متحدث الزمالك: شيكابالا أسطورة الزملكاوية.. وهناك لاعب يهاجمه في البرامج أكثر مما يلعب    نائب رئيس جامعة الزقازيق يتفقد سير الامتحانات بكلية التربية الرياضية بنات    وزير التعليم العالي يترأس اجتماع المجلس الأعلى للتعليم التكنولوجي    بدء تسليم وحدات " بيت الوطن " بمشروع جنة بدمياط الجديدة الأحد المقبل    بدء أعمال الجلسة العامة لمجلس النواب    توريد 340 ألف طن قمح لمراكز التجميع في المنيا منذ بدء الموسم    رئيس «خطة النواب»: تحويل الدعم العيني إلى نقدي يحتاج حوارًا واسعًا ودراسة جدوى    وزير الإسكان يتابع موقف التعاون مع الاتحاد الأوروبي فيما يخص الاستخدام الآمن لمياه الصرف الصحي والصناعي المعالجة    تداول 15 ألف طن و736 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    أستاذ علاقات دولية: مصر دائما تعمل على وقف النزيف والمعاناة للشعب الفلسطيني    انتقادات أيرلندية وأمريكية لاذعة لنتنياهو.. «يستحق أن يحترق في الجحيم»    أضرار مادية كبيرة وإصابة شخص بقصف إسرائيلي على سوق مدينة بنت جبيل جنوب لبنان    كوريا الجنوبية: سول سترد بهدوء على سلسلة التحركات العدائية الأخيرة للشمال    أمر أميري في الكويت بتعيين الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح وليا للعهد    «إكسترا نيوز» تبرز تقرير «الوطن».. «تحذير من استمرار الأزمة في رفح الفلسطينية»    وزير الخارجية يتوجه إلى إسبانيا للتشاور حول مستجدات القضية الفلسطينية    حزب الله يشن هجوما جويا بسرب من المسيرات الانقضاضية على مقر كتيبة إسرائيلية في الجولان    محافظ مطروح يهنئ الإعلاميين بعيدهم ال90    بقاء الأسطورة.. الأنباء السارة تتوالى على جماهير ريال مدريد    الوديات تجهز الزمالك لعودة الدوري    عاجل بالأسماء.. شلبي يكشف رحيل 5 لاعبين من الأهلي    محامي الشيبي: عقوبة اتحاد الكرة استفزت موكلي.. وتم إخفاء قرار الانضباط    عاجل - الآن نتيجة الشهادة الإعدادية محافظة كفر الشيخ 2024 الترم الثاني بالاسم ورقم الجلوس عبر بوابة الفجر.. اعرف نتيجتك دلوقتي حالا    للنطق بالحكم.. تأجيل محاكمة إنجي حمادة وكروان مشاكل إلى جلسة 22 يونيو    ضبط شخص بالقاهرة بحوزته عدد من الأسلحة والذخائر غير مرخصة    10 يونيو.. معارضة بطل مسلسل "حضرة المتهم أبي" على حكم حبسه    ضربات أمنية مستمرة لضبط مرتكبى جرائم الاتجار غير المشروع بالنقد الأجنبى    التحقيق في واقعة العثور على رضيع داخل كيس بلاستيك ببولاق الدكرور    الأربعاء.. ندوة لمناقشة رواية "صيد الذئاب" بنقابة الصحفيين    البابا تواضروس يستقبل قيادات الشركة المتحدة تزامنا مع عرض فيلم أم الدنيا في الكاتدرائية    ل برج الجوزاء والعقرب والسرطان.. من أكثرهم تعاسة في الزواج 2024؟    دعاء دخول مكة المكرمة.. اللهم أَمِّني من عذابك يوم تبعث عبادك    مفتي الجمهورية: يجوز للمقيمين في الخارج ذبح الأضحية داخل مصر بل هو مستحب    قبل عيد الأضحى 2024.. أيهما أفضل الأضحية أم الصدقة؟ (الإفتاء توضح)    غرفة الرعاية الصحية باتحاد الصناعات: نتعاون مع القطاع الخاص لصياغة قانون المنشآت الجديدة    "صحة الإسماعيلية": بدء تشغيل قسم الحضانات بمستشفى حميات التل الكبير    تحرير 139 محضرا للمحلات المخالفة لقرار الغلق خلال 24 ساعة    الاستماع لأقوال عامل سقط من الطابق الرابع بعد تشاجره مع شخصين بأكتوبر    العليا للحج والعمرة: انتظام أعمال تفويج حجاج السياحة وتكاتف لإنجاح الموسم    مى عز الدين تطلب من جمهورها الدعاء لوالدتها بالشفاء العاجل    طريقة عمل الكيكة الباردة بدون فرن في خطوات سريعة.. «أفضل حل بالصيف»    ما هي محظورات الحج المتعلقة بالنساء والرجال؟.. أبرزها «ارتداء النقاب»    «الإفتاء» توضح حكم التصوير أثناء الحج والعمرة.. مشروط    لتحسين أداء الطلاب.. ماذا قال وزير التعليم عن الثانوية العامة الجديدة؟    