يلتقي مساء اليوم بمقر حزب الحرية والعدالة ممثلو الأحزاب والقوي والحركات السياسية بدعوة من «التحالف الديمقراطي» الذي يضم 34 حزبا من بينها حزبا الوفد والحرية والعدالة لاتخاذ موقف موحد من تعديل قانوني مجلسي الشعب والشوري الذي أقره مجلس الوزراء في اجتماع طارئ يوم الأحد الماضي، ومناقشة مطالب الأحزاب والقوي السياسية بإنهاء حالة الطوارئ والاتفاق علي جدول زمني للفترة الانتقالية، وكانت الكتلة المصرية (20 حزبا وحركة سياسية) قد أعلنت بعد اجتماعها مساء الأحد الماضي والذي استمر حتي الساعات الأولي من فجر الاثنين، رفضها للتعديلات التي أقرها مجلس الوزراء علي قانون مجلسي الشعب والشوري وتمسكها بما أجمعت عليه الأحزاب والقوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني الحقوقية من ضرورة إجراء الانتخابات بنظام القائمة النسبية غير المشروطة والمنقوصة مع حرية تكوين القوائم للأحزاب والمستقلين، وضرورة إلغاء حالة الطوارئ والقضاء علي الانفلات الأمني في الشارع قبل خوض الانتخابات، ووضع حد أقصي للإنفاق في الانتخابات، والإشراف التام علي ميزانيات الأحزاب السياسية ومصادر تمويلها، وتفعيل قانون منع استخدام الشعارات الدينية في العمل السياسي والانتخابات، وإصدار إعلان دستوري بشأن المبادئ الأساسية للدستور ومعايير تشكيل الجمعية التأسيسية. وكان مجلس الوزراء قد وافق بأغلبية أعضائه علي تعديل قانوني مجلسي الشعب والشوري وتقسيم الدوائر الانتخابية، لتجري الانتخابات علي أساس تخصيص 66% من المقاعد (332 مقعدا في مجلس الشعب) للقوائم الحزبية و34% أي ثلث المقاعد (166 مقعدا في مجلس الشعب» للمستقلين، ورغم عدم صدور مرسوم بقانون من المجلس الأعلي للقوات المسلحة بهذا التعديل الذي أقره مجلس الوزراء ورفعه للمجلس الأعلي لإصداره، فالمعروف أن المجلس العسكري هو صاحب قرار الجمع بين نظام الانتخاب الفردي ونظام الانتخاب بالقوائم النسبية، وقد حضر اللواء ممدوح شاهين عضو المجلس الأعلي للقوات المسلحة والمسئول عن الملف القانوني فيه اجتماع اللجنة التشريعية بوزارة العدل يوم الخميس الماضي والتي تولت صياغة التعديلات علي قانوني مجلسي الشعب والشوري. ومما يذكر أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة هو الذي بادر بطرح مشروع قانون يجمع بين النظامين في مايو الماضي للنقاش المجتمعي، واتفقت كل الأحزاب والقوي السياسية علي رفضه، وقامت بإعداد مشروع قانون يقوم علي إجراء الانتخابات بنظام القائمة النسبية غير المشروطة والمنقوصة مع حرية تكوين القوائم، ولفتت الأنظار إلي أن نظام الانتخاب بالدوائر الفردية والذي كان سائدا في العالم تراجع لحساب نظام الانتخاب بالقائمة النسبية، وأن الجمع بين النظامين «النظام المختلط» لا يوجد إلا في خمس دول في العالم لأسباب منطقية خاصة بها لكونها دولا فيدرالية، وتجمع بين قوميات مختلفة مما دفع أحزابها ومواطنيها للقبول بهذا الجمع بين النظامين، ولكن المجلس الأعلي للقوات المسلحة تجاهل مشروع القانون الذي طرحته الأحزاب وتقدمت به إلي المجلس العسكري ومجلس الوزراء، وأصدر مرسوما بقانون في 20 يوليو 2011 يقوم علي تخصيص 50% من مقاعد مجلس الشعب المكون من 504 أعضاء للقوائم الحزبية و50% للمقاعد الفردية، أي 252 مقعدا للقوائم الحزبية في 58 دائرة و252 مقعدا للمقاعد الفردية في 126 دائرة، مع الاحتفاظ بنسبة 50% للعمال والفلاحين وإلغاء التمييز الإيجابي للمرأة «كوتة المرأة» واشتراط حصول القائمة الحزبية علي نسبة 5.0% علي مستوي القطر للتمثيل في البرلمان. وإزاء الرفض الإجماعي من جانب الأحزاب والقوي السياسية تمت دعوة رؤساء الأحزاب لاجتماع مع الفريق سامي عنان رئيس أركان حزب القوات المسلحة ونائب رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة حضره عدد من أعضاء المجلس لمناقشة تعديل قانوني انتخابات مجلسي الشعب والشوري، وبعد مناقشات استمرت أكثر من 6 ساعات بدا واضحا تمسك الغالبية العظمي من الأحزاب بنظام الانتخاب بالقائمة النسبية غير المشروطة، ليقرر المجلس