تغيرت صورة مصر في العالم الذي تابع طوال 18 يوما المظاهرات والاعتصامات المليونية في ميدان التحرير، و الميادين الكبري كافة في كل المحافظات، كانت توقعات وكالات الأبناء ومحطات التليفزيون العملاقة وكبار المحللين والمعلقين في أوروبا والولاياتالمتحدة وإسرائيل واليابان وكندا علي وجه الخصوص تدور حول الانتهاء الانتفاضة في الأيام الأولي، ولكن الانتفاضة استمرت حتي تحولت إلي ثورة حقيقية أجبرت العالم كله علي أن يشاهد تفاصيل ووقائع أول ثورة في التاريخ علي الهواء مباشرة، حيث أصبحت التغطيات مستمرة ودون انقطاع، وأرسلت وكالات الأنباء ومحطات التليفزيون والإذاعة والصحف كبار مراسليها إلي القاهرة لمتابعة أنباء الثورة، وصمد هؤلاء رغم تعرض عدد كبير منهم للاعتداءات والمطاردات التي وصلت إلي الاعتداء عليهم في الفنادق الكبري التي كانوا يرسلون من داخلها رسائلهم، ونجحت عصابات الأمن المستعينة بالبلطجية في الوصول إلي بعض المراسلين والصحفيين إلي داخل غرفهم، ولم يتم إنقاذهم إلا بعد إرسالهم رسائل الاستغاثة إلي دولهم التي اتصلت بالرئاسة - أيامها - فتدخل الجيش لإنقاذهم، ورغم ذلك فإن الإعلام الدولي تابع الثورة المصرية أولا بأول وبحرفية ومهنية شديدة، وهو ما جعل الملايين من المصريين يتابعون أخبار وصور ثورتهم علي الفضائيات العربية الدولية، فيما سقط الإعلام المصري تليفزيون وصحافة سقوطا مدويا واستحق التليفزيون لقب «الكذب الحصري علي التليفزيون المصري» فيما بدأ رؤساء تحرير وكتاب في الصحف القومية يحاولون تغيير لهجتهم وولائهم المطلق من خدمة النظام الذي سقط بتملق الجيش والشباب. فريدمان: أعظم ثورة في التاريخ الكاتب الأمريكي الشهير «توماس فريدمان» الذي تنشر مقالاته في أهم صحف العالم بالمشاركة مع «النيويورك تايمز» جاء إلي القاهرة وأمضي أيام الثورة كاملة في ميدان التحريرو قال إنه لم ير طوال 40 عاما من الكتابة حول الشرق الأوسط ما رآه في ميدان التحرير الذي حوله المصرييون إلي ساحة للحرية الحقيقية بأياديهم وليس بيد جيش أجنبي «مشيرا إلي ما حدث في العراق». وأضاف فريدمان أن ما سمعه في الميدان من الشباب تركز حول الآمال المكبوتة والطموحات التي لم تتحقق والإحباط الذي هيمن علي المصريين طيلة الخمسين عاما المنصرمة «منذ انتهاء حرب أكتوبر». ويضيف فريدمان: أن الخبراء والمحللين السياسيين لم يستمعوا قط لمثل هذه الأصوات التي يسمعوها الآن، فهو صوت شعبي لطالما كان بلا صدي، ووجد أخيرا طريقه إلي النور واستشهد بتعليق المهندس حسام خلف الذي قال: «لدينا رسالة من ثورة تونس مفادها لا تحرق نفسك.. ولكن احرق الخوف المتأجج داخلك، وهذا ما حدث هنا، فالمجتمع المصري كان منغمسا في الخوف، ولكن هذا الخوف احترق»، مضيفا «أنه جاء إلي الميدان مع زوجته وابنته لسبب واحد وهو عندما نقابل الله علي الأقل سنقول لقد حاولنا فعل شيء». ويقول فريدمان «إن ما يحدث ليس حدثا دينيا، وجماعة الإخوان المسلمين لا تملك اليد العليا في أي من هذا، فهذا حدث مصري بكل المقاييس، وهنا تكمن نقاط ضعفه ونقاط قوته، فهذه