رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك فى حفل تخرج الكلية المعمدانية    الأسهم الأوروبية تغلق على انخفاض.. وخسارة أسبوعية لمؤشر ستوكس 600    لجنة الاستثمار بغرفة القاهرة تعقد أولي إجتماعاتها لمناقشة خطة العمل    ملك الأردن يدعو للعمل بشكل فاعل لتنسيق جهود الاستجابة الإنسانية في غزة لوقف الكارثة    وزير النقل السعودي: 32 تقنية حديثة و47 ألف موظف و27 ألف حافلة لخدمة ضيوف الرحمن    أمريكا تعلن تقديم 315 مليون دولار مساعدات إنسانية للسودان    الألماني فيرتز يفتتح أهداف يورو 2024    بالأسماء.. تشافي طلب طرد 5 لاعبين من برشلونة قبل رحيله    حقيقة موافقة ناتشو على عرض الاتحاد السعودي    فيديو.. الأوقاف: إقامة صلاة عيد الأضحى في أكثر من 6 آلاف ساحة بخلاف المساجد    موسم عيد الأضحى السينمائي.. أحمد فهمي يروج لفيلمه الجديد عصابة الماكس    رابط التسجيل في منحة العمالة الغير منتظمة 2024 عبر موقع وزارة القوى العاملة    نقيب الإعلاميين يهنئ السيسي بحلول عيد الأضحى    عاجل| القطاع العائلي في مصر يستحوذ على 58% من إجمالي الودائع غير الحكومية بالعملات الأجنبية في البنوك    ويزو: 'ممنوع الأكل في لوكيشن شريف عرفة بس أنا كنت مبسوطة'    شاهد| مراحل صناعة كسوة الكعبة بخيوط ذهبية وفضية.. والقرموطي: "شيء مبهر ومبتكر"    سُنن الأضحية في عيد الأضحى المبارك    فيديو.. المفتي يوضح فضل العبادة في العشر الأوائل من ذي الحجة    الثانوية العامة 2024.. خبيرة تربوية: التغذية الصحية تساعد الطالب على الاستذكار والتحصيل    أول رد من هيفاء وهبي على انتقادات حضورها مهرجان كان السينمائي    غارات صهيونية على قطاع غزة مع استمرار فشل محادثات الهدنة.. بايدن يتهم حماس بأنها العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق.. والاحتلال يستولى على أموال السلطة الفلسطينية    أمن القليوبية يكشف تفاصيل جديدة في واقعة قتل طفل القناطر على يد زوجة أبيه    اليسار الفرنسي يكشف عن خطة للتخلص من إصلاحات ماكرون وتحدي الاتحاد الأوروبي    الصحة الفلسطينية: 5 إصابات برصاص الاحتلال من مخيم الأمعري بينها 3 بحالة خطيرة    الأمير سعود بن مشعل يستقبل الرئيس السيسي في مطار الملك عبدالعزيز    مودريتش يخالف رأي مبابي    موعد صلاة عيد الأضحى في مصر 2024    الجيش الروسى ينفذ 19 ضربة مشتركة على منشآت استراتيجية أوكرانية    الأزهر: يجب استخدام عوازل لمنع الاختلاط في صلاة العيد    الفيلم الوثائقي أيام الله الحج: بعض الأنبياء حجوا لمكة قبل بناء الكعبة    كيف تساعد مريض الزهايمر للحفاظ على نظام غذائي صحي؟    بعد العرض البلجيكي.. آخر تطورات صفقة انتقال بلعيد إلى الأهلي (خاص)    إزالة مخالفات بناء في الشروق والشيخ زايد    قصف مستمر وانتشار للأمراض الخطيرة.. تطورات الأوضاع في قطاع غزة    برامج وحفلات وأفلام ومسرحيات.. خريطة سهرات عيد الأضحى على «الفضائيات» (تقرير)    «صيام»: نطبق استراتيجية متكاملة لتعريف المواطنين بمشروع الضبعة النووي| فيديو    «التنسيقية».. مصنع السياسة الوطنية    وكيل «الصحة» بمطروح: تطوير «رأس الحكمة المركزي» لتقديم خدمات طبية متميزة للمواطنين    بالرقم القومي.. نتيجة مسابقة مصلحة الشهر العقاري    هل صيام يوم عرفة يكفر ذنوب عامين؟.. توضح مهم من مفتي الجمهورية    ماذا يحدث للجسم عند تناول الفتة والرقاق معا؟    «الإسكان»: إجراء التجارب النهائية لتشغيل محطة الرميلة 4 شرق مطروح لتحلية المياه    محافظ المنوفية: 647 مليون جنيه حجم استثمارات الدولة في قطاع التعليم قبل الجامعي    65% من الشواطئ جاهزة.. الإسكندرية تضع اللمسات النهائية لاستقبال عيد الأضحى المبارك    «التعاون الدولي» تُصدر تقريرا حول التعاون مع دول الجنوب في مجالات التنمية المستدامة    وزير الري يوجه برفع درجة الاستعداد وتفعيل غرف الطوارئ بالمحافظات خلال العيد    «هيئة الدواء»: 4 خدمات إلكترونية للإبلاغ عن نواقص الأدوية والمخالفات الصيدلية    فحص 694 مواطنا في قافلة متكاملة بجامعة المنوفية    لاعب بيراميدز ينفى بكائه بعد التسجيل في مرمى سموحة    «التضامن»: استمرار عمل الخط الساخن لعلاج مرضى الإدمان «16023» خلال عيد الأضحى    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد الكبير بالمحلة    إصابة شخص صدمته سيارة أثناء عبوره للطريق فى الهرم    ماس كهربائي كلمة السر في اشتعال حريق بغية حمام في أوسيم    فرج عامر: أوافق على مقترح الدوري البلجيكي.. ولا أستطيع الحديث عن عبد القادر وخالد عبد الفتاح    حاتم صلاح: فكرة عصابة الماكس جذبتني منذ اللحظة الأولى    إنبي: العروض الخارجية تحدد موقفنا من انتقال محمد حمدي للأهلي أو الزمالك    حظك اليوم وتوقعات برجك 14 يونيو 2024.. «تحذير للأسد ونصائح مهمّة للحمل»    كتل هوائية ساخنة تضرب البلاد.. بيان مهم من الأرصاد بشأن حالة الطقس اليوم الجمعة (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعيد الكفراوي.. راهب القصة القصيرة
نشر في الأهالي يوم 21 - 09 - 2011

بعد أن ودع صديقه خيري شلبي، الحكاء الكبير مثله، وبعد أن ذرف عليه الدمع الوافر، انفطر قلبه، قلب سعيد الكفراوي، الحكاء الكبير الآخر، فداهمته جلطة القلب، وقد أجري عملية دعامات للقلب، وهو مازال في مستشفي القصر العيني الفرنساوي، لسعيد الكفراوي كتاب بعنوان «يا قلب مين يشتريك»، فيا قلب
سعيد الكفراوي مين يشتريك؟ يشتريك محبو الكفراوي، ومحبو أدبه، ومحبو حبه للناس والقرية والوطن. يا قلب سعيد الكفراوي : سلامتك . انهض وعبّ من الحياة، واصنعها، كما كنت. هنا كلمة عن أدب الكفراوي للناقد سيد الوكيل، تحية له، ولنا. «الأهالي»
قدم القاص والروائي سعيد الكفراوي مجموعته الأولي في بداية الثمانينيات فلفت انتباه النقاد إلي المستوي المتميز الذي ظهرت عليه المجموعة بتناولها لطرائق من الأداء السردي لم تكن شائعة من قبل ، وهي طرائق تهدف في معظمها إلي خلخلة المركزيات التقليدية مثل مركزية الحدث ، أو الراوي ، فضلاً عن الاكتشافات الأسلوبية التي خلخلت آلية السرد الوصفي واستبدلتها بأساليب تمنح فضاء أكثر رحابة لحضور الذات الساردة لتعلن عن نوازعها وأحلامها وهواجسها ، بحيث تحل الذات الساردة محل المركزيات القديمة التي كانت تعيش خارجها، ومن ثم تضمن للغة مستوي من التناسق الشعوري بين الذات والعالم والأشياء ( الذات والموضوع ) فتقترب التجربة القصصية من الشعر ويعيشان معاً في فضاء واحد من السرد والغناء ، وبهذا الغناء تكتسب اللغة طاقة من الشجن والأسي ، في حين يتجه السرد إلي استعادة الماضي وتنقيته بحيث يبدو كل مافيه جميلاً وقابلاً للعمل في الآني بطاقة الحنين ( النوستالجيا ).
