خبراء الأمان:لدينا القدرة علي تشغيل برنامج لتوليد الكهرباء من المفاعلات النووية ارتبطت مدينة أنشاص النووية منذ ستينيات القرن الماضي بتصنيع أسلحة رادعة لاستخدامها في مواجهة العدو الإسرائيلي وتعلقت أذهان المصريين بالمفاعلات النووية هناك ونسجوا حولها القصص في ظل الغموض والسرية اللذين غالبا ما كان يأتي الحديث عن النشاط النووي في المنطقة مصحوبا بهما.. ومنذ إنشاء أول مفاعل نووي مصري عام 1961 علي يد الدكتور جمال نوح الملقب بأبوالمفاعلات النووية والحديث يدور حول وجود برنامج نووي مصري يمكن تطويره عند الحاجة إلي ذلك لإنتاج سلاح ردع دون النظر إلي صورة وطبيعة هذا السلاح وبلغ الخيال مداه في فترات زمنية سابقة بالمواطن المصري العادي إلي حد تطوير برنامج يمكن استخدامه في وقت زمني محدد في ظل توافر عوامل فنية وجوية أخري وموقف عملياتي يتطلب ذلك تبلغ مساحة المدينة النووية بأنشاص ما يقرب من 1500 فدان ثلث المساحة لمركز البحوث النووية منها 30 فدانا تقريبا للمفاعل الأول ومثلها للمفاعل الثاني، وتشمل المدينة مركزا للمعامل الحارة ومباني هندسية وأخري إدارية وأقسام للمفاعلات ومناطق معزولة خاصة بها مثل طرنشات المياه وغيرها، بالإضافة إلي أقسام طبيعية المفاعلات والمفاعلات الذرية وأقسام الرقابة وشعبة تطبيقات النظائر المشعة ومجموعات الوقاية الإشعاعية ومحطات الرصد الإشعاعي والذري التي تحيط بالمنطقة ومختلف الأماكن المحيطة بها ويعمل علي هذه الأماكن جيوش من الخبراء والفنيين والمتخصصين والدارسين والباحثين في الجامعة ومراكز البحوث وتم تخريج الآلاف من المتخصصين في المجال النووي والذري والإشعاعي تصارعت علي خطفهم العديد من دول المنطقة التي تمتلك رءوس الأموال لعمل برامج نووية بحثية طبية وزراعية. عندما أخبرت بالذهاب إلي مفاعل أنشاص النووي بهدف التأكد من سلامة المفاعلات والمكان ونقل ذلك للرأي العام ورغم أنني كنت علي يقين من سلامة كل شيء من خلال المصادر الخاصة فإنني قررت الذهاب وخوض التجربة بهدف تحويل الصورة الخيالية لدي القارئ إلي واقع ومشاهدة المنطقة التي تعاقب عليها 3 رؤساء للجمهورية صعدت مع بعضهم وتم إهمالها وتكهين أجزاء كثيرة منها مع البعض الآخر وخاصة الرئيس السابق. البداية العنيفة بدأت الرحلة بوسيلة نقل كان يجب تكهينها منذ 20 عاما كما وصفها السائق والذي أكد عملها بدون «دبرياش» رغم كونها وسيلة رئيسية لنقل خبراء الطاقة النووية خلال المأموريات وبعد صراع طويل مع درجات الحرارة التي بلغت 45 درجة يوم الخميس الماضي في ظل زحام المرور، وصلنا بوابة المفاعل النووي الساعة الحادية عشرة والنصف ظهرا لنجد أنفسنا أمام وحدة عسكرية وبعد كتابة وثيقة التعارف وتسليم بطاقات الرقم القومي والتنبيهات الأمنية المشددة، ذهب خيالي إلي أنني أمام موقع نووي بكل ما تعني الكلمة في مخيلة أي مواطن واستدعيت الحديث عن التكنولوجيا النووية من قبل الخبراء خلال السنوات الماضية وما يصحبها من تطور في كل شيء. دخلنا من البوابة العتيقة لنجد أمامنا مشهدا طبيعيا من أشجار مختلفة تفرقها مباني قديمة تختلف في تصميماتها الخارجية وارتفاعاتها، ودفعني فضولي الصحفي لسؤال أحد أفراد الأمن المرافقين عن أحد المباني وبعد تجاهل متعمد منه كررت عليه السؤال مرة أخري فأجابني بابتسامة أن هذا المبني خارج منطقته ولا يعلم عنه شيئا وبعد ما يقرب من 15 دقيقة وصلنا إلي مبني المفاعل وتم تكرار الإجراءات الأمنية التي سبق إجراؤها علي البوابة الرئيسية وبعد المرور في طرقات