الحالية؟ في عام 2002 قفز حزب العدالة و التنمية ذو الجذور الاسلامية الي السلطة في تركيا العلمانية ، مداعبا لخيال البعض في العالم العربي ، بما يعني ان مستقبل تركيا اسلامي لا محالة وان الخلافة قادمة بعد ان اعلن وفاتها علي يد مؤسس تركيا الحديثة مصطفي كمال اتاتورك. وكلما استطاع حزب العدالة بزعامة رجب طيب اردوغان تثبيت رجاله في مفاصل الدولة العلمانية ، كلما زاد انشراح صدر هؤلاء ، ولا سيما ان الحزب استطاع في عام 2007 الفوز في الانتخابات لمرة جديدة ، وها هو يستعد للفوز في انتخابات يونيو الجاري حسب اغلب استطلاعات الرأي ، بما يذكر بقول المراقبين إن مزاج المنطقة اسلامي .. والسؤال الذي من الممكن ان يفرض نفسه : هل اذا خسر حزب اردوغان الانتخابات البرلمانية بعد اربعة ايام هل يتبدل المزاج في عالمنا العربي عموما وفي مصر خصوصا ونحن سنشهد معارك انتخابية يري البعض ان الاسلاميين هم الاكثر تنظيما فيها. يبدو الامر خاضعا لالتباسات عديدة ، ومن هذه الالتباسات : مدي اسلامية حزب العدالة ..فقياداته كثر اعلانهم عن ان الحزب ليس اسلاميا وانه لا يحارب العلمانية ، وتلك قد تكون ابعد عن الحقيقة او اقرب للمراوغة ، فالحزب ينطلق من جذور اسلامية ومعروف ان قياداته يبدو عليهم التدين ( غير المقصود به الوجه المعهود للكلمة لان لا احد دخل قلوبهم ) ولكن التدين الظاهري مثل ارتداء الحجاب لزوجات القيادات والخطب الدينية لاردوغان قبل ان يصير رئيسا للوزراء ، الي آخره ... واذا اخذنا الشق الاول المتعلق بتصريحات قيادات الحزب بان الحزب ليس علمانيا فإن هذا يعني اختلاف حزب العدالة جملة و تفصيلا عن الاخوان المسلمين في مصر كممثل للتيار الديني ، لان الاخوان يعلنون انهم اسلاميون ويحاربون العلمانية وهو امر معلوم في منهج و فكر الجماعة . اما الشق الثاني مع افتراض التدين الظاهري لدي ساسة حزب العدالة فقد يكون هذا شيئا من التقارب بين حزب العدالة و الاخوان مع بيان فارق الظروف المختلفة التي ينطلق منها الاثنان الآن ، فالعدالة خرجت من بيئة لا ترحم وجود حزب اسلامي منهاجه تدمير بنية الدولة العلمانية ، لذا فهم اسلاميون جدد ، متدينون ويمكن وصفهم بعلمانيين ، ويمكن ايضا القول إنهم يستخدمون مبدأ التقية بقولهم انهم علمانيون لتجنب الاصطدام مع حماة العلمانية في تركيا ..اما الاخوان فالبيئة مختلفة ، نظام مبارك لايساوي حماة العلمانية في تركيا ويقدم الاخوان فزاعة ليبين انه الاوحد الصالح لقيادة مصر ، وبعد مبارك لا يوجد جيش ممكن ان ينقلب علي الاخوان بحجة انه يحمي العلمانية. ويكتب البعض عن الفكرة الخاطئة المروجة من قبل آخرين بأن الاسلام يتناقض مع الديمقراطية ويردون علي ذلك بان التجربة التركية بينت ان الاسلام والديموقراطية لا يختلفان وان علي الاخوان المسلمين الاقتداء بالتجربة التركية ، وقد يكون الامر من المغالطات ، لان حزب العدالة ليس في دولة اسلامية من الاساس لبيان ان الاسلام لا يتناقض والديمقراطية ، بل البيئة العلمانية التي انزرع بها هي التي اوضحت للناظر ان تركيا من افضل الديمقراطيات ، كما ان حزب العدالة اتي والدولة العلمانية اركانها ومفاصلها كائنة ، اما الاخوان اذا وصلوا للحكم فهم يتولون دولة من جديد لذا عليهم ان يوضحوا مدي ايمانهم بالديمقراطية. حزب العدالة و التنمية ملتزم بالنظام العلماني ويحكم في اطار دولة مؤسساتية وديمقراطية تتيح لكل القوي السياسية والمدنية العمل بايجابية. ومن الالتباسات حين التحدث علي استلهام النموذج التركي : القول ان الاداء السياسي و الاقتصادي الرشيق لحزب العدالة يجعل من الضرورة استحضار هذا النموذج ، واستحضاره يكون عن طريق حزب اسلامي يقابل حزب العدالة ، وتتجه البوصلة نحو الاخوان رغم انهم لم يقدموا ما يثبت رشاقتهم حتي الآن. وفي النظام التركي خسارة اي طرف لا تعني اطلاقا ابعاده ، اما الاخوان فيتعاملون بمنطق اقصائي : نحن الاصلح ولا احد غيرنا. و ثمة سؤال هل نحن في حالة نضج سياسي كاف للتوفيق بين اسس الدولة المدنية وحدود الدين؟ مزاج الناخب التركي انضج من مزاج الناخب المصري والسبب ليس اكثر من قدم التجربة التركية عن المصرية ، والمزاج التركي لا يذهب لانتخاب " الدين " ولو اراد لانتخب حزب السعادة عام 2002.