وزير الري يؤكد عمق العلاقات المصرية التنزانية على الأصعدة كافة    إضافة 3 مواد جدد.. كيف سيتم تطوير المرحلة الإعدادية؟    «أوقاف شمال سيناء» تنظم ندوة «أسئلة مفتوحة عن مناسك الحج والعمرة» بالعريش    ورشة حكي «رحلة العائلة المقدسة» ومحطات الأنبياء في مصر بالمتحف القومي للحضارة.. الثلاثاء    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 2 يونيو 2024    «خبرة كبيرة جدًا».. عمرو السولية: الأهلي يحتاج التعاقد مع هذا اللاعب    عمرو أدهم يكشف آخر تطورات قضايا "بوطيب وساسي وباتشيكو".. وموقف الزمالك من إيقاف القيد    الصحة تكشف حقيقة رفع الدعم عن المستشفيات الحكومية    17 جمعية عربية تعلن انضمامها لاتحاد القبائل وتأييدها لموقف القيادة السياسية الرافض للتهجير    «أبوريدة الوحيد اللي منزلش قدامه».. أحمد مجاهد يكشف موقفه من انتخابات اتحاد الكرة    بعد حديث «حجازي» عن ملامح تطوير الثانوية العامة الجديدة.. المميزات والعيوب؟    قصواء الخلالى ترد على تصريحات وزير التموين: "محدش بقى عنده بط ووز يأكله عيش"    من شوارع هولندا.. أحمد حلمي يدعم القضية الفلسطينية على طريقته الخاصة (صور)    السفير نبيل فهمى: حرب أكتوبر كانت ورقة ضغط على إسرائيل أجبرتهم على التفاوض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول انتفاضات الأگثرية الصامتة في مصر وتونس .. في ليبيا والعراق واليمن
نشر في الأهالي يوم 17 - 03 - 2011

تثير الحركات الاحتجاجية في أنحاء مختلفة من العراق، تساؤلات تبدو متناقضة، من حيث مضامينها ومنطلقاتها. فالمظاهرات المعبرة عن هذه الحركات، تستقطب شرائح وفئات من الأوساط الأكثر تضررا في المجتمع، وهم الفقراء المعدمون، والمهمشون من العاطلين وضحايا الحروب والإرهاب، بالإضافة إلي المثقفين المغيبين عن المشهد السياسي ومراكز القرار، والشبيبة من الخريجين والمتعلمين، وهم يشكلون أكثرية عمرية في المجتمع العراقي، وأبناء الشهداء والأرامل.. الملفت أن أوساطا واسعة من بقايا وأشباه الطبقة الوسطي يشكلون شريحة فاعلة في هذه الحركات الاحتجاجية المتنامية.
ومن لا يعرف، فأن هؤلاء، مجتمعين، يمثلون الجزء الفاعل من الأكثرية "الصامتة" التي تبدو في مراحل "السكون القسري" لا مبالية، ومطواعة، يشلها العجز والقهر.
هذا ما تتسم به أيضا قاعدة الحركات الاحتجاجية "الثورية" التي اجتاحت كلا من تونس ومصر، وتزحف بقوة "تسونامي" نحو أقطار عربية أخري، انتهكت كرامتها ونهبت ثرواتها أنظمة الاستبداد العربي الشمولي، كما هو الحال في ليبيا العقيد، ويمن العقيد الآخر عبد الله صالح، وغيرهما من البلدان المرشحة التي "تكمن" قواها، لتستكمل "تحفزها" وانطلاقتها المباركة.
وإذا كان لمصر تميزها من حيث ظروف نمو ونضوج الحركة الجماهيرية فيها، في ظل انفتاح نسبي "تخديري" لاحتواء المعارضة، فإن تونس شكلت "نموذجاً" لطمر الحركة السياسية المعارضة، عبر "شكلانية ديمقراطية" مموهة بتدابير "تحديثية" تنطوي علي قمع مستور منظم لتفكيك اطر الحركة السياسية الديمقراطية.