فتاة علمانية ثرية تجلس بجانب سيدة ترتدي الحجاب، وهذا أب يحمل ابنه الذي يرفع لافتة مكتوب عليها «ارحل» وما يوحدهم جميعا هو رغبتهم القوية في صنع مستقبلهم الجديد». ويؤكد فريدمان أن الثورة المصرية ستحدث زلازلا في الشرق الأوسط وخاصة الدول العربية حيث تشوه الحقيقة وتكتم الحريات تحت وطأة النفط والاستبداد والظلام الديني. ثورة أبناء الأغنياء أيضا صحيفة الجارديان البريطانية نشرت تقريرا مطولا لمراسلها في القاهرة «جاك شينكر» الذي كتب يقول إن أبناء الطبقات الغنية في القاهرةالجديدة والمدن الأخري الفاخرة كانوا في قلب المظاهرات، فهم مثل بقية الشباب يشعرون بالإحباط نفسه من غياب الحرية، ويريدون إنهاء سطوة وظلم الشرطة والأهم تشكيل مستقبلهم» وأصبح وائل غنيم المدير التنفيذي ل «جوجل» في الشرق الأوسط رمزا لهذا الجيل من الشباب، ثوار الإنترنت ونشرت مئات الصحف ومحطات التليفزيون صوره وكلماته البسيطة المعبرة عن حقيقة ما حدث «لم تقم سوي بالكتاب علي لوحة المفاتيح «الكي بورد» وحتي هذا لم يسبب لنا أي ألم». وحدة إنترنت في الجيش الإسرائيلي وفي إسرائيل بدا أن هناك استيعابا سريعا لما يحدث في مصر ومن قدرة شباب الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي علي إحداث الثورة، فتم تأسيس وحدة إلكترونية في الجيش الإسرائيلي لمتابعة كل ما يتم علي تلك الشبكات بل والتفاعل معها وبميزانية 500 مليون شيكل و200 مجند من الخبراء في المجالات الإلكترونية، ونشرت «هآرتس» علي لسان رئيس المخابرات الإسرائيلي قوله: «إن كاميرات «الموبايل» أصبحت أكثر فاعلية من الجواسيس الذين نزرعهم في الخارج». الإخوان يحاولون ركوب الثورة صحيفة الواشنطن بوست اهتمت بمتابعة نشاطات الإخوان علي الساحة السياسية وفي ميدان التحرير بالذات، وذكرت أن «الجماعة استغلت الثورة من أجل تأمين حقها في المشاركة في المشهد السياسي بشكل شرعي، ومن الممكن أن تصبح أكبر كتلة سياسية في البرلمان إذا ما أجريت الانتخابات الجديدة». «ورغم أن الجماعة ليست القوة الدافعة وراء المظاهرات التي بدأت في 15 يناير وأصبحت انتفاضة شعبية، إلا أنها لم تهدر وقتا في وضع أسس العودة للحياة السياسية، وأن هذا التطور يقلق بشدة الليبراليين والعلمانيين». روبرت فيسك: رحيل طاغية ونشوة شعب صحيفة الإندبندنت البريطانية تحت عنوان «خروج الطاغية ونشوة الشعب» نشرت مقالا للكاتب روبرت فيسك الذي لا يقل معرفة ودراية بالشرق الأوسط عن فريدمان يقول فيه «فجأة انفجر الجميع بالغناء والضحك والبكاء وفجأة ركع الآلاف علي الأرض وبدأوا بتقبيلها، شكرا لله علي تخليصهم من حسني مبارك ثم عادوا للرقص والهتاف والغناء وكأننا في عرس، وكأن كل رجل وامرأة أمامي تزوج لتوه، وسيعرف هذا الحدث في التاريخ باسم «ثورة 25 يناير» وهو اليوم الذي اندلعت فيه الثورة فقد رحل الرجل العجوز ولم يسلم السلطة لنائبه وإنما للجيش». ويضيف فيسك: العرب الذين تعرضوا للاضطهاد والتمييز من جانب الغرب، ويعاملهم الإسرائيليون كمتخلفين وجهلاء، هبوا ونفضوا عنهم الخوف وطردوا الرجل الذي يحبه