أعادت الهيئة العامة لقصور الثقافة إصدار كتاب «تاريخ الإصلاح في الأزهر» للشيخ عبدالمتعال الصعيدي، والكتاب عبارة عن أحداث ووقائع تناول فيها تاريخ الإصلاح في الأزهر من نشأة التفكير فيه إلي أن وصل إلي ما وصل إليه الآن فشرح فيه أطواره وذكر نصيب رجاله من الإصلاح. نال مؤلف الكتاب الشيخ عبدالمتعال الصعيدي شهادة العالمية سنة 1918 ميلادية وهو في ال 24 من عمره ثم اشتغل بالتدريس في معهد طنطا، وللمؤلف أعمال كثيرة وهي«زبد العقائد النسفية مع شرحها وحواشيها - الميراث في الإسلام والرد علي الفيلسوف بنتام - نقد نظام التعليم الحديث بالأزهر الشريف - روائع النظم والنثر - الأقوال الحسان في حسن نظم القرآن - نقد كتاب في الشعر الجاهلي - تاريخ الجماعة الأولي للشبان المسلمين برياسة النبي صلي الله عليه وسلم - الفقه المصور في أحكام العبادات في فقه الشافعي». شرع المؤلف في بداية كتابه بالحديث عن نهوض مصر بعد سقوط بغداد بأيدي التتار حتي وصلت إلي درجة الزعامة في البلاد الإسلامية واتجهت إليها أنظار المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها فوفد إليها الكثير من العلماء. تطرق المؤلف إلي أثر الأزهر والمدارس المصرية في النهضة العلمية لما كان له من دور كبير في تلك النهضة، وشاركت أيضا المدارس المصرية التي كانت محل منافسة شديدة مع الأزهر وكانت تمتاز عن الأزهر بجديتها وكان الطلاب يقصدونها لسماع دروسهم إلي أن أخذت هذه النهضة العلمية في الضعف شيئا فشيئا بعد سقوط دولة المماليك وتبعية مصر للدولة العثمانية التركية. قد كان لسقوط دولة المماليك أثره في المدارس التي كانت تنافس الأزهر في وظيفة التعليم لأنها لم تجد من يرعاها ولكن الأزهر بقي مع هذا الضعف له مكانته في العالم الإسلامي لأنه لم يبق غيره فيما يضارعه في حفظ ما بقي من تراث في علوم الدين واللغة فصار بهذا صيته في آفاق العالم الإسلامي ولولاه لذهبت اللغة العربية بطغيان اللغة التركية عليها، وقد بقي وحده يحافظ علي هذا التراث حتي وصل إلينا. سرد المؤلف الأحداث عن الأزهر ومكانته في ظل الدولة العثمانية بداية من تعيين أحمد باشا كور واليا علي مصر، حيث كان له رغبة في العلوم الرياضية ثم دخول الفرنسيين مصر عام 1213ه وجرت فيها حوادث وأهوال إلي أن تولي محمد علي باشا ولاية مصر وعلي الرغم من ثقافته المحدودة إلا أنه أخذ طريق النهوض بمصر فأنشأ فيها المدارس الحديثة علي اختلاف أنواعها. وعلي الرغم من هذا رأي المؤلف إهمال الأزهر علي اعتبار بنهضة محمد علي باشا إلي أن جاء الشيخ حسن العطار الذي تنبأ بالخطر الذي يحيق بالأزهر من تقاعسه عن القيام بالإصلاح وكان للشيخ حسن العطار دور كبير في نقد علماء الأزهر من إهمال كتب المتقدمين وإهمال العلوم الحديثة. رأي المؤلف أن حركة الإصلاح في مصر قد توقفت في مصر بعد موت محمد علي باشا حتي كادت تذهب فيها آثاره وتعود الفوضي فيها إلي مثل ما كانت عليه. تولي بعد ذلك إسماعيل باشا وعمل علي أن يصل بمصر إلي ما وصلت أوروبا إليه وبذل جهدا كبيرا وأنفق فيها ما لا يحصي من المال وجعل مصر كأنها قطعة من أوروبا. كان أهل الأزهر قد غفلوا عن كل ما أحدثه إسماعيل باشا كما غفلوا عما فعله قبله محمد علي باشا بل أخذوا ينظرون بعين العداء إلي العلوم التي قامت هذه المدينة علي أساسها لأنهم تخلفوا عن طريق الإصلاح. اهتم المؤلف بظهور الشيخ رفاعة الطهطاوي في تلك الفترة لما له من دور كبير في عملية الإصلاح، حيث كان من تلاميذ الشيخ حسن العطار، وقد سافر إلي أوروبا مع بعثة علمية فأتي بالكثير من العلوم التي نبغوا فيها وبعد عودته من فرنسا كان من أقوي دعائم الإصلاح في مصر فأخذ يدعو الأزهر إلي الاهتمام لدراسة تلك العلوم التي أتي بها. تطرق بعد ذلك المؤلف إلي عملية الإصلاح التي قام بها «جمال الدين الأفغاني» الذي أخذ يعمل في إصلاح مناهج التعليم ويحاول القضاء علي الجمود في الدين والعلم فجعل بيته مدرسة يقصدها النابغون من طلاب العلم في الأزهر وغيره حيث كان يقصدون الدعوة إلي الإصلاح فبدأ جمال الدين الأفغاني في دروسه في الجهاد في إصلاح الأزهر وأخذ يعمل علي هذا إلي أن عزل إسماعيل باشا من الحكم ومجئ ابنه توفيق باشا وبدأ حكمه بنفي جمال الدين من مصر. نشأ الخلاف بين توفيق باشا وتلاميذ جمال الدين الأفغاني، وقد انتهي ذلك الخلاف بتلك النكبة الكبري نكبة الاحتفال الإنجليزي لمصر، وقد مضي عهد توفيق باشا دون أن يدخل تغيير في نظام التعليم في مصر. بعد تولي عباس باشا الأمر في مصربعد وفاة أبيه توفيق باشا سنة 1309ه توجه نظره إلي الشيخ محمد عبده لأنه من أقوي تلاميذ جمال الدين الأفغاني فقربه إليه ليساعده في الوصول إلي مأربه في مناهضة الإنجليز ورأي الشيخ محمد عبده أن يستغل تقربه إليه في الوصول إلي ما يريده من إصلاح. في تلك الأثناء دخل الأزهر حياة جديدة بفضل القانون الذي وضعه في هذه الفترة وأقبل كثير من الطلاب علي بعض العلوم الحديثة التي دخل فيها وقد أخذ الأزهر يخطو في تنفيذ النظام الحديث علي عهد الشيخ حسونة النواوي من سنة 1313ه إلي سنة 1317ه وهي السنة التي اعتزل فيها الشيخ حسونة النواوي من منصبه لخلاف مع الحكومة فوقع اختيارها علي الشيخ عبدالرحمن القطب، كما وقع اختيارها علي الشيخ محمد عبده لمنصب مفتي الديار المصرية إلا أن الشيخ عبدالرحمن القطب لم يمكث طويلا بل أدركته الوفاة بعد شهر من توليه المنصب فبادر الخديو عباس الثاني بتعيينه الشيخ سليم البشري في منصب شيخ الأزهر وكان من أعداء النظام الجديد الذي دخل الأزهر فأخذ يعطل أعمال الإصلاح ويحارب العلوم الحديثة.