غير أن الأوضاع في كل من ليبيا العقيد القذافي، ويمن العقيد صالح شديدة الشبه بعراق صدام، وليس هذا التشابه مجرد استقراء شكلي، فقد أبدي علي عبدالله صالح في أكثر من مرة إعجابه بمستبد العراق، وعمل جاهدا لاستنساخ تجربته الشخصية في الحكم، واستعان به في التوحيد القسري لليمنيين وبقوته الجوية، ولم يتردد بعد سقوطه من احتضان عناصره القيادية وكوادر حزبه وبعض عناصر مخابراته وأجهزته القمعية التي من الممكن أن يستفيد من خبراتها في قمع الانتفاضات.
ويكفي العقيد القذافي دفاعه المتهالك عن صدام حسين، ومحاولته "النبوئية" ترويع الملوك والقادة العرب في مؤتمر القمة الذي أعقب إعدامه، بأن مصيرهم سيكون مثل مصير طاغية بغداد، إن هم لم يتخذوا الموقف المناسب ضد النظام الجديد في العراق. كما انه انفرد بلا حياء في العمل علي إقامة نصب تذكاري للطاغية في أهم ساحات طرابلس، غير عابئ بأوسخ الصفات التي كان يلصقها به صدام طيلة مدة الحرب مع إيران.. لقد وضع النصب ربما ليتذكر هو شخصيا ما ينتظره من مصير، إذا لم يشدد من قبضته علي الشعب الليبي الأسير.. وتشير أنباء الأمس انه يستفيد فعلا من الخبرة الدموية لسلفه صدام، حيث تتحدث التقارير عن استخدام المدفعية الثقيلة ورشاشات الطائرات العمودية ضد محتجي بنغازي.
لقد تفنن السادات ثم مبارك بخطوات متدرجة في إعادة صياغة المعارضة رسميا "وتهجينها".
واستكمل علي زين العابدين ما أسس له بورقيبة من عوامل "تغييب" المعارضة وتهجيرها بوسائل "حداثية".
وعمل علي عبد الله صالح علي استدراج المعارضة "وتكييفها" في إطار "ديمقراطيته العشائرية" و "خدعة" الوحدة اليمنية التي سرعان ما اكتشف أبناء الجنوب أنها مجرد "احتلال اخوي".
أما صاحب الجماهيرية "الاشتراكية" العظمي والكتاب الأخضر المتهافت، وهو بالمناسبة الدستور الفعلي لليبيا، بل لعشيرته من حكام أفارقة وأحزاب وشخصيات عربية وآسيويين ممن يتلقطون أرزاقهم من العقيد، فلم يتوان عن "تخوين التحزب"، وهذا بحد ذاته يكفي لتصفية أي تحرك يجمع أكثر من بضعة أشخاص.
لكن المفارقة المثيرة التي غابت عن هؤلاء الحكام، وآمل ألا تغيب عن قادة العراق الجديد، أنهم "أهملوا"، بل لم يخطر ببال احد منهم، بسبب قصورهم السياسي، أن القوي الكامنة في المجتمع، "تنام" علي ضيمها وتكظم غيظها بعض الوقت، لكنها يستحيل أن تقبل الموت جوعاً، وامتهانا للكرامة، ومصادرة الإرادة "إلي الأبد" كما يحلو للمستبدين أن يحلموا بخلود سلطانهم وتوريثه للأبناء والأحفاد.
ولخيبتهم أيضا وبسبب الأفق المحدود لهم ولمنظريهم، ظلوا يواجهون "العولمة" من موقع الجاهلية التي رمزت لها بعران كسر الانتفاضة الثورية في ساحة التحرير.
ظل هؤلاء الحكام وغيرهم لا يرون في العولمة "الموضوعية" في تطورها التاريخي، غير طابعها العسكري في جانب منها، حيث تتسيد الولايات المتحدة والقطبية الواحدية، وتهيمن علي العالم ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وبلدان أوروبا الشرقية"الاشتراكية".
تجاهل هؤلاء، مثلما نتجاهل "نحن" هنا، المنجزات العظيمة لهذه العولمة، وهي نتاج ابتكار البشرية كلها، وليس كما يدعي القومانيون ودعاة الإسلام السياسي المتخلف بوصفها "نتاجا غربيا"، يصدر لعالمنا، بهدف انتزاع هويتنا وخصوصيتنا، وكما لو أن الدكتاتوريات والاستبداد لم تدمرها.