الغرب، ويعتبرونه زعيما معتدلا، نعم ليست شعوب أوروبا الشرقية وحدها القادرة علي مواجهة الوحشية وتحديها». إسقاط الديكتاتورية في 30 ثانية وقالت صحيفة الجارديان في افتتاحيتها تحت عنوان «عالم عربي جديد وشجاع» إن الديكتاتورية التي عاشت 30 عاما سقطت في 30 ثانية فقط، وهو الوقت الذي استغرقه عمر سليمان في إعلان تنحي مبارك عن الحكم، بعد 18 يوما من الاحتجاجات المتواصلة قام خلالها الشباب بكل ما يلزم لإسقاط نظام كان يلفظ أنفاسه الأخيرة بقطع الإنترنت وإطلاق النار علي المتظاهرين وقتلهم في الشوارع. وتمضي الصحيفة قائلة: لقد استطاعت مصر ترسيخ صورتها كقائدة للعالم العربي وتأكيد صورة الشعب المصري في القيام بثورة رشحت صورته الأخلاقية والحضارية، حيث نفذ الثورة أشخاص عاديون يطالبون بعناد غير عادي بحقوق أساسية أهمها الانتخابات الحرة وتشكيل أحزاب سياسية حقيقية وقوات شرطة تلتزم بسيادة القانون ولا تفوضها كما أظهر المصريون معا أنهم إذا كان بامكانهم قهر الخوف وقهر عتاة الديكتاتوريين، فإن ذلك لن يمر مرور الكرام علي بقية جميع الحكام الديكتاتوريين في العالم العربي وخارجه. أمريكا لا تملك بدائل أفضل صحيفة «النيويورك تايمز» ذكرت «أن واشنطن لطالما اعتمدت علي نظام مبارك لإجراء التغييرات من أجل إنقاذ هذا النظام، وأن واشنطن حاولت جاهدة تحقيق التوازن بين دعمها لبعض المطامح الرئيسية للتغيير في مصر وخوفها من اختطاف الحركة المنادية بإحلال الديمقراطية «لحساب الإخوان» ونتيجة ذلك ظهرت الولاياتالمتحدة وكأنها تفضل الاستقرار علي حساب المبادئ الديمقراطية، كما تفضل التغيير السلمي والتدريجي علي يد المسئولين المصريين مثل عمر سليمان الذين لديهم أسبابهم في إبطاء العملية». الدور علي الخليج صحيفة «الفايننشيال تايمز» البريطانية توقفت عند الفزع الذي ينتاب حكام الخليج وخاصة السعودية من انتقال الثورة إليها، وأشارت إلي أنه وللمرة الأولي قام حاكم مدينة مكة الأمير خالد الفيصل باطلاع عدد من السعوديين من المدونين والنشطاء علي الجهود التي تبذلها الحكومة للتعامل مع الفيضانات في مدينة جدة، والتي كشفت عيوبا كبيرة في البنية التحتية مما أثار اتهامات بالفساد. جهود الأمير خالد غير العادية للوصول إلي شباب المملكة العربية السعودية تعكس قلقا عميقا مثل غيره من البلدان العربية يتزامن مع موجة الغضب غير المسبوقة التي تجتاح قلوب شباب العرب ضد المؤسسات الحاكمة، ونقلت الصحيفة مخاوف الدول الغربية بشأن مصير السعودية أكبر دولة مصدرة للنفط ومحور سياسات الدول الغربية في المنطقة. أم الدنيا أما ما نشر في العالم العربي فطوفان من التهليل والترحيب والتأييد والفرح كأن ما حدث في أم الدنيا كما جاء في صدر صحيفة القبس قد حدث بالفعل في كل بلد عربي، فكل الكتابات والتعليقات توظف الثورة المصرية لإرسال رسائل واضحة لا تخطئها عين لحكام الدول العربية وأنظمتها لاستخلاص الدروس الملائمة، وخاصة أن هتاف «الشعب يريد إسقاط النظام» أصبح شعارا عربيا خالصا امتد بالفعل إلي الشوارع والميادين في الجزائر واليمن.