مختلفة وتغيير المرافقين لها وظهور أجهزة محمولة في اليد وأخري معلقة علي الكتف تبين أنها تعمل علي قياس نسبة الإشعاع في الهواء داخل كل منطقة وجدنا أنفسنا أمام مكتب الدكتور نجيب عاشوب رئيس شعبة المفاعلات والمشرف علي مفاعلي أنشاص ويرافقه لجنة مكونة من الدكتور محمد عزت نائبه للمشروعات والدكتور سليمان محمد نائبه للتعاون الدولي والدكتور هاني عامر خبير الأمان النووي والدكتور أحمد المسيري خبير الأمان النووي والدكتور كمال شعث أستاذ الطاقة النووية المشرف علي المفاعل الثاني والدكتور مصطفي صالح المشرف علي المفاعل الأول وعدد من العاملين بالمفاعلات. كان الهدف الأول للجميع التأكيد علي أن كل شيء تمام ويعمل وفقا للإجراءات العلمية والوقائية المعمول بها دوليا مع العلم أن موضوعات الطاقة النووية لا يصلح معها الأقوال المختلفة ولا يمكن فيها التستر علي أي خطأ في ظل مقولة شهيرة رددها الخبراء «بأنك لا تعلم ماذا فعل حتي أتوقف عن فعله» وأن الطاقة الذرية يجب أن تكون مثل المؤسسة العسكرية داخل مصر وهي مفتري عليها دائما ويجب علي كل مواطن أن يتقدم بالشكر إلي الطاقة الذرية لأنها تعطيه الفرصة أن يشرب كوب مياه نظيفا ويستنشق هواء نقيا ويتناول طعاما آمنا. كونها توفر الأمان لكل شيء يتعلق بالحياة داخل مصر من خلال 120 محطة رصد إشعاعي في مختلف المحافظات وخلال السنوات الماضية لم يتعرض العاملون لأي ضرر إشعاعي. حق مشروع وطالب الخبراء بتطبيق القانون الخاص بهم والذي يجرم التناول غير العلمي لأخبار الطاقة النووية والذي ظهر مؤخرا في وسائل الإعلام ونتج عنه قلق لدي المواطنين في ظله حالة عدم الاستقرار التي نعيشها. أكد خبراء المفاعلات النووية أن كل ما يتعلق بالأنشطة النووية داخل أنشاص يتم تأمينه آليا ودون تدخل بشري وفي حال حدوث تسريبات سواء للهواء أو المياه فإن المفاعل يعطي إنذارا طبقا لكل مستوي وفي توقيت معين وعند بلوغ الخطأ درجة محددة يفصل من تلقاء نفسه ومخرجات المفاعلات محولة علي أماكن خاصة بها يتم معالجتها في ظروف فنية خاصة مع استحالة خروجها إلي المحيط الخارجي. أشار خبراء المفاعلات النووية إلي أن ما نشهده علي الساحة حاليا من تصريحات متضاربة واختلاف في وجهات النظر العلمية يحدث في كل مكان إلا أنه لا يخرج إلي وسائل الإعلام وما يحدث الآن فإنه نظرا للظروف التي تمر بها البلاد. أوضح الخبراء أن المفاعل الثاني بقدرة 22 ميجا يخضع حاليا لعمليات تشغيل تجريبية وأنه سيعمل بشكل دائم خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة بعد تشغيل المصنع الجديد لإنتاج النظائر المشعة التي يتم استخدامها في علاج الأورام الخبيثة وأمراض القلب وأن قرار التشغيل جاء بعد فحص من الشركة المصنعة لأجهزة الرصد ومعايرتها من قبل خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولجنة من قسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية ولجان أخري من شعبة الأمان النووي وهيئة الطاقة الذرية والتي أكدت جميعها صلاحية الأجهزة وعدم وجود أخطار في حال تشغيل المفاعل وأنه لم يحدث منذ إنشاء المفاعل الأول حدوث أخطاء وأخطار تسببت في وقف التشغيل ذاتيا من قبل المفاعل وأن عنصر الأمان تبلغ تكلفته أضعاف تكلفة المفاعل نظرا لأهميتها وهناك 18 وحدة لقياس الإشعاع تعمل داخل منطقة المفاعلات بأنشاص وهي لم ترصد تغييرا في النسب العلمية المطلوبة. المصنع النهائي قال الخبراء إن دورة الوقود النووي هي أهم شيء في تشغيل المفاعل ويجب حسابها بدقة شديدة للوصول