حالة من الفزع والقلق عاشها كل مواطن بسيط كان يرضي كل الرضا لوجود مستشفي عام يمكنه اللجوء إليه أو إمكانية إجراء عملية «الزائدة الدودية» لأحد أطفاله حتي ولو سيتحمل هو «ثمن حقنة البنج والشاي بتاع الممرضة وحلاوة عاملة النظافة» كانت تلك هي المطالب البسيطة التي يحلم بها هذا المواطن وتمثل له صمام الأمان أو الحد الأدني من الرعاية الصحية في زمن حمل علي عاتقه أعباء عديدة من ارتفاع لأسعار كل شيء من حوله. حلم بسيط لم يكن يتوقع أن يستيقظ منه علي كابوس اسمه «اللائحة الموحدة» التي حتي أيام قليلة مضت لم يكن قد عرف عنها شيئا تلك اللائحة التي ستقطع 60% من إجمالي أسرة أي مستشفي حكومي لصالح العلاج الاستثماري وكأنها كانت قادرة في الأساس علي الوفاء والالتزام باحتياجات الغلابة ممن يتردد عليها، حاولت «الأهالي» رصد ردود فعل هؤلاء البسطاء تجاه خبر اللائحة والتي تباينت بين الفزع وقلة الحيلة!! يقول «أشرف أحمد» أرزقي «كنت أحمد الله علي أنني بقرب مستشفي حكومي علي قدنا ومكنتش شايل هم المرض» علي اعتبار أن هناك هموما أخري يحملها ويواجهها، ويضيف أنه كان ينوي عمل عملية المرارة والتي أجلها له الأطباء أكثر من مرة بحجج مختلفة ما بين ضرورة ضبط الضغط ومرة أخري بحجة أن دكتور التخدير مش موجود وها هو يفقد الأمل نهائيا في إجرائها. أما «ولاء السيد أحمد» ربة منزل فقد عانت الأمرين عندما قررت إجراء عملية اللوز لطفلها الوحيد رغم تخوفها من تدني الخدمة الطبية أصلا في المستشفيات الحكومية إلا أنها كانت مضطرة لذلك لارتفاع تكاليف العملية في أي مستشفي خاص وعندما ذهبت ليتم حجزها بالطفل لإتمام العملية فوجئت بالتأجيل «علشان» كان موجود سرير «هيفضي» في المستشفي ولم يأت الطبيب المعالج للحالة المرضية حتي يكتب لها علي خروج ويفضي السرير ولكن ولأنه لم يحضر لم يعد هناك سرير متوافر لها! بتفرش بطانية وتنام أما «خديجة إسماعيل» والتي تقوم بغسيل الكلي مرتين في الشهر في قصر العيني فكانت تتعرض لمضاعفات بعد الغسيل مما يضطرها للاستراحة ولو يوم واحد في غرفة مجاورة لغرفة الغسيل علي الأرض «بتفرش بطانية وتنام عليها» علشان المحاليل اللي ثمنها غالي خارج المستشفي وبمجرد أن علمت موضوع اللائحة كان ردها الحمد لله أنهم هيخذوا السراير مش الأرض!!! فيما تعالت صرخات «صابرين جمعة» والتي كانت تحصل علي جرعة كيماوي من معهد ناصر ولم تتمكن من الاستمرار في الحصول عليها بسبب مشاكل في قرار علاجها وكانت تأمل في الذهاب لأي مستشفي للحصول عليها وتساءلت «هي الحكومة عايزة تعمل فينا إيه تاني؟! حتي المرض بقي بفلوس!» حالات كثيرة لمرضي فقراء كانوا يتحملون سوء المعاملة وتدني الخدمة داخل هذه المستشفيات الحكومية فقط لحصولهم علي الكشف والعلاج بتكاليف بسيطة وليست مجانية كاملة، ترددت علي مسامعهم عبارة «مفيش سرير فاضي» وكأنها تفكرهم بالجملة المشهورة «فوت علينا بكرة يا سيد» ولم يشعر بأوجاعهم طبيب أو ممرض وها هي الدولة جاءت لتكمل عليهم، فالدكتور «الجبلي» معالي الوزير أرسل