فاكتشافات الإنسانية العظيمة من وسائل اتصال، ومعلوماتية وشبكتها العنكبوتية، وفرت للأجيال الطالعة مصادر العلم والمعرفة والمتابعة اليومية للرقابة علي الحكام والسلطات، كما وفرت لها وسيلة التواصل والتفاعل في ما بينهم بعيدا عن أعين الرقباء والسلطة.
وتوفر هذه الوسائل مصادر التعرف علي المستور في حياة أدعياء الورع والتقوي الذين يسرقون المال العام، ويواصلون تعدياتهم علي حريات المواطنين وكراماتهم، كما توفر فرصة الإطلاع علي "المستور" من سلوكهم الحقيقي.
التناقض في الحركات الاحتجاجية، أنها تبدو في جانبها الأبرز مظهر معافاة ووثوب ويقظة، "ونواة" بلورة حركة ديمقراطية غيبها الاستبداد طوال عقود عن الفعل المقرر في الحياة السياسية، ولكنها من الجانب الآخر المحتمل، مجال لقوي مضادة، أسهمت ظروف التجهيل والقهر في تخليقها وتغييب ما سواها، وهي قوي تنوي إجهاض هذه الحركة وتضييق أفق تطورها الموضوعي.
لكن هذا التناقض، لا يمكن أن يشكل تهديدا للحركة أو انتقاصا من شأنها، لما تنطوي عليه قواها الحية والفاعلة من وعي عميق بحكم رصيد تجربتها التاريخية، وبقوة استشرافها للأثر الايجابي لتكريس النظام الديمقراطي بثوابته الأساسية علي مستقبلها.
إن هذه "الأكثرية الصامتة" التي انطلقت تحت ضغوط الحرمان والعوز وغياب الخدمات والتضييق علي الحريات، تنتظر الرعاية والاحتضان، لأنها قد تشكل قاعدة تطور التجربة الديمقراطية في البلاد.
إن المتخوفين من حركات الاحتجاج والملوحين لها بتهم الوصاية عليها من "الخارج" والمتطيرين من أمثولتها في التحدي من أجل الحق، نسوا في حمي الفساد المستشري وما يرفقها، قولة الإمام العظيم علي بن طالب:
"إذا ذهب الفقر إلي بلد، قال له الكفر خذني معك!".
وقولة الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري:
"عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، لا يخرج إلي الناس شاهراً سيفه".. وقد تكون الناس ليست بحاجة الآن إلي سيف قدر ما هي تحتاج اليوم إلي صيحات احتجاج..
فيا لها من مقاربة وتوصيف !!
في ظل العولمة لم يعد بالإمكان حجب الحقيقة، أو فبركة الوقائع دون مصدات.
إن العولمة بطابعها الموضوعي، بوصفها لحظة تحول،"للتراكم الكمي المعرفي إلي تحول كيفي"، حملت معها تناقضات هذه الظاهرة التاريخية الموضوعية. حيث نفذت البشرية بهذا التحول إلي قلب العمليات الكيمياوية المعقدة من خلال الفمتوثانية، وتعرفت علي أسرار الأكوان السحيقة العمق، والتعرف علي آليات تحول ((الهباءة)) إلي تمدد ابدي لها.
ومع تحرك هذا التناقض بين الأجسام فائقة الصغر، والأكوان العظيمة الحجوم، أنتج هذا التناقض قطبيه المتعارضين، التسّيد والهيمنة العسكرية الامريكية علي العالم ونقيضها، التحرر من كل تسّيد مضاد لتشوّفها الانساني.
فالقرية الكونية التي أعادت صياغة العالم من حيث المسافات والحدود، أو من حيث الأنظمة والقيم، أتاحت للناس دون استثناء سوي التمكن الفردي، غني المعرفة الموسوعية، ومعايير التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وشروط الحياة الإنسانية.
ومع تحول العالم، إلي قرية كونية، تركزت الثروة البشرية في أيدي حفنة من العوائل والبلدان، وانقسم العالم إلي دول فقيرة ودول غنية، وشعوب تعاني تخمة وأخري تموت من الفقر والمجاعة والأوبئة. كما انقسمت البلدان الفقيرة نفسها إلي فاحشي الغني المرتبطين بزواج كاثوليكي مع السلطة، والمعدمين حد التقاط الفضلات، والعيش في المقابر وبيوت الصفيح والموت جوعا ومرضا.
لكن العولمة ارتبطت في جانب خطير من نتائجها، بضياع الأمل!
إذ لم تتكرس وتهيمن إلا اقترانا بانهيار الأنظمة "الاشتراكية" في العالم والحركات الاجتماعية والسياسية الكبري في العالم الثالث .