الأعلي للقوات المسلحة ومجلس وزرائه تحدي الرأي العام والأحزاب والقوي السياسية ويكلف مجلس الوزراء بإعداد مشروع التعديل علي أساس النظام المختلط أي الجمع بين القوائم الحزبية المشروطة والمقاعد الفردية التي تم تخصيصها لغير الحزبيين «المستقلين». والتعديلات المقترحة والتي أقرها مجلس الوزراء تعد من وجهة النظر السياسية والدستورية «خطيئة» وشذوذا غير مقبول أو مبرر. فالمجلس العسكري ووزراؤه لم يقدموا لنا تفسيرا أو سببا مقنعا لإصرارهم علي الجمع بين نظامين انتخابيين وتمسكهم بوجود نسبة (66% في أول مشروع، ثم 50% في المرسوم بقانون رقم 108 لسنة 2011 في 20 يوليو الماضي، ثم 34% في المشروع الحالي، للمقاعد الفردية، رغم تسليم الجميع أن نظام الانتخاب الفردي يعطي السبق للعوامل الشخصية والذاتية للمرشح والعوامل التقليدية من انتماء لعائلة أو عشيرة أو قبيلة أو كونه ابن قرية أو مدينة معينة، ويفتح بابا واسعا لاستخدام المال والبلطجة، ويحول النائب من نائب عن الأمة يمارس دوره في الرقابة والتشريع تحت قبة البرلمان إلي نائب خدمات أقرب ما يكون لعضو مجلس محلي، وتغيب تماما البرامج والأحزاب. ونظام الانتخابات المفروض من المجلس الأعلي للقوات المسلحة ينحاز بصورة مطلقة لأصحاب الملايين وناهبي قوت الشعب، فاتساع الدوائر الفردية (166 دائرة) بصورة غير مسبوقة حيث تساوي الدائرة المقترحة ما يزيد علي دائرتين ونصف الدائرة من دوائر مجلس الشعب الحالية (68.2 ضعف) يجعل من المستحيل علي من لا يملك ملايين تزيد علي الحاجة أن يوفر الحد الأدني من الإنفاق علي الدعاية والحركة، وتتسع الدوائر المخصصة للقوائم الحزبية لتصبح أكثر من 4 دوائر ونصف (82.4 ضعف) بما يعني إنفاقا مضاعفا، مع الأخذ في الاعتبار أن أي حزب «أو تحالف حزبي» ملزم بخوض الانتخابات في كل دوائر القوائم (46 دائرة) وترشيح 332 مرشحا تبلغ رسوم ترشيحهم والتأمين 398 ألفا و400 جنيه (1000 رسوم و200 تأمين لكل مرشح)، وهو ما يعني أن الترشيح متاح للأحزاب الغنية والقادرة والتي تدافع عن مصالح الأقلية، أما الأحزاب المنحازة للطبقات الشعبية والوسطي فتكاد تكون مستبعدة من الترشيح. ويكاد يكون العمال والفلاحون الحقيقيون، وكذلك النساء، مستبعدين من التواجد في المجلس النيابي القادم، فالتعديلات القانونية المقترحة تتمسك بالتعريف الحالي للعامل والفلاح والذي جعل ممثلي العمال والفلاحين في المجلس لواءات شرطة وجيش وقضاة وأساتذة جامعات ومهنيين كبار، وعدم وجود نص يخصص نسبة للمرأة كما هو الحال في 81 دولة في العالم. وكما كانت كل المشروعات التي طرحت من قبل فمشروع القانون الذي أقره مجلس الوزراء مطعون عليه بعدم الدستورية لوجود خلل واضح في التمثيل بين المنتمين لاحزاب وغير المنتمين «المستقلين»، والأمر لا يحتاج لاجتهاد، فهناك حكم للمحكمة الدستورية العليا صادر في 19 مايو 1990 في القضية رقم 37 لسنة 9ق بعدم دستورية المادة الخامسة مكرر من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 188 لسنة 1986 بتحديد مقعد واحد في كل دائرة بتخصيص مقعد فردي إلي جانب القائمة لإخلاله بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين مما يشكل مخالفة للمواد 8 و40 و12 من دستور 1971، وينطبق هذا الحكم حرفيا علي التعديل القانوني الذي وافق عليه مجلس الوزراء، فتوزيع المقاعد بين قوائم حزبية «ثلثي المقاعد» ومقاعد فردية للمستقلين «ثلث المقاعد» فيه تمييز وإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص، ولاتزال المواد الدستورية التي استندت إليها المحكمة الدستورية قائمة في ظل الإعلان الدستوري الحالي، فالمادة السابعة من الإعلان هي نفسها المادتان 8 و40 من دستور 1971 والقول بأن الدستور والإعلان الدستوري أجاز الأخذ بأي نظام انتخابي يتجاهل أن حكم المحكمة الدستورية في هذه القضية نص علي أن «تفسير نصوص الدستور يكون باعتبارها وحدة واحدة يكمل بعضها بعض فلا يفسر نص منه بمعزل عن نصوصه الأخري، وإنما متساندا معها بما يقيم بينها التوافق وينأي بها عن التعارض».