«حقوق الإنسان وحوار الثقافات» هو عنوان المؤتمر الذي عقد الأسبوع الماضي بكوبنهاجن عاصمة الدانمارك، ونظمه المعهد الدانماركي لحقوق الإنسان بالتعاون مع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وشارك فيه مثقفون وباحثون من مصر والدول العربية والإسلامية والدانمارك. علي مدار يومين كاملين، وعلي أنغام الثلوج ودرجة حرارة 10 تحت الصفر، انعقدت الجلسات الجادة المتتالية.في جلسة الافتتاح تحدث كل من: جوناس كريستوفرسون مدير المعهد الدانماركي لحقوق الإنسان، وبهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وراسموس بوسيروب مدير المعهد الدانماركي المصري لحوار الثقافات. ودارت الجلسة الأولي تحت عنوان «كتابات حقوق الإنسان وعلاقتها بالتأثيرات الدينية والتراث الديني» تحدث فيها معتز الفجيري «مصر» الدارس بجامعة لندن عن الاجتهادات الفكرية الدينية في العالم الإسلامي وعلاقتها بالقوي الاجتماعية والسياسية في العالمين العربي والإسلامي. وتحدثت إيفاماريا لاسن عن بداية مفاهيم حقوق الإنسان من الناحية التاريخية، وعلق علي المداخلتين كل من محمد يونس «مصر» الباحث في الدراسات الفلسفية، وحنا زيادة بجامعة روتشيلد. وفي الجلسة الثانية تحدث: حلمي سالم «مصر» حول حرية التعبير والإبداع في العالم العربي، وعادل الجندي «كاتب مصري مقيم بباريس» عن الحرية الدينية وحقوق الأقليات، ومزن حسن «مصر - مديرة «مركز نظرة لدراسات المرأة» عن حقوق المرأة، وعقب علي المتحدثين الثلاثة كل من: جاكوب بيترسون أستاذ حوار الثقافات ودراسات الأديان بجامعة كوبنهاجن وسون هوجبل الباحث المساعد للدراسات ومارك شاد بولس المتخصص في الدراسات الأورومتوسطية لحقوق الإنسان. في الجلسة الثالثة تحدث باشي قريشي عن الأقليات الدينية في أوروبا، وانجريد ستاج عن حقوق المرأة في الدانمارك، واندرسن جيريشوي عن الحرية والتعبير في الإعلام الغربي، وعقب علي المتحدثين كل من: مجدي عبدالحميد «من مصر» والباقر العفيف «من السودان». وفي الجلسة الرابعة خصصت لشهادات من مسلمين مقيمين بالدانمارك حول نظرة الأوروبي والدانماركي لهم وما يعانونه من نبذ وتمييز، تحدث فيها كل من: شوناي أريكان «من تركيا»، وماريام الخواجة «من البحرين»، وعزيز فال «من السنغال»، وكانت التعليقات للكاتب المصري عمرو الشوبكي. أما اللقاء الختامي فقد تحدث فيه راسموس بوسيروب موضحا ضرورة استمرار هذه الحوارات الصريحة، مع ضرورة التركيز في المؤتمرات القادمة علي الشباب والجيل الطالع الذي يتناول هذه القضايا بعقلية أكثر انفتاحا من الأجيال القديمة أو الراهنة، وتحدث بهي الدين حسن عن الخلاصات التي نخرج بها من هذا اللقاء المثمر الجاد، وأهم هذه الاستخلاصات عند بهي الدين حسن: الانتقال من الحوار إلي العمل، دعوة أطراف أخري للحوار، إدراك أن معضلة تجديد الخطاب الديني هي مشكلة سياسية بالأساس، تتعلق بإرادة النظام السياسي. وقد برزت في ثنايا الحوارات العديد من القضايا المهمة الساخنة، نختار بعضها فيما يلي: 1- إن الاستبداد السياسي والاستبداد باسم الدين حليفان دائمان يهدفان إلي السيطرة علي المواطنين والعباد. 2- إن بعض الدوائر الأوروبية لا تقل عن بعض الدوائر الإسلامية في نبذ الآخر والتمييز العنصري ورفض المهاجرين. 3- إن بعض الدول الأوروبية الديمقراطية تقف موقفا تمييزيا من المرأة شأنها في ذلك شأن المجتمعات الإسلامية والعربية. 4- إن معظم الدول العربية والإسلامية تعاني تناقضا بنيويا قاصما بين «الشكل المدني» و«المضمون الديني» في هيئاتها ومرجعياتها وركائزها الدستورية والتشريعية. 5- إن كثيرا من مشاكل التمييز والنبذ ناتج عن المطابقة التي تقيمها الجماعات الإسلامية السياسية بين «الدين» و«الوطن» ليصبح الدين وطنا، فتنتفي المواطنة الحقة ويبرز التمييز علي أساس الدين. 6- إن جزءا رئيسيا من المشاكل راجع إلي أن هناك «إسلامات» عديدة، بحسب المنظور الذي ينظر للدين، مما ينجم عنه أن كل طائفة تعتبر نفسها «الإسلام الحقيقي»، وهو ما يخلف نظرة مرعوبة من الإسلام عند الغربيين، باعتباره دين التطرف والعنف. تبقي ثلاث ملاحظات ضرورية: الأولي تشير إلي حضور السفير المصري بكوبنهاجن السيد علي حبشي للندوات جميعا، ومشاركته في الحوار باعتباره مواطنا مصريا لا باعتباره جزءا من السلطة المصرية، وقد رد علي المتحاورين بوجهة نظره المختلفة التي لم تمنعه من دعوة الوفد المصري علي العشاء في بيته، انطلاقا من أن «اختلاف الرأي لا يفسد للعشاء قضية». الثانية تشير إلي الجهد الكبير الذي بذله منسقو المؤتمر ليتم في صورته الطيبة: ونخص بالذكر رجب سعد وأشرف ميخائيل. الثالثة، هي عجيبة العجائب، إذ كان الفندق الذي نزل فيه الضيوف خاليا من «التليفونات» بالمرة، فلا اتصال بين الغرف ولا تليفون بالاستقبال، ولا اتصال بالخارج علي الرغم من الطابع ما بعد الحداثي لبناء الفندق، وكنا طوال إقامتنا نتساءل: أين حقوق الإنسان في أن «يهاتف» أخاه الإنسان؟