هذه المرحلة مؤكدا أن الإسلاميين لديهم فرصة ذهبية لتطبيق الشريعة وتمكين دين الله في الأرض»، مطالبا بالتمسك بها لأنها لن تتكرر وعليهم أن يقفوا جميعا علي قلب رجل واحد حتي لا يستغل العلمانيون تفرق التيارات الإسلامية ويفرضوا سيطرتهم علي البلاد ويضعوا قوانين ضد شرع الله. واضح أن من هذه العبارات الحادة أن المصالحة بين العلمانية والأصوليين، أو الإسلاميين كما يسمون أنفسهم، أمر محال، وواضح كذلك من هذه العبارات أن الصراع ليس بين الإسلام والعلمانية إنما بين الإسلاميين والعلمانيين، ومن هنا أصبحت رسالة الإسلاميين تشويه العلمانية منذ تأسيس حركة الإخوان المسلمين في عام 1928، وكان من جراء هذا التشويه أن فصل منصور فهمي من الجامعة وكذلك طه حسين كما جرد الشيخ علي عبدالرازق من وظيفته وألقابه وقتل فرج فودة ومحاولة قتل نجيب محفوظ. أما قول الأخضر بأننا في حاجة إلي قائد استثنائي فهذا القول ينطوي في جوهره علي الدعوة للدكتاتور لأن المسألة في العلمانية أنها حالة ذهنية تفكر في النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق علي حد تعريف مراد وهبة للعلمانية. ومن شأن هذه الحالة الذهنية ألا تكون محصورة في قائدة استثنائي بل ممتدة إلي النخبة ومنها إلي الجماهير حتي لا يتحول هذا القائد إلي ديكتاتور كما حدث في تركيا أيام أتاتورك وفي مصر أيام جمال عبد الناصر. وقد فطن منتدي ابن رشد الذي أشرف بأن أكون أمينه العام، إلي ضرورة تجاوز القائد الاستثنائي ولاتجاه نحو النخبة تمهيدا بعد ذلك للتوجه نحو الجماهير، فعقدنا ست ندوات منذ عام 2006 تحت عنوان «مؤتمر تأسيس العلمانية في مصر». وكنا نود من الأخوة العلمانيين في سوريا عدم تجاهل هذا الأمر المصري وهم يحاولون تأسيس العلمانية في سوريا بعد شهر واحد من العام نفسه الذي عقدنا فيه، الندوة الأولي، وذلك حتي يمكن إحداث تراكم علي جهدنا من قبل الاخوة العلمانيين السوريين. وبناء عليه فأنا ادعو إلي عقد مؤتمر في القاهرة يضم العلمانيين المصريين والتونسيين والسوريين يكون تمهيدا لإجراء حوار بينهم من أجل الكشف عن كيفية مواجهة الإسلاميين، أو بالأدق الإسلاميين الأصوليين، حتي يمكن تأسيس تيار علماني عربي يدخل في حوار مع تيار علماني غربي من أجل تحويل الحضارة الإنسانية إلي حضارة علمانية تكون غايتها مشروعية التدين مع عدم مشروعية فرض عقيدة معينة علي البشر اجمعين بغض النظر عن معتقدهم.