تجددت مؤخرا في كل أرجاء المملكة العربية السعودية قضية حق النساء في قيادة السيارات التي كانت قد انفجرت قبل أكثر من عشرين عاما أي تحديدا سنة 1990 حين قامت مجموعة من النساء بتحدي السلطة التي كانت قد حرمت عليهن قيادة السيارات لا لشيء إلا لأنهن نساء. وفي ذلك الحين جري حبس النساء وفصلهن من أعمالهن، وقبل شهر قامت «شيماء أسامة» بقيادة سيارتها في جدة إلي المستشفي حين لم تجد سائقا، وذلك لتلحق بموعد حقنة ضرورية لمواجهة النقص الحاد في فيتامين د في جسمها. وفي طريق عودتها إلي منزلها ألقت الشرطة القبض عليها، ثم جري اطلاق سراحها بعد ساعات. وقالت «شيماء» التي كانت قد استجمعت شجاعتها بعد اندلاع الثورات العربية التي اطاحت بزين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر- أنا أعلم جيدا أنه ليس هناك قانون مكتوب يمنع المرأة من قيادة السيارة، والآن هو الوقت المناسب تماما لحصول السعوديات علي حقوقهن. أما أنا- تقول «شيماء» فقد أمسكت بمفتاح السيارة، وتنفست بعمق وشغلت الموتور وانطلقت صحيح أنه ليس هناك قانون مكتوب يمنعنا من قيادة السيارة، ولكن عند استخراج رخصة القيادة ترفض الادارة منح رخصة للمرأة. وأخذ آلاف السعوديين والسعوديات يكتبون علي «الفيس بوك» بعد إطلاق سراح «شيماء» مطالبين باعطاء رخص القيادة للنساء، واستخدم بعضهم منطقا قويا جدا حين قالوا أن المرأة التي تقود السيارة سوف توفر أجر سائق مما يعمل علي تحسين ميزانية الأسر من الطبقة الوسطي إذ يتقاضي السائق 2000 ريال في الشهر أي ما يوازي 530 دولارا، أما الأسر التي لا تستطيع دفع هذا المبلغ فإنها تعتمد علي أحد الرجال من الأسرة زوجا أو ابنا أو شقيقا. ويعمل في السعودية ملايين السائقين من البلدان العربية وبلدان جنوب شرق آسيا. ويرفع المعارضون لقيادة المرأة للسيارة شعارات دينية لتبرير رفضهم ويضعون الشريعة كلافته ويقول الشيخ عبد الله محسن العبيكان مستشار القصر الملكي لجريدة الهيرالدتربيون إن النساء اللاتي يقدن السيارات سوف يتعرضن للتحرش. وتعلق الجريدة قائلة : إن السبب الحقيقي للمعارضة هو سبب ديني وليس الخوف علي النساء حيث تسعي المؤسسة الدينية السعودية الرجعية إلي تغليف الموضوع بالشريعة لأنهم يعرفون جيدا أنه لو أقر المجتمع بحق المرأة في قيادة السيارة سيحدث تغييركبير جدا، وسيكون هذا التغيير في اتجاه معاكس لرغبات وأفكار المؤسسة الدينية المحافظة التي تري أن المجتمع يتغير بايقاع أسرع من اللازم، وفي اتجاه ثوري متأثرا بما حدث في البلدان العربية وخوفا من التأثير الأعم علي المجتمع السعودي بضغط من الثورات العربية كان الملك عبد الله بن عبد العزيز قد رصد مائة مليار دولار لزيادة المرتبات والانفاق علي كل من الإسكان والرعاية الصحية. ولكن التطلع للحقوق وللحريات العامة وفي القلب منها حقوق النساء وحرياتهن يظل أوسع مدي بكثير من مجرد رصد المليارات ولكنه تشوق لحريات التعبير والتنظيم والمشاركة السياسية، وهي الحقوق والحريات التي تتمتع بها الشعوب في البلدان الديمقراطية، أما النظم العتيقة مثل السعودية التي تصادر أبسط حقوق الإنسان مقابل الإغداق المادي علي الناس فإنها لن تصمد طويلا أمام رياح الثورة الديمقراطية العارمة التي تجتاح منطقتنا. وسوف يساعد علي انجاز مثل هذه الثورة في بلد كالسعودية وجود طبقة وسطي متعلمة تعليما حديثا في أوربا وأمريكا وفي بلدان الوطن العربي الأكثر تقدما، وهي ايضا طبقة مرتاحة ماديا وغير راضية عن استخدام الدين من قبل المشروع الوهابي السعودي كأداة للقمع والتخويف وتعطيل سير المجتمع السعودي إلي الحداثة وإلي الديمقراطية في آخر المطاف حين تسقط السلطة الأبوية التي تفرض الوصاية علي النساء باعتبارهن كائنات «ضعيفة» تحتاج إلي حماية الأب والأخ والزوج وحتي الابن.