إلي التشغيل الاقتصادي علي مدار العام وتبلغ تكلفة تشغيل المفاعل ما يقرب من 18 مليون دولار سنويا من وقود وخبراء وعمال وغيرها ويعمل 15 يوما فقط خلال الشهر ويتم استغلال باقي الوقت في إعادة شحن الوقود وقياسه وتجهيز المفاعل للعمل مرة أخري وسوف يتم فتح المصنع النظائر نهاية الشهر الجاري بعد انتهاء الاختبارات والحصول علي إذن التشغيل من قبل مجلس هيئة الطاقة الذرية ويتم حاليا التشغيل علي البارد وبدون رفع قدرة الوقود وتتم المراجعة الدورية من قبل لجنة الأمان وبعدها تتم المراجعة والحصول علي الإذن النهائي للتشغيل. وفيما يخص المفاعل الأول «الروسي» فإنه متوقف منذ عام ونصف العام وكانت هناك خطة لإعادة تأهيله لتشغيله بعد فترة التوقف الطويلة ونظرا لأن المنشآت النووية حساسة عند محاولة تكهينها تم استغلال برنامج تعاون مصري - روسي وتم الاتفاق مع إحدي الشركات الروسية «روز آتوم» لإعادة فحص جميع الدوائر الخاصة بالمفاعل وبعد القيام بذلك كان هناك خيارات أما الغلق والتفكيك أو إعادة التشغيل وللوصول إلي ذلك كان يجب تشغيل بعض وحدات المفاعل والذي يسمح بعزل كل وحدة عن الأخري لقياس الحالة الفنية لها وبعد إتمام كل الخطوات والتفتيش عليها داخليا وخارجيا وإثبات الأمان الكامل لها بها في ذلك غرفة «الطرمبات» وقياس المستوي الإشعاعي والذي كان مطابقا للمعايير الداخلية والخارجية وفي ظل التكلفة العالية لإعادة صيانة المفاعل والتي تصل إلي 2 مليون دولار تم التوصل إلي اقتراح تتم دراسته حاليا مع الشركة الروسية ويتعلق بزيادة قدرة المفاعل منها 2 ميجا إلي 5 ميجا ليكون قادرا علي الوفاء بإنتاج النظائر المشعة في ظل زيادة الطلب عليها داخليا وخارجيا. الصندوق الأسود وبعد الحديث طويلا من قبل الجميع حول الأمان النووي واستحالة اختراقه كانت المفاجأة باصطحابنا إلي جسم المفاعل لمشاهدته والتعرف عليه وكانت هذه الخطوة تحتاج إلي زي خاص وأجهزة وقاية مختلفة وتنبيهات أمنية مشددة تتعلق بالمشي واللمس وغيرهما ويحتوي المفاعل علي 38 حزمة وقود من خلال 16 وحدة داخل 5 مربعات بقطر 10سم وطول 50 سم وشمل الحديث عن تصاعد قدرة الوقود بمقدار 5.2 مرة في الثانية الواحدة كما شمل الحديث أنه في حال حدوث أخطاء في الطاقة والتشغيل يتوقف المفاعل ذاتيا وهناك نظام أمان متعدد المراحل بما يسمح لكل منطقة أن تحمي نفسها ويبلغ ارتفاع المياه في المفاعل 6 أمتار تقريبا كما أن هناك 4 أمتار فراغ، ويشمل المفاعل علي ما يشبه الصندوق الأسود داخل الطائرات والذي يقوم بتخزين كل ما يتعلق بالمفاعل منذ تصنيعه وحتي تكهينه ويمكن استخراج كل العمليات التي تمت عليه بما في ذلك عدد ساعات العمل وغيرها ولا يمكن فصل هذا الجزء عن العمل وهو يعد ذاكرة إلكترونية للمفاعل. انتهت الرحلة في الثالثة والنصف عصرا وكان علينا العودة بواسطة الأتوبيس الذي اصطحبنا في رحلة الذهاب والذي أخذنا إلي محطة الوقود لنشاهد ما بها ونتأكد أننا في مقر حكومي مثل هيئات وإدارات الحكومة المختلفة بكل ما فيها من روتين وبيروقراطية وضعف الإمكانيات المادية والمعنوية وهو شاهدناها في كل الأماكن التي سُمح لنا بمشاهدتها.. يجب البحث عن وسيلة لتوفير التمويل اللازم لهذا النشاط الحيوي والإسراع في تطبيق الكادر الخاص للعاملين به وفقا للقانون الجديد للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية وإعادة الكفاءات المهاجرة والالتفاف حول المشروع القومي الخاص باستخدام الطاقة النووية في توليد الكهرباء وبخاصة مشروع الضبعة.