28 عاماً علي رحيله دقت الساعة القاسية.. كان مذياع مقهي يذيع أحاديثه البالية.. عن دعاة الشغب.. وهم يستديرون.. يشتعلون - علي الكعكة الحجرية - حول النصب شمعدان غضب.. يتوهج في الليل.. والصوت يكتسح العتمة الباقية.. يتغني لأعياء مصر الجديدة.. وكأنه معنا، رأي ما حدث في يناير فكتب السطور السابقة بدافع حماس المشهد الذي ألهب مشاعرنا جميعا، وهو ما يعيدنا دائما إلي تلك «المعادلة اللغز» للشعراء الكبار حين يرون ما هو قادم عبر السنوات البعيدة، للشعراء المحترفين خريطتهم الخاصة ورؤيتهم البعيدة، فجميعنا حين عدنا للكعكة الحجرية التي كتبها أمل دنقل أصابتنا الدهشة حول عبقرية أمير شعراء الرفض، والذي تمر ذكراه ال 28، الرجل صاحب الملامح الأقرب «لإخناتون» احتفلت هيئة الكتاب بذكراه ليتقدم هو الحضور بصوته الذي ملأ المكان من خلال قصائده التي تواجدت عبر المسجل في حين تواجدت روحه حولنا. أدار الندوة المنجي سرحان والذي سرد تاريخ حياة أمل دنقل منذ ميلاده عام 1940 وحصوله علي شهادة الثانوية العامة والتحاقه بكلية الآداب جامعة القاهرة ثم تركها ليعمل في كثير من الوظائف ومنها موظف بجمرك الإسكندرية ثم قدم المنجي سرحان المشاركين في الندوة وهم الشاعر محمد إبراهيم أبوسنة وإيهاب البشبيشي ود. حسين حمودة والشاعر السماح عبدالله والشاعر محمد سليمان، وفي حضور د. أحمد مجاهد رئيس هيئة الكتاب. بدايات شعرية ليبدأ أبوسنة في الحديث عن بدايات دنقل ومعرفته به برابطة الأدب الحديث والتي جمعتهما مع صلاح عبدالصبور وشكري عياد وأحمد عبدالمعطي حجازي، وهي الرابطة التي كان يرأسها في الخمسينيات الشاعر إبراهيم ناجي، تحدث أبوسنة عن عقد الرابطة لندوتها الأسبوعية كل ثلاثاء والتي سمع من خلالها قصائد أمل وأدهشت وقتها الجميع وفي نفس التوقيت كان يأتي الشاعر عبدالرحمن الأبنودي والذي كان لايزال مجندا في القوات المسلحة. ووصف أبوسنة ذلك التوقيت بموسم الهجرة من الجنوب، وأضاف أن أمل دنقل تعامل بحرية في تعبيره عن الواقع رغم صغر سنه فتفاعلت قصائده مع المناخ السياسي الذي كان سائدا وقتها وقال إن كثيرا من الأدباء تأثروا بشعره مثل عبدالرحمن الشرقاوي الذي أصابه الذهول عندما قرأ «البكاء بين يدي زرقاء اليمامة». أمل دنقل له 6 مجموعات شعرية فقط منها «زرقاء اليمامة» 1969 و«تعليقا ما حدث» و«مقتل القمر»، و«أقوال جديدة عن حرب البسوس» وأخيرا «أوراق الغرفة رقم 8» والتي كتبها علي سرير المرض. في حين قال الشاعر محمد سليمان إنه قابل مساجين سياسيين في سجن «طرة» يحفظون قصائد دنقل مثل «لا تصالح»، الكعكة الحجرية والتي وجدها تستحضر كل ما يحدث داخل ميدان التحرير وروي سليمان كيف اقترب من دنقل ورآه كيف يتعامل مع شعره من حذف أو اختصار وبسببه تراجع سليمان في نشر ديوانه الأول تشككا فيه. ملامح فنية أما د. حسين حمودة فقدم دراسة نقدية عن أعمال دنقل فسر من خلالها سر احتياجنا الدائم لشعر دنقل مؤكدا ملمحا واضحا في أشعاره يتمثل في «المزاوجات» المزاوجة الأولي بين التراث القديم والتجريب المعاصر مما أدي لتنوع الشعر مثل موصولة بالتراث القديم العربي ومن ذلك «كلمات سبارتكوس الأخيرة»، أيضا التجريب والتقنيات التي تشبه المونتاج والشكل الجديد «للقصيدة الدائرية». أما المزاوجة الثانية فبين الوقائع المرجعية والقضايا الأبدية فجمع بين وقائع مرهونة بالسياق الزمني ومنها ما بعد النكسة 1967 مثل «تعليق علي ما حدث»، وتأسيس شعره علي قضايا أبدية مجاوزة كل زمان ومكان مثل الحب والكرامة الإنسانية كما في «أوراق الغرفة رقم 8»، ثم تحدث حمودة عن المزاوجة الثالثة بين المشهد البصري والصوت الغنائي، وبساطة قصائده والمشاهد البصرية الخالصة، أيضا جمعه بين الشعر السياسي والجمالي، بينما تحدث الشاعر السماح عبدالله واقعة طريفة وهي محاولته لزيارة دنقل أثناء مرضه بالمستشفي ورغم دخوله غرفته لكنه لم يحاول أن يحدثه وسأل عن غرفة أخري ثم كتب قصيدة لأمل دنقل علي سرير الشفاء ألقاها في برنامج فاروق شوشة وهي الحلقة التي تحدثت عنها عبلة الرويني في كتابها وأبهجت دنقل عند مشاهدتها.