كانت محاكمة الرئيس المخلوع «حسني مبارك» هي الحدث الأبرز والأهم في كل الصحف المصرية، العربية والدولية.. باعتبارها لحظة تاريخية فارقة في حياة ومصير ومستقبل الأمة العربية بأسرها.. فبينما اعتبرتها الصحف البريطانية الأمريكية، نهاية عصر الفساد والاستبداد، وبداية حقيقية لمرحلة الديمقراطية، وأنها نقطة تحول في منطقة الشرق الأوسط.. وكان للصحف الإسرائيلية موقف آخر، حيث رأت في المحاكمة ذلا ومهانة لمبارك «باعتباره الحليف الاستراتيجي لهم»، وخوفا من نشأة أنظمة حكم ديمقراطية في المنطقة، لا يعرفون كيف سيتعاملون معها. وقال أنتوني شديد - الصحفي بالنيويورك تايمز: إن دخول مبارك إلي قفص الاتهام، نقطة فارقة في تاريخ مصر، لاسيما وأنه يشابه القفص الذي ظهر وراءه قاتل السادات، قبل ثلاثين عاما.. ومضي شديد يقول إن الفرعون، خليفة السادات، وزعيم أكبر قوة سياسية في الشرق الأوسط، طيلة ثلاثين عاما، أطاحت بعرشه مظاهرات عارمة في فبراير الماضي. انقسام وانقسمت الصفوف المصرية بشأن حضور مبارك إلي المحاكمة، التي انعقدت في أكاديمية الشرطة، غير أن حضوره مثّل «لحظة حقيقية في مضمون الثورة» تلك الثورة التي أثبتت أنها أيسر بكثير من توابعها، ومحاولة بناء نظام جديد.. ويري كاتب التقرير أن المحاكمة قوبلت بشيء من الرهبة والترقب والشك، والاشتباكات في بعض الأحيان، سواء في محطات المترو أو المكتبات أو المدارس، أو شوارع المدينة التي تعاني تحت حرارة شمس الصيف القاسية. ويقول «شديد»: لقد عاد الانقسام لينخر في صفوف المصريين مرة أخري، فقد انقسموا بين مؤيد ومعارض، وبين مناد بالتعاطف وآخر بتحقيق العدل والانتقام لشهداء الثورة ومصابي الشعب المصري. وأضاف «شديد» بتقريره في النيويورك تايمز، أن مجرد محاكمة مبارك تعد لحظة تاريخية في تاريخ العالم العربي بأسره، فهي مشابهة إلي حد كبير، محاكمة وإعدام صدام حسين، الذي أطاح بحكمه الاحتلال الأمريكي بحجة اتضح فيما بعد أنها زائفة، «وإن كان تشبيه الحالتين، ليس دقيقا، فمبارك يحاكم من قبل شعبه، وبعد ثورة شعبية أطاحت به وبنظامه، بينما صدام حسين حوكم تحت الاحتلال الأمريكي». ورغم أن محاكمة مبارك هي انتصار حقيقي للثورة المصرية، ودليل علي استمرارها، وتحقيق بعض أهدافها «حتي الآن» لكنها ستزيد من صعوبة تحقيق الثورات في البلدان العربية الأخري «كسوريا، وليبيا، واليمن» حيث رأي بعض المسئولين العرب «والكلام لشديد» أن إدانة مبارك ستزيد من إحجام القادة - الذين يواجهون المظاهرات المطالبة برحيلهم عن الرحيل، خوفا من مواجهة نفس المصير.. وأشار شديد إلي أن المحاكمة في حد ذاتها أكبر دليل علي تغير مصر نحو الديمقراطية. أما صحيفة «واشنطن بوست الأمريكية» فاعتبرت أن محاكمة حسني مبارك، دلالة علي مدي تغير المشهد السياسي بعد الثورة التي اجتاحت مصر قبل ستة أشهر، وقالت إنها أزالت عن مبارك صفات «الألوهية» التي ارتبطت به طيلة ثلاثة عقود حكم خلالها البلاد.. ومضت الصحيفة الأمريكية تقول «إن القضاة الذين حصلوا علي عملهم في عهد الرئيس السابق، سيشرفون علي المحاكمة، وسيعرض المدعي العام، الذي عينه مبارك، التهم الموجهة إليه في بث حي للمحاكمة، التي يشاهدها الملايين من المصريين، والملايين حول العالم.. ونقلت «الواشنطن بوست» عن القاضي «محمود الخضيري» قوله «هذه لحظة تاريخية في تاريخ الشعب المصري الذي رأي الرئيس المخلوع، خلف قفص الاتهام، بعدما اعتاد علي رؤيته كرمز إلهي علي شاشات التليفزيون علي مدار عقود». وأشارت الصحيفة الأمريكية إلي تزايد امتعاض الكثير من المصريين حيال المجلس العسكري الذي يقوده وزير دفاع الرئيس السابق، وكيف اعتراهم الشك حيال استمرار المحاكمة أو ظهور مبارك، غير أن المجلس خضع للضغوط العامة وبدا مستعدا لمحاكمته. وتناولت صحيفة «الواشنطن بوست» الأمريكية بدورها محاكمة الرئيس