ازدواجية التعليم تفرق بين المواطنين تقرير: لبيبة النجار يعانى النظام التعليمى من مشاكل متعددة تجعله عاجزا عن مواجهة تحديات التحديث والتطوير، وهذه المشاكل ترتبط بالمناهج الدراسية وطرق التدريس وعجز الدولة عن توفير ميزانية كافية، وبسياسات واستراتيجيات التعليم عموما التى تقصر أهداف التعليم فى ما يسمى "احتياجات سوق العمل"، ومن أهم وأخطر هذه المشاكل تأتى مشكلة الازدواجية التى تعيشها العملية التعليمية فى مصر بالتعليم الجامعى وما قبل الجامعي، وسوف نتوقف فى هذا التقرير عند هذه المشكلة برصد حقيقتها فى الواقع التعليمى الراهن، والتعرف على أبعادها التربوية والتعليمية والثقافية ونبحث كيف نعالجها. حقائق الواقع يكفى أن نعرف أن نسبة التلاميذ فى التعليم الخاص إلى إجمالى التلاميذ المقيدين بالمدارس فى مختلف مراحل التعليم قبل الجامعى تصل إلى 7%، تبين أن بينها 147 مدرسة يملكها ويديرها الإخوان، وأن عدد المدارس الدولية 9 مدارس، والمدارس الحاصلة على ترخيص الدبلومة الأمريكية 39 مدرسة والحاصلة على ترخيص (IG) 61 مدرسة. أما التعليم ا لجامعى فيشمل 24 جامعة حكومية بما فيها جامعة الأزهر، بخلاف المعاهد العليا والمتوسطة، و26 جامعة وأكاديمية خاصة و5 جامعات دولية، و3 جامعات مشتركة – مصرية روسية – مصرية كندية – مصرية يابانية، وفروع لجامعات أجنبية أخري، ويبلغ عدد المعاهد الدينية الأزهرية 9569 معهداً يشمل المراحل التعليمية ما قبل التعليم الجامعي، فى حين يبلغ عدد المدارس الأزهرية الخاصة 225 مدرسة. الازدواجية فى التعليم إن معضلة الازدواجية التى تشهدها العملية التعليمية فى مصر فى التعليم الجامعى وقبل الجامعي، تظهر فى صور متعددة، فالتعليم ينقسم بين تعليم حكومى عام وتعليم خاص وأجنبي، والتعليم الحكومى منقسم بين تعليم مجانى وتعليم بمصروفات "المدارس التجريبية"، وفى الجامعات الحكومية تعليم عام وتعليم بمصروفات "أقسام اللغات والأقسام المميزة"، وجامعات وأكاديميات خاصة وجامعات أجنبية، إلى جانب فروع لجامعات أجنبية كثيرة، ولما كانت الحكومات المصرية المتعاقبة تسعى سعيا حثيثا للتخفيف من عبء الإنفاق على التعليم، فقد قامت بإصدار القانون رقم 101 لسنة 1992 بإنشاء جامعات خاصة، وكانت البداية التنفيذية لهذا المشروع عام 1996 بإنشاء أربع جامعات خاصة، ثم قامت الحكومة بعد ذلك بفتح أقسام للغات وأقسام متميزة بمصروفات داخل الجامعات الحكومية، لكن الازدواجية الأخطر فى التعليم المصرى هى بين التعليم المدنى العام والتعليم الدينى فى بلد متعدد الديانات، وبين هذه الأنواع من التعليم يتوزع أبناء الأمة، وتتمزق وتنتج العملية التعليمية مخاطرها. صناعة التمييز هذه الازدواجية فى التعليم ليست تنوعا ثقافيا على اللحن الوطنى والقومى ، بل هى مفارقة اجتماعية فى نوعية التعليم بين الفقراء وقمة الهرم المعرفي، وما ينجم عن التباين والاختلاف – لا التنوع – من مخاطر تفسخ النسيج المجتمعى وخلخلة التضامن الإنسانى وإحداث هوة ثقافية وهدم السلام الاجتماعي، لأن تطوير التعليم لابد أن يرتبط بنظام ديمقراطى يراعى العدل الاجتماعي، ويظل التعليم الدينى هو الأخطر بين إشكاليات ازدواجية التعليم فى مصر، فإذا كانت الازدواجيات الأخرى تصنع أنواعا من التمييز الاجتماعى بين الفقراء والأغنياء، بين من لا يستطيعون له طلبا ومن يملكون المال، الأمر الذى يخلق أدوات خطيرة من التمييز الطبقى فى بلد يعيش أغلب مواطنيه تحت وفوق خط الفقر، لكن التعليم الدينى فى بلد متعدد الديانات يدخل مباشرة فى إشكالية التمييز الديني، أى يجرح المواطنة، لأن قسما يستطيع دخول هذه المدارس بسبب انتمائه الدينى وقسما لا يقترب من هذه المدارس والجامعات المنتشرة فى ربوع مصر والاستفادة مما تنفقه الدولة عليها من أموال دافعى الضرائب بسبب الانتماء إلى دين آخر. فريضة غائبة إن مشكلة التعليم الدينى تنبع من فعل وجود ازدواج عملية التعليم، ووجود مؤسسات تعليمية على قاعدة الانتماء للدين وليس على قاعدة الانتماء للوطن، وهذا ينتج فيما تتميز به فى برامج التعليم ومناهجه، ويفرخ قيما تمييزية دينية فى المجتمع وفى البيئة التعليمية والثقافية، ومهما تحدثنا عن جهود تبذل للتطوير سيظل هناك فريضة غائبة وهى الجهد فى إحياء الوظيفة الأخلاقية والتربوية للتعليم، نتحدث نعم عن التعليم وسوق العمل، هذا صحيح، لكن أين التعليم وبناء الشخصية المصرية، وبناء وتحقيق التوازن النفسى والفكرى للإنسان، بحيث يصبح للتعليم دور فى تنمية المعارف والمهارات ودور فى تعليم القدرة على الإبداع والتفكير وتنمية الروح النقدية، لأن التعليم يكمن فى منهجيته والتربية جزء من المنهج والوظيفة الأخلاقية للتربية، لأن هذا الازدواج يؤدى على المدى البعيد إلى تشرذم الثقافة ويصعب معه تحقيق الوحدة الوطنية بين خريجى أنواع التعليم المختلفة. الثقافة الوطنية إن الأصل فى التعليم العام أن يكون تعليما موحدا لكل الطلبة ابتداء من الحضانة وحتى الحصول على شهادة الثانوية العامة، لأن فلسفة التعليم أن يضع ما نسميه وجدان الأمة بهدف خلق انتماء وطنى عام، وتأسيس ثقافة وطنية، لذلك هناك ضرورة لتوحيد نظم التعليم فى مرحلة النشأة والتكوين، لخلق لغة وثقافة مشتركة لدى جميع أفراد الوطن الواحد، ومن يرغب فى الالتحاق بجامعة الأزهر يذهب، على أن تكون جامعة الأزهر لتدريس اللغة العربية وعلوم الشريعة والفقه إلخ، وأن تكون الكنيسة لتدريس علوم اللاهوت فقط، وأن تكون للمدرسة مهمة أساسية فى نشر الثقافة المدنية، لكى يكون هناك نسق واحد للتعليم يخلق مواطنا مؤسسا على وحدة معرفية وثقافية وخلق لغة مشتركة بين جميع أبناء الوطن الواحد.