أخرج من روحي الفردية من قبل.. إلي قبر.. وأتذكر أنني أكتب هذا مباشرة بعد أن قلت لا للتعديلات الدستورية التي لا تتحد بتطلعات تلك القوة التي إذا اقتربت منها تكتفي، أو أولئك الرجال الذين كانوا قبل شهرين وبعض الشهر تتصدر ملامحهم لائحة التراث الوطني المذل.. أولئك الرجال الذين أطاحوا علي غير انتظار، ببعض الذين سرقوا لغاية، من الأعوام طفولتنا، وباشروا مع سبق الإصرار تربية إنساننا الداخلي المتخلف، وفتتونا غابة من القبور الطارئة لا أكثر، أو غابة من الحشرات الضارة يحملها الأطلس علي كتفيه في اشمئزاز. وسوف تتابع الثورة من الماء إلي الماء اتساعها بالتأكيد، وسوف يرغمونهم أن يديروا للأمر السهل ظهورهم صاغرين، لا يراودني شك في ذلك، وأتذكر أنني كنت أظننا قد اتحدنا بالرسوخ الانفعالي من الماء إلي الماء وأكثر، وألفنا تلك التسريحة الوطنية المرتبكة وانتهي الأمر، وأن الظلام قد وقع امتداده من الماء إلي الماء ورحل، ومن الجيد أن الأمر كان علي غير ما ظننت وظن الكثيرون مثلي. أيا كان الأمر فقد خسرت تونس الكثيرين جدا من المشبوهين لا أكثر، وخسرت مصر المزيد منهم، وسوف يتابع سقوط العثمانيين من الماء إلي الماء اتساعه بالتأكيد، وكان الكثيرون.. الكثيرون جدا من المؤرخين قد سقطوا في خطأ فادح، فقد ظنوا أن الخلافة العثمانية قد غرقت في البوسفور بعد الانتصار المدبر، أو هزيمة الحلفاء طواعية أمام خالد الترك، وهي لا شك قد سقطت في مركزها، ولكن ثقافتها بقيت حية في أطرافها، أو مستعمراتها علي وجه الدقة، تنبض بالتخلف والجهل، وبقي انكشاريوها ينبضون بالقسوة والقهر. فقط كل ما طرأ أن الخليفة الواحد قد تمزق إلي سلة من الخلفاء الذين يباشرون تربية الخلفاء المؤجلين حول نار المواقد الأسرية المقدسة، ويباشر المحتسبون تربية المحتسبين المؤجلين حول نار المواقد الدينية المقدسة، وكان لابد أن يكون والحال هكذا حطب الأحلام الأهلية الجاف للنارين خبزا، وليس علي خبز النارين بأس، فثمة أمل وإن استقر اليأس لكني أخاف أن تكون نعم للتعديلات الدستورية قد انحازت إلي جانب الذين يربون بالعصي أعماق القطيع، إن الانطباع إذن هو الإيمان بالثورة كطريق، للإطاحة بنظام ديكتاتوري لا أكثر، وأن الانطباع إذن هو الإيمان المطلق بالإطار كصفقة تمت بين المجلس العسكري والخائفين من الدولة المدنية، والمادة الثانية من الدستور علي وجه الدقة، لقد فشلت الثورة إذن بالتأكيد، فلن تتم الثورة دوائرها إلا بإقامة دولة مدنية تباشر تربية المواطن في المواطن لا تربية المؤمن فيه. ويجد كل مواطن بها حيزا يجترح من خلاله استبصاراته، ويقدم مشروعه، ويعكس انزعاجاته الداخلية دون رقابة من أحد، دولة يكون دينها ومصدر تشريعها الحب. لا نريد وطنا يربي المؤمن قبل المواطن، مودتي والعطر.