لا يبدو أن لجنة تعديل قانونى الانتخابات البرلمانية ومباشرة الحقوق السياسية التى شكلها المستشار عدلى منصور – رئيس الجمهورية المؤقت – فى 14 ابريل الماضي، تدرك خطورة المسئولية الملقاه على عاتقها ومدى تأثيرها على الحياة السياسية وتحقيق الاستقرار والأمن فى الدولة المصرية. وهو الأمر المترتب بالضرورة على تشكيل اللجنة، فمع كامل الاحترام لرئيس وأعضاء اللجنة، فهم فى النهاية خبراء أو فنيون فى أحسن الأحوال تغيب عنهم الرؤية السياسية، ولا يوجد بينهم أى ممثل للقوى المخاطبة بهذا القانون وهى الأحزاب والقوى السياسية التى تشكل عصب البرلمان القادم فى ظل الدستور الجديد (دستور 2014) الذى تمت صياغته على أساس التعددية الفكرية والسياسية والحزبية، لقد تشكلت اللجنة من مجموعة من رجال القانون وأساتذته وأساتذة الجامعات ولواءات الشرطة، رغم أن القرارات المطلوبة من اللجنة ذات طبيعة سياسية فى الأساس، خاصة ما يتعلق منها بالنظام الانتخابى لأول مجلس نيابى بعد صدور الدستور الجديد، وهل يكون «بالنظام الانتخابى الفردى أو القائمة أو الجمع بأى نسبة بينهما»، كما نصت المادتين 229 و102 من الدستور. وطبقا لتصريحات المتحدث الرسمى باسم اللجنة وبعض أعضائها فالمفاضلة بالنسبة للنظام الانتخابى تجرى بين النظام الفردى والنظام المختلط «فردى وقائمة» مع استبعاد نظام القائمة النسبية غير المشروطة «مع حرية تكوين القوائم» التى طالبت به غالبية الأحزاب السياسية، وقدم عدد منها يضم أحزاب «التحالف الشعبى الاشتراكي» و»المصريين الأحرار» و»الدستور» و»الشيوعى المصري» و»الحق» مذكرة لرئيس الجمهورية – قبل تشكيل اللجنة – ترفض فيها نظام الانتخاب الفردى والنظام المختلط وتطالب بالقائمة النسبية غير المشروطة، وأعلنت أحزاب الوفد والتجمع والنور والناصرى والكرامة والتيار الشعبى فى بيانات أو تصريحات منفصلة تأييدها لنظام القائمة النسبية. لقد جاء رفض هذه الأحزاب والقوى السياسية لنظام الانتخاب بالمقاعد الفردية والنظام المختلط بأغلبية للفردي، استنادا للتجربة المصرية الطويلة من انتخابات مجلس النواب عام 1924 وحتى انتخابات 2011، فالنظام الفردى يعطى السبق للعوامل الشخصية والذاتية للمرشح، وللعوامل التقليدية المتخلفة مثل الانتماء لعائلة أو قبيلة أو عشيرة أو كونه ابن القرية أو المدينة، ويلعب المال وقدرة المرشح على تقديم خدمات شخصية ومحلية على حساب البرامج والاهتمام بالمشاكل العامة والقومية ومصالح جموع المواطنين والمجتمع دورا كبيرا فى ترجيح فوز المرشح، وبالتالى لا يمارس النائب دوره فى الرقابة والتشريع ويتحول إلى «نائب خدمات» أقرب ما يكون إلى عضو مجلس محلى «وهو دور لم يعد مطلوبا بعد تطوير نظام الإدارة المحلية فى الدستور الحالي»، وصاحب النظام الفردى فى مصر ظاهرة المستقلين، وهى ظاهرة سلبية بكل المقاييس، خاصة فى ظل الدستور الجديد، وإذا حدث وتكرر وجود عدد كبير من المستقلين فى البرلمان الجديد – وفى ظل غياب الحزب الواحد المسيطر – فقد تشهد البلاد حالة من عدم الاستقرار السياسى والفشل فى وجود حكومة تحظى بثقة البرلمان، وبالتالى تكرار حل مجلس النواب، طبقا للمادة 131 من الدستور. بينما يدور التنافس فى ظل نظام القائمة النسبية غير المشروطة بين الأحزاب وبرامجها وخططها، ويعود لمجلس النواب دوره فى التشريع والرقابة، وتنتهى ظاهرة نائب الخدمات. وتجاهل اللجنة لهذا النظام يهدد بإفشال خارطة المستقبل، ويدخل البلاد فى نفق مظلم، لا تتحمل مسئوليته اللجنة التى شكلها رئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلى منصور وحددها، بل يتحمله رئيس الجمهورية المؤقت شخصيا، فهو طبقا للدستور يتولى سلطة التشريع، وهو المنوط به تحديد النظام الانتخابى لأول مجلس نواب فى ظل الدستور الجديد.