التربص بخالد منتصر كنا نظن، بعد ثورة يناير، أن تكفير الآخرين دينيا سيزول ، علي أساس أن أحد أكبر منجزات الثورة هو الحرية، بكل مفرداتها، بما فيها حرية الرأي والاعتقاد والفكر، لكن ما حدث كان علي عكس ذلك: فقد تفاقمت ظاهرة الفتوي بتكفير المخالفين في الرأي والاعتقاد، بل سارع بعض غلاة التشدد الإسلامي بتنفيذ ما يرون أنها حدود الله بأيديهم، حتي نائب رئيس الوزراء د. يحيي الجمل لم ينج من بلاغ يتهمه بالإساءة للذات الإلهية. وها هو الكاتب المستنير د. خالد منتصر يقع تحت طائلة هذا الغلو المتشدد، إذ سارع بعض من يعتقدون أنهم حماة الإسلام بتقديم سؤال إلي دار الافتاء حول حكم من يقول «ما دخل الله في السياسة»؟ ، فيفتي أحد موظفي دار الافتاء بأن قائل مثل هذا القول هو «كافر». وقد تجاهل الجميع (من استفتي ومن أفتي) السياق الذي قيلت فيه هذه الجملة، إذ قالها كاتبنا المستنير د. منتصر في سياق مناظرة مع أحد قادة الإخوان المسلمين، يدافع فيها الإخواني عن الدولة الدينية ويدافع فيها منتصر عن الدولة المدنية. كانت جملة منتصر، إذن، تعني الشعار الذي يرفعه المدنيون والليبراليون جميعا وهو «عدم تدخل الدين في السياسة» ، وهو الشعار الذي كان ترجمة للشعار المصري الأصيل منذ بدايات القرن العشرين : «الدين لله والوطن للجميع». ثم تناسي الجميع ( من استفتي ومن أفتي) قولة الإمام الشافعي التي لا تحتكر الحق : «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب». ويتناسون كذلك قول الإمام مالك «لو ورد قول لقائل يحتمل الكفر من مائة وجه، ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حمل علي الإيمان ولم يحمل علي الكفر». ويتناسون أخيرا وليس آخرا قول الإمام محمد عبده إن أصلا من أصول الإسلام هو «البعد عن التكفير». أما أن يترصد المترصدون لكلمة منزوعة من سياقها متجاهلين معناها المقصود، فتلك عجيبة. وأما أن يفتي في هذه الأمور الخطرة موظفون في دار الافتاء، ليس هذا عملهم، فتلك عجيبة العجائب. وأما أن يظل طوفان الفتوي عارما، بعد أن حلمنا في سياق الثورة بحرية الرأي واحترام الرأي الآخر وتقدير المختلف انطلاقا من أن ديننا الحنيف يقول «اختلافهم رحمة»، فتلك هي العلامة المقلقة علي الأيام المقلقة القادمة.