الأمير عبد القادر الجزائري.. تاريخ من المقاومة والتصوف يعد الأمير عبد القادر من كبار رجال الدولة الجزائريين في التاريخ المعاصر ، فهو مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة ورائد مقاومتها ضد الاستعمار الفرنسي. كما يعد أيضا من كبار رجال التصوف والشعر وعلماء الدين . وفوق كل ذلك كان داعية سلام وتآخي بين مختلف الأجناس والديانات . يمتد نسبه للإمام الحسين بن علي، وقد ولد في 23 رجب 1222ه/1807م بقرية القيطنة الواقعة بوادي الحمام غربي مدينة معسكر، وترعرع في كنف والديه حيث حظي بالعناية والرعاية . قضي المرحلة الأولي من حياته في طلب العلم سواء في مسقط رأسه بالقيطنة فحفظ القرآن الكريم أو في آرزيو ووهران حيث تتلمذ علي عدد من شيوخ المنطقة وأخذ عنهم مبادئ العلوم الشرعية واللغوية و التاريخ والشعر،فصقلت ملكاته الأدبية والفقهية والشعرية في سن مبكرة من حياته. بعد سقوط وهران عام 1831 في يد الفرنسيين عمت الفوضي و اضطربت الأحوال مما دفع بشيوخ وعلماء ناحية وهران إلي البحث عن شخصية يولونها أمرهم، فوقع الاختيار علي الشيخ محي الدين والد عبد القادر ،لما كان يتسم به من ورع وشجاعة ،فهو الذي قاد المقاومة الأولي ضد الفرنسيين سنة 1831- كما أبدي ابنه عبد القادر شجاعة وحنكة قتالية عند أسوار مدينة وهران منذ أول اشتباك له مع المحتلين - اعتذر الشيخ محي الدين لكبر سنه و بعد الحاح من العلماء و شيوخ المنطقة رشح ابنه عبد القادر قائلا: ...ولدي عبد القادر شاب تقي ،فطن صالح لفصل الخصوم و مداومة الركوب مع كونه نشأ في عبادة ربه ،ولا تعتقدوا أني فديت به نفسي ،لأنه عضو مني وما أكرهه لنفسي أكرهه له . في هذه الظروف تحمل الأمير مسئولية الجهاد و الدفاع عن الرعية و ديار الإسلام وهو في عنفوان شبابه. وما يميز هذه المرحلة ،انتصاراته العسكرية و السياسية- التي جعلت العدو الفرنسي يتردد في انتهاج سياسة توسعية أمام استماتة المقاومة في الغرب و الوسط ، والشرق . أدرك الأمير عبد القادر منذ البداية أن المواجهة لن تتم إلا بإنشاء جيش نظامي تحت نفقة الدولة .لهذا أصدر بلاغا إلي المواطنين باسمه يطلب فيه بضرورة تجنيد الأجناد وتنظيم العساكر في البلاد كافة.فاستجابت له قبائل المنطقة الغربية و الجهة الوسطي، و التف الجميع حوله بالطاعة كون منهم جيشا نظاميا سرعان ما تكيف مع الظروف السائدة و استطاع أن يحرز عدة انتصارات عسكرية أهمها معركة المقطع التي أطاحت بالجنرال تريزيل و الحاكم العام ديرليون من منصبيهما. إلي أن تغيرت موازين القوي، داخليا وإقليميا مما أثر سلبا علي مجريات مقاومة الأمير فلم يعد ينازل الفرنسيين فحسب بل انشغل أيضا بأولئك الذين قصرت أنظارهم، فتوالت النكسات خاصة بعد أن انتهج الفرنسيون أسلوب الأرض المحروقة، كما هي مفهومة من عبارة الحاكم العام الماريشال بيجو: "لن تحرثوا الأرض، وإذا حرثتموها فلن تزرعوها ،وإذا زرعتموها فلن تحصدوها..." كان لهذه السياسة أثرها الواضح في تراجع قوة الأمير، لاسيما بعد أن فقد قواعده الخلفية في المغرب الأقصي، بعد أن ضيق عليه مولاي عبد الرحمن سلطان المغرب الخناق. أما مرحلة المعاناة بالنسبة له فتبدأ هذه المرحلة من استسلام الأمير عبد القادر إلي وفاته. ففي 23 ديسمبر 1847 سلّم نفسه بعد قبول القائد الفرنسي لامورسير بشروطه،ونقله إلي مدينة طولون. استقر الأمير في استانبول، لكنه لم يبق فيها طويلا نتيجة الهزات الأرضية التي كانت تضرب المنطقة من حين لآخر ،فانتقل إلي دمشق عام 1855 بتفويض من السلطان العثماني وفيها تفرغ للقراءة والتصوف والفقه والحديث والتفسير. وأهم المواقف الإنسانية التي سجلت للأمير، تصديه للفتنة الطائفية التي وقعت بين المسلمين والمسحيين في الشام عام 1860. و تحول الأمير إلي شخصية عالمية تحظي بالتقدير و الاحترام في كل مكان يذهب إليه حيث دعي لحضور احتفال تدشين قناة السويس عام 1869. توفي في 1883 في دمشق عن عمر يناهز 76 سنة، ودفن بجوار ضريح الشيخ محي الدين بن عربي الأندلسي، نقل جثمانه إلي الجزائر في عام 1966.