«وشم وحيد» رواية جديدة للروائي سعد القرش، صدرت حديثا عن الدار المصرية اللبنانية، تقع الرواية في ثلاثة وثلاثين فصلا، و128 صفحة من القطع المتوسط، وهي الخامسة للقرش بعد : «حديث الجنود» و«باب السفينة»، و«أول النهار» و«ليل أوزير»، غير مجموعتين قصصيتين هما: «مرافئ الرحيل»، و«شجرة الخلد» وكتاب في أدب الرحلات بعنوان : «سبع سماوات». في هذه الرواية الجديدة «وشم وحيد» يرسخ سعد القرش ، طريقته الهادئة والمتأنية في السرد، يحفر وراء شخصياته بدأب ، ولا يتعجل الوصول إلي هدفه، حيث لا تتخفي الرواية وراء مقولات كبيرة، ولا يؤطرها رأي مسبق، ولا تحاول حتي أن تكون استعارة لواقع، أو عن واقع، يمكن تلمس تفاصيله، وردها إلي أصولها الوقائعية، أو دوافعها النفسية، فتنأي عن فخ التوثيق للشخصيات وأنماطها الحياتية، التي تكاد تكون معروفة، بل إنها - في الأساس- تأتي كرواية خبرة إنسانية، كتبت بهذه الخبرة، ولم تكتب الخبرة ذاتها، وهذا ما فرض عليها أداء جماليا شكليا وموضوعيا محددا، رواية تستسلم لصيرورة الحياة وامتداداتها ، لا تتوقف أمام شخص أو حدث باعتباره مركز الكون وحده، حوله تدور الوقائع وإليه ترتد، بمفهوم الدراما اليونانية الموروثة، دراما البطل القدري، الخالي من الشوائب ، فكل شخص وكل حدث جزء من نهر كبير متدفق اسمه : الحياة. «وشم وحيد» رواية إعادة البعث، وتجدد الخلق، في الموت تولد الحياة، وفي قلب الحريق يلمع النور، وهي تيمة متكررة في عمل سعد القرش الروائي، تكون القوة في أعلي ذروة لها، لحظة الضعف والإشراف علي الموت، والمشهد الذي يتذكره وحيد (بطل الرواية) لأبيه يحيي وأمه لحظة حريق أوزير في بداية الرواية (ص8) يصلح كمفتاح لاختبار هذه الآلية في الرواية، ففي لحظة الحريق الذي أتي علي القرية، ونجا منه يحيي وزوجته، وهما في قمة الإنهاك والإشراف علي الموت، تصر الحياة علي المقاومة وتواصل المقاومة التجدد: «هم بالبكاء وأسعفه ضعف زوجته، وهي ترتمي في حضنه، تطلب الأمان وتبكي، فتماسك وزحف إلي داخل الخص، وهي في حجره ، سحب الباب وهو يرتعش من البرد، ولم تجد ما تدفئه به سوي جسدها، ضحك غير مصدق، وهو يتحسس رمحه، وهي من المفاجأة شبقت، وتأوهت لذة وتعبا في ذهول من لا يعي، حتي إذا انتهي يحيي أطلق آهته الأخيرة، ولهب الحريق يمتد إلي جلباب أبيه، ويعمي الدخان عينيه، ويسيل دمعه الصامت». حياة وحيد في هذه الرواية ، عبارة عن رحلة طويلة تحلم بالعودة إلي المكان الأم «أوزير» لدفن جثة الأب الذي مات في حفر القناة، رحلة البحث عن الجذور والتمسك بها «أوزير» هي الهدف من رحلة الحياة كلها، تشكل حلما يدنو ليبتعد، ويظل يراوغ وجدان «وحيد»، يتكرر احتراقه، وتتكرر إعادة بنائه من جديد، ثم ما يلبث أن يحترق، وهو خلفية لكل حدث في الرواية، والغاية من كل فعل، ينساه «وحيد» ليتذكره، ويتذكره فيأسي ويصر علي الحياة ليعود إليه، وكأنه سيزيف جديد، يكاد يبلغ الحلم، ويعثر علي جذوره ، فيرتد خائبا، كأنها مراوحة قدرية.