فمرحلة العولمة شهدت انهيار" التجارب الاشتراكية" وان لم تكن (هذه التجارب تجسد قيمها وتعبر عن قوانينها وآلياتها، لكنها كانت توحي بأمل التغيير) كما دشنت المرحلة فشل الأحزاب والحركات الكبري في العالم العربي وتراجعها أمام هجوم الحركات السلفية والظلامية ، فلم تعد الأحزاب الشيوعية والقومية بمختلف أجنحتها تلعب تلك الأدوار الريادية التي كانت قد قامت بها حتي مشارف التسعينيات من القرن الماضي .. وذلك مع الإقرار بأن القمع وشمولية الأنظمة وطابعها البوليسي كان وراء هذا التراجع نسبيا، لكن العامل الأساس ظل مرتبطا بجمود هذه الأحزاب والحركات، وضعف قدرتها علي التقاط نبض الشارع وتخلفها عن دراسة الظاهرات الاجتماعية والاقتصادية الجديدة وعدم انبرائها لصياغة الأساليب والأدوات التي تتطلبها هذه الظاهرات للارتقاء إلي مستوي التحديات الجديدة ومهامها الملموسة ومدي استعداد القطاعات الشعبية للتفاعل معها.. وهذا كله ضيق فسحة الأمل ، وحول اللا مبالاة والانكفاء الي ظاهرة سياسية.
كما لعب انتقال أحزاب "قومانية" وقوي برجوازية عسكرية صغيرة الي السلطة وتبنيها لبرامج وشعارات"تقدمية" او "اشتراكية" ملفقة دورا في خلط الأوراق والعبث بأفكار ومفاهيم الأوساط الشعبية ودفعها إلي حافة اليأس مع ما عمدت اليه هذه الأنظمة من أساليب بطش وتصفيات سياسية وانفراد في الحكم وتوريث له ونهب وسلب لثروات البلاد باسم " الثورة " مما كان لذلك ابلغ الأثر في تكريس الانتكاسات التي حلت في سائر البلدان العربية .
إن انغلاق أفق التغيير أمام الكتل الاجتماعية الكبري في البلدان العربية، ويأسها من "جنة الأرض" فتح الأبواب علي مصاريعها أمام شتي الحركات والدعوات التي عملت علي صرف أنظار الناس نحو قوي وجهات لا علاقة لها بظروف الواقع الاجتماعي والسياسي التي كانت ولا تزال السبب المباشر لما تعاني منه الجماهير من بؤس وشقاء وتردٍ وهو ما مكّن المتسلطين من المزيد من النهب والفساد والتسلط وسلب الحقوق والحريات بوتائر لم تشهدها بلداننا ، قبل حقبة انتقال السلطة "إلي النخب الثورية" العسكرية وواجهاتها المدنية، والأمثلة البارزة في هذا السياق يرمز لها عراق صدام حسين وليبيا ويمن العقيدين القذافي و صالح وتونس زين العابدين ومصر حسني مبارك وغيرها من أنظمة تراقب "تسونامي" كما لو انها غير معنية بما يجري او انها لا تدرك انه سيواصل التقدم زاحفا اليها .
لقد أدت هذه التراجعات إلي فراغ سياسي وأفقرت البلدان العربية من قيادات وأحزاب ، كانت تحمل الأمل في التغيير خصوصا مع مراوحة الأحزاب التغييرية في حدود نخبها وأطرها دون أن تستطيع ببرامجها ووسائلها وأدواتها وأساليب عملها من الفعل والتأثير في ظل ظروف متغيرة تتطلب حركات جماهيرية مليونية ناهضة .
إن هذا التوصيف السلبي، لا يعني التقليل من شأن هذه الحركات والأحزاب ودورها التاريخي في نشر الوعي السياسي والاجتماعي والاحتجاجي، برغم أنها ظلت أسيرة ضيق أفق في اكتشاف الجديد المتوثب.
وأمام هذه القوي اليوم فرصة المبادرة بالانخراط في هذه الحركة، والعودة إلي منطلقاتها المحركة ، تفكيرا وبحثاً واستقصاء في عمق الظاهرات الاجتماعية الجديدة مما يمكنها من التحول الي طرف فاعل في ما يجري اليوم من نهوض وتوثب "الأكثرية الصامتة".
لكن مثل هذا التحول يتطلب قدرا من الجرأة وتجاوز الذات ودرجة عالية من الشجاعة الفكرية والسياسية .
هذه هي المقدمات الموضوعية للظاهرة الاجتماعية والثورية العاصفة.
رئيس تحرير صحيفة «المدي» العراقية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.