وهو موقف يختلف في أهدافه عن الرومانسية الأولي كملاذ ( هروبي ) من قبح الواقع ، ويبرر ارتباطه بالواقع من حيث أن ما يتبقي في الذاكرة هو صورة الواقع الذي نعرفه ، أو بمعني آخر هو كل ما أدركناه ويهمنا في الواقع ، إذ لا واقع خارج الذات ، بل هو جزء منها ، وبهذه الطريقة يندمج مفهوم الواقع الموضوعي بمفاهيم أخري أكثر ذاتية كالخبرة الشخصية والذاكرة والمتخيل والأسطوري ، وبهذا الدمج يصبح الواقع أكثر شعرية ومن ثم أكثر انكشافا وألقاً بما يتيح لنا رؤيته علي نحو أكثر عمقا، لأن الواقع الخارجي سطحي وخادع ، فالجزء الظاهر من جبل الجليد لا يمثله أبداً ، وبهذا المعني يصبح الإدراك نوعاً من الاستبطان والوعي كشفاً وبصيرة وليس تبصراً ، وهو نفس الموقف الذي راهنت عليه تجربة الشعر في السبعينات عند كتاب قصيدة النثر علي نحو ما يمثله بقوة أدونيس.
وهذه المجموعة احتوت مختارات من قصصه التي كتبها علي مدار ما يقرب من ربع القرن، ومن ثم فهي تجسد مشروعه في السرد القصصي الذي تخصص فيه ، فمعروف أن سعيد الكفراوي لم يكتب الرواية حتي الآن ، وهو يري أن القصة الجيدة تمنح قراءها متعة مساوية للرواية ، وأنها فن صعب لايقبل التزيد أوالترهلات أو اللغة غير الفنية ، فهي فن الكتابة المصقولة ، والحقيقة أن كثيرا من قصص سعيد الكفراوي تظل عالقة بالذاكرة نتيجة لاحتشادها بشبكة معقدة من العلاقات السردية قوية الدلالة، ومرتهنة في نفس الوقت بالمكان والزمان والشخصيات الحية ، فشخصيات سعيد الكفراوي ليست مجرد نماذج بشرية ، بل هي منتزعة من واقع تجاربه الشخصية ومشاهداته الثرية .
بهذا المعني وجد مشروعه السردي الذي تحددت ملامحه منذ مجموعته القصصية (مدينة الموت الجميل ) ، وظل يعمل علي صقله وتطويره بإصرار ، حتي انتهي إلي مجموعة من الخواص المميزة ، التي تجعل القارئ يفطن بقليل من الجهد إلي أن سعيد الكفراوي واحد من الكتاب القلائل الذين امتلكوا مشروعاً سرديا خاصاً.غير أن أهم ما يميز هذا المشروع أنه لم ينطلق من الأساس الأيديولوجي ولا من نفس القيم الواقعية التي قامت عليها مشاريع الكتابة في الستينات ، فمشروع الكفراوي هو مشروع جمالي بالدرجة الأولي .
والناقد الكبير محمد برادة في مقدمة كشك الموسيقي : ( .. عند سعيد الكفراوي ومعه آخرون ولا شك ، نحس أن صوت الذات لم يعد يرضي بأن يظل قابعاً في الخلف ، متدثراً ب ( المعادل الموضوعي ) ، وبالمعاينة الباردة ، إنه علي العكس ( يهجم ) علي كل ما هو ملتصق بكينونته ، الطفولة ، العلاقة بالأم ، القرية ، لحظات الحب ، المدينة المفترسة ، الوحدة ، الموت ... وفي ثنايا الكتابة والشكل ، يشعرنا بأنه يريد أن يتبين موقع ذاته من كل ذلك ،لايريد أن يتخفي وراء عجائبية الوقائع وطرافتها ، ( وهي كثيرة وحاضرة ) ، وإنما يريد أن يقترب من تلك الحقائقية التي تستعصي علي الوصف لأنها محفورة في المسام ، تشعل الذاكرة وتذكي الحنين ) .