فاكسات إلي جميع المستشفيات الحكومية يوم الخميس الماضي بضرورة وسرعة تطبيق اللائحة الموحدة التي أقرها هو وحده مع نفسه! وحتي يكسب رضاء مديري المستشفيات أكد أنها تهدف إلي عدالة توزيع الدخل للأطباء وصياغة نظام لتحفيز العاملين بالمستشفيات وربط الأجر بمستوي الأداء بالإضافة لتطبيق اللامركزية الإدارية من خلال تشكيل مجلس إدارة موحد بكل مستشفي يعني كل «مدير وزير نفسه»!! بالإضافة إلي أنه من حق هذا المجلس زيادة أسعار العلاج 10% عند تعاقده مع الشركات والهيئات والتأمين الصحي، الشأن الذي يعطي فرصة للتلاعب بالأسعار وللفساد وكله علي حساب صاحب المرض!! هناك من تقبل هذه اللائحة من الأطباء ومديري المستشفيات وهناك من رفضها ولكن ليس لديه من القدرة أن يفعل شيئا! حيث يري دكتور «رأفت عبدالمنعم» مدير العيادات الخارجية بمستشفي ناصر العام أن هذه اللائحة والتي اجتمعوا بشأنها لتطبيق ما جاء بها حيث جعل فترة العلاج المجاني من التاسعة صباحا وحتي الواحدة ظهرا علي أن يتم العمل ساعة أخري اقتصاديا وليس حتي الساعة الخامسة كما تردد، يري أن بها مميزات وعيوبا تمثلت فقط في أن نسبة ال 60% من الأسرة كبيرة ولابد من إعادة النظر فيها وتقليلها خاصة أن معظم المستشفيات الحكومية أما موجودة في مناطق شعبية مستواها الاقتصادي ضعيف أو يتردد عليها بسطاء المجتمع وفي الحالتين لا يمكن أن تستوعب 40% فقط من الأسرة من يتردد عليها. ويضيف أن من النقاط الإيجابية في رأيه للائحة هي رفع أجر الطبيب بحصوله علي مقابل كل ساعة إضافية يعملها داخل المستشفي بعد الساعة الواحدة ظهرا ورغم ذلك مازالت هناك حالة تخبط داخل المستشفي لمعرفة من ستسمح له ظروفه بأن يواصل العمل الإضافي من الأطباء، ويشير «رأفت» إلي أن عدد المترددين علي العيادة الواحدة داخل المستشفي يتراوح ما بين 100، 200 مريض وكان مرضي آخرون يلجأون للمستشفي في الفترة المسائية قبل اللائحة الآن بعدها سوف يتضاعف العدد في الفترة الصباحية مما يؤثر علي قدرة الطبيب وجودة الخدمة، وعن عدد الأسرة داخل مبني المستشفي بعيدا عن العيادات الخارجية يقول إنه حاليا 77 سريرا بعد أن كانت 180 سريرا لأن المبني في حالة صيانة ولم يكن أصلا هذا العدد كافيا لاستيعاب المرضي. تعميم التأمين الصحي ورغم أن قرار اللائحة شمل فقط المستشفيات الحكومية فإن هناك من مديري المستشفيات الخاصة يتحفظ عليها فيقول دكتور «أحمد إسماعيل» نائب مدير معهد ناصر التخصصي أن هناك درجات من الإقامة داخل أي مستشفي يراعي خلالها من يتعامل بقرار العلاج علي نفقة الدولة التي كان عليها أن تراعي أصلا دعم الجزء المجاني من خلال القطاع الاستثماري وليس العكس. فيما جاء رأي مدير المعهد دكتور «بهاء الدين أبوزيد» ليشير إلي أن الحل الوحيد لهذه الأزمة يكمن في تعميم نظام التأمين الصحي للجميع حتي يصبح لدي كل شخص تغطية مالية بدون أدني مشكلة. ولكن هناك بعض مديري المستشفيات رفضوا ذكر أسمائهم أعلنوا رفضهم التام للائحة وعدم تطبيقها في مواقعهم حتي ولو اضطروا للاستقالة!!