التصالح خطأ في حق المجتمع خرجت علينا الجرائد والمواقع الإخبارية الأسبوع الماضي بأخبار عن العفو عن «مبارك» وطلبه أن يتنازل عن أمواله مقابل ذلك، ثم خبر الإفراج عن السيدة حرمه سوزان ثابت وتنازلها عن 24 مليون جنيه مصري، وتبعها كلام عن هدايا زكريا عزمي والتي لا يعتبرها سرقة، ولأننا مفترض أن نكون في دولة قانون حاولنا اللجوء إلي قانونيين لسؤالهم حول مدي إمكانية تقييم ما يحدث، هل يمكن العفو عن مبارك أو أسرته أو أحد أفراد النظام السابق المتهمين مقابل تنازلهم عن أموالهم التي جموعها بناء علي منصبهم أو بالسرقة، كيف يري القانون «العفو». بداية نتذكر بعض الأحداث الخاصة بهدايا المسئولين في العالم لنجد أن توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق رفض فيلا فاخرة هدية من الرئيس السابق في شرم الشيخ مثلما فعل مع ملوك وأمراء قطر، البحرين، السعودية، وأصر بلير علي دفع تذكرة الطيران لأن مصر للطيران منحته في إحدي المرات التذكرة مجانية، ولأن البرلمان البريطاني مستيقظ فقد وجه لبلير لوما حادا وخوفا من المساءلة القانونية قام بهذا عندما نعلم أن القانون البريطاني ينص علي أن الهدايا التي يحصل عليها المسئولون البريطانيون من رؤساء الدول الزائرين ملك للحكومة وتسمح لهم بالاحتفاظ بأي هدية تقل قيمتها عن 14 جنيها استرلينيا، أو شرائها حسب سعرها في السوق. يقول عصام شيحة عضو الهيئة العليا بحزب الوفد أن «الهدايا» هي إحدي مشكلات القانون المصري والذي لا ينص علي المحاسبة عليها رغم أن النظام العام في مصر لا يسمح للمسئول أن يتربح من منصبه بأي شكل ويعاقب الموظف العام علي الرشوة وهناك قواعد عامة في العالم كله تنص علي إدخال الهدايا ضمن أملاك الدولة، ولكن هذا لا يطبق لدينا ويري شيحة أن قضية زكريا عزمي علي وجه التحديد وأقواله إن ما لديه من ممتلكات هي هدايا من رؤساء الدول والملوك لا يعاقب عليه القانون إلا في حالة إثبات أن هذه الهدايا جاءت مقابل التفريط في حقوق مصر أو تحقيق مصالح لأشخاص وتستطيع جهات التحقيق إثبات ذلك، ويضرب شيحة مثالا بما أشيع عن إهداء بعض الرؤساء والملوك العرب قطع من أراضي سيناء. ويضيف شيحة أن نموذج العفو يتم استيراده من تجربة جنوب أفريقيا في أعقاب الفصل العنصري والاكتفاء بعدم محاكمة المسئولين ولكن في هذه الواقعة يختلف الأمر عن مصر لأن التهم لم توجه لشخص بعينه بل لنظام كامل أما الموقف المصري فهم أشخاص معروفون بذواتهم والتهم واضحة. وحالة الإعفاء تأتي من رئيس الجمهورية وبالتالي في حالة عدم وجوده ستأتي من المجلس العسكري بعد تطبيق المراحل القانونية السابقة، وفي حالة سوزان مبارك يري أن الكسب غير المشروع استند إلي المبدأ «نية المتهم لم تكن الاستيلاء علي المال العام دون وجه حق بل نصيب حساب خاص وعودته للدولة كما هو». وتري د. فوزية عبدالستار - أستاذ القانون الدستوري - أنه لا توجد في القانون علاقة بين رد الأموال التي وقعت عليها الجريمة وصدور عفو لمرتكب الجريمة، وحالات العفو تكون في جرائم بسيطة منصوص عليها في قانون العقوبات، أما في هذه الحالة الآنية هي جرائم جنائية منها استيلاء علي المال العام والإضرار به وهي جرائم لا يجوز فيها التصالح لأنها حق مجتمع نتيجة اعتداء وقع عليه لا يرد بالتعويض بل بالعقوبة. وفيما يخص قضايا الفساد السياسي فلا توجد جريمة بهذا المعني ولكن يمكن وضع جرائم أخري مرتبطة بالمصطلح منها تزوير الانتخابات، استغلال النفوذ وإثبات ذلك. ويتفق معها في الرأي عصام الاسلامبولي الخبير القانوني: أن رد الأموال ليس له علاقة بالعفو، وأن قانون الكسب غير المشروع يجرم زيادة الثروة ويلزم المتهم بتغريمه ضعف المبالغ، والتصالح يأتي فقط في حالة إرشاد الشخص عن نفسه وتهمته قبل بدء التحقيقات، وأشار الاسلامبولي إلي أن خروج سوزان مبارك ليس معناه براءتها أو حفظ القضية لأن في الأصل الحبس الاحتياطي إجراء عادي، ولكن أن يحدث التحقيق معها في مكان أشبه بالمنتجع السياحي!! وأن خروجها في رأيه سيؤثر علي الشهود والتحريات وفيه خطر خاصة فيما يتعلق بأموالها في الخارج وهو ما يعتبره عبثا بأدلة الجريمة ومخالفا للقانون ولذا يتعين علي النيابة استئناف الحكم.