السابق «مبارك» أمام أعين العالم أجمع، ورأت أن ظهوره ومثوله أمام القضاء «فرصة لانتقام المصريين» من مستبد حكم البلاد بقبضة من حديد طوال ثلاثين عاما. وتساءلت الصحيفة الأمريكية، عما إذا كانت هذه المحاكمة ستحقق العدالة الغائبة، فبعض المصريين يخشون أن تستخدم السلطة العسكرية المحاكمة باعتبارها دليلا علي التحول الديمقراطي وتحقيق الإصلاحات في البلاد، في الوقت الذي يري فيه النشطاء أن البلاد في حاجة للمزيد من التغيير الحقيقي. أما «الواشنطن تايمز» فقد نقلت عن «طارق شلبي» أحد النشطاء الشباب الذين لم يبرحوا ميدان التحرير قوله «أخشي أن يعتبر البعض أن محاكمة مبارك وإدانته نهاية للثورة، فالبعض سيقول إن الثورة حققت أهدافها، ولكن الحقيقة ليست كذلك».. واعتبرت الصحيفة أن محاكمة مبارك وظهوره علي شاشات التليفزيون لحظة «غير مسبوقة» في تاريخ العالم العربي، فلأول مرة يتم وضع زعيم شرق أوسطي معاصر خلف الأسوار، علي أيدي شعبه. مفارقة وقارنت الصحيفة بين محاكمة مبارك ومحاكمة صدام حسين، التي اهتزت لها أرجاء الشرق الأوسط «حسب وصف الجريدة»، كما قارنتها بمحاكمة زين العابدين بن علي، الذي كان نظامه أول الأنظمة التي أطاحت بها، مظاهرات الربيع العربي، غير أن محاكمة مبارك تحمل بين طياتها رمزية تاريخية لأنه حضر المحاكمة، بينما بن علي حُكم عليه غيابيا، وهو في منفاه بالمملكة العربية السعودية. ورأت «واشنطن تايمز» أن عقد المحاكمة في «أكاديمية الشرطة» تعد مفارقة، إذ كانت تسمي قبل الثورة «أكاديمية مبارك للأمن» حيث كان يحظي الرئيس السابق بالاحترام والتقدير في هذا المكان. أما صحيفة التليجراف البريطانية فقد تناولت المحاكمة من منظور مختلف تماما، فرأت أن ظهور مبارك داخل قفص الاتهام، مريضا وملقي علي سرير المستشفي قد تكون «حيلة» جديدة وهو ما يعتقد به العدد الأكبر من المصريين الموجودين خارج المحاكمة والمتابعين عن بعد، في ظل تخلي المصريين «علي حد قول الجريدة «فلم تقل بعض أو معظم» عن مشاعر التعاطف التي يحاول مبارك ونجلاه استمالتها للفوز بالعفو الشعبي، وأشارت الصحيفة إلي أن مبارك يواجه باتهامات عقوبتها الإعدام، إذا ثبتت إدانته بذلك، ولكنه يواصل الإنكار، لتبييض ساحته، وعائلته من هذه التهم الشائنة المتعلقة بالفساد السياسي.. وأضافت الصحيفة «علي مساحة صفحة خاصة» نشرتها بهذه المناسبة عن مبارك، أن سقوطه كان نعمة، لم يصدقها أحد في البداية، ولايزال البعض لا يصدقون أنفسهم، وأولهم مبارك نفسه، الذي بالتأكيد لا يصدق مشهد مثوله أمام المحكمة، ويواصل الإنكار الذي اعتاده منذ البداية، فقال في آخر تصريحاته لقناة العربية في 10 أبريل الماضي، إنه وأسرته ضحايا الادعاءات الكاذبة التي تسعي لتدمير سمعته ونزاهته.. وأكدت الصحيفة أن مواصلة إنكار مبارك للتهم الموجهة إليه، يثير غضب المصريين وحقدهم عليه، ولم ينس أحد أنه في تصريحه الأخير للعربية حينما هدد بمقاضاة كل من قام بالتشهير به في وسائل الإعلام المضللة، كما هدد بالتصدي لكل من روج عنه، تلك الاتهامات. الحليف وكان للصحافة الإسرائيلية موقف مغاير باعتبار مبارك هو حليفهم الاستراتيجي، وباعتبارهم معادين للثورات العربية، وللأنظمة الديمقراطية في المنطقة، حيث لن تصبح الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط كما كانت تزعم دائما، كما أنها لا تعرف حتي الآن كيف ستتعامل مع هذه النظم الديمقراطية التي سيكون حتما للشعب دور مهم في مسيرة تلك النظم.. وعلقت الصحف الإسرائيلية علي محاكمة مبارك، ومنها صحيفة «معاريف» التي زعمت أن عصر ما بعد مبارك شهد تضخما في البطالة وانهيارا لسوق المال.. وقالت صحف أخري إن باحثين إسرائيليين يستنكرون محاكمة مبارك، وقالت بعض الصحف والمواقع «محاكمة الذل لمبارك» «مثل الكلب في القفص»، «وهذا ما يحدث لمن يريد الشعب المصري إذلاله»!