وعالم الطفولة يبرز علي نحو خاص في تجربة الكفراوي ، ويأتي مفعماً بالطزاجة والعفوية والدهشة التي تسم ممارسات الأطفال وألعابهم وأغانيهم وتشوفاتهم وأحلامهم البسيطة المستحيلة ، وعلاقاتهم المشتبكة بالأماكن والأسرار الصغيرة والأشياء الخاصة التي تتغير بفعل المخيلة من العادي إلي المقدس ، ولعل هذه القداسة تمتد إلي بعض الشخصيات التي يرتبط بها الطفل علي نحو تخييلي كشحصية عازف الرباب أو شاعر القرية أو شيخ الكتاب أو الجد الذي يحاط عادة بهالة أسطورية وتنسب له بعض القدرات الخاصة التي تقترب به إلي منطق الخوارق أحيانا ولاسيما فيما يتعلق بقواهم الجسمانية وشجاعتهم في محاربة الجان أو لصوص الطرق ، وهكذا تحمل مثل هذه الشخصيات بعداً أسطوريا .
والراوي في قصص الكفراوي غالباً ما يكون طفلاً أو رجلاً كبيراً يستدعي الطفولة ، إذ تبدو الطفولة هي كلمة السر في قصص الكفراوي ودافع الإلهام العفوي والخيال السحري اللعوب .
تشظي المكان
أحياناً اشعر بأن ثمة قصة قصيرة بقوة رواية كاملة ، قد يرجع هذا لاتساع الفضاء الزمني الذي يتحرك فيه السرد ، لكن هذا وحده لايكفي ، فهذا الحراك يجب أن يكون علي قدر كبير من التنوع والتعدد بما يضمن للنص قدراً كبيراً من الديناميكية ، وهو تحريك مكتنز بالعلامات الجمالية والدلالية التي تدخل في تفاعل مع بعضها البعض من ناحية ومع القارئ من ناحية أخري ، إن هذا التحريك يهدف إلي شئ واحد ، أن يفتح الأفق القرائي علي آخره .
لابورصا نوفا .. واحدة من القصص التي تحضر في أفق قارئها بقوة رواية.
إذا كانت مجموعة ( مدينة الموت الجميل )"1" تشير الي نفسها بقوة في تجربة سعيد الكفراوي القصصية ، فان قصته البديعة ( لا بورصا نوفا ) تبرز بتفرد خاص بين قصص هذه المجموعة ، ليس فقط لكونها تتصدر قصص المجموعة أو لاسمها اللافت للانتباه ، ولكن وهذا هو المهم لاحتشادها بالكثير من العلامات والسمات الجمالية والدلالية ( لغة وتقنية ) ، وهي علامات تفيض علي مساحة زمكانية كبيرة وتلامس مناطق عديدة من وعي الذات الساردة ، فهي علي المستوي الزمني تستقطع رحلة غير هينة من الوعي الريفي إلي الوعي المديني ، فضلاً عن تجربة السفر إلي الخارج والتي يمكن احتواؤها عبر المكان الصحراوي كرمز يضرب إيقاعيا في خلفية الوعي ، وحيث تخضع كل من هذه الأمكنة لمنظومة من القيم والسياقات المعرفية والجمالية تختلف فيما بينها علي نحو لافت ، ومن ثم فإذا كانت ( مدينة الموت الجميل ) تطرح علامة أسلوبية علي المكان تكتنز بالدلالة وتشكل أفقاً مكانياً لحركة الذات الساردة .
الثراء الدلالي ، والتعدد المثير لمستويات وعي السارد بالمكان وتداعياته اللغوية ، يقدم ضمانات النص في قدرته علي التقليل من سطوة النمطية الأسلوبية ، بحيث يمر عليها القارئ مرورا عابرا بفضل الاشتغال الفني ، وعلي الرغم من أن موقف الذات الساردة هو موقف نمطي تماما ، إلا إننا ، أثناء قراءتنا للنص لا نستشعر وجود النمط في أي لحظة ، أعني لا نستشعره كعائق .
وهذا التماس السردي الشعري هو المسئول عن الحضور الصوفي الشفيف في تجربة سعيد الكفراوي علي نحو ما تمثله بعض قصص مجموعته ( كشك الموسيقي ) مثل قصة ( تلة الملائكة ) ، ( في حضرة السيدة ) ،( بيت للعابرين ) .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.