في عالم السياسة يتداول رجال الحكم أحد أهم المباديء السياسية الذي يقول: «لا توجد صداقات دائمة.. ولا توجد عداءات دائمة.. فقط توجد مصالح دائمة وربما يفسر هذا المبدأ موقف الإدارة الامريكية وعدة دول أوروبية إزاء ما يحدث في مصر من تطورات، حيث جاء موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما علي وجه الخصوص صادما لمصر التي ترتبط معها الولاياتالمتحدة بمصالح استراتيجية دائمة ولكنها اتخذت موقفا يبدو معاكسا لتلك المصالح بتأييد مستمر لجماعة الإخوان المسلمين والوقوف ضد نظام الحكم الجديد في مصر ومعاقبة الجيش المصري الصديق المهم للجيش الأمريكي، بإيقاف توريد دفعة طائرات أف – 16 والدعوة إلي إعادة النظر في المساعدات العسكرية السنوية (3.1 مليار دولار) ضمن مراجعة شاملة للعلاقات المصرية – الأمريكية. وفي الوقت نفسه وكرد فعل علي التصعيد الأمريكي ضد مصر جاء موقف المملكة العربية السعودية مفاجئا من ناحية أخري باعلان دعم سياسي كامل لمصر ورفض التدخل في شئونها الداخلية والعمل علي عقد قمة عربية توفر الدعم العربي للثورة المصرية الجديدة التي اقتلعت حكم الإخوان. نقل الحرب إلي البلدان المصدرة للارهاب نعود إلي الموقف الامريكي الرسمي المثير للانتباه وللتعجب، وقد تصدي له بالنقد والتحليل عدد كبير من كبار الكتاب والمعلقين السياسيين في الولاياتالمتحدة نفسها، حيث يسود اتجاه كبير ينتقد التخبط الامريكي إزاء تطورات الثورة المصرية وان ادارة الرئيس أوباما تنكرت لكل حلفائها بسهولة وتركتهم يسقطون واحدا وراء الآخر (بن علي في تونس ومبارك في مصر ثم القذافي الذي جرت عملية تطويعه في ليبيا). فحين تغيرت الكفة وأصبحت موازين القوة لصالح جماعات التأسلم السياسي رجحت تقارير المخابرات المركزية الامريكية C.I.A الوقوف إلي جانب هذه الجماعات وخاصة جماعة الإخوان المسلمين بناء علي تاريخ من العلاقات المباشرة والتطمينات التي قدمتها قيادات الجماعة للمسئولين الامريكيين بالحفاظ علي المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في مصر والمنطقة وأهمها الملاحة في القناة وتدفق النفط من الخليج وأمن اسرائيل. وقدمت المخابرات نصيحة لإدارة أوباما بالحرص علي اكتساب صداقة جماعة الإخوان ما دامت ستلتزم بالحفاظ علي المصالح الامريكية كاملة، وان ذلك سيؤدي إلي الترويج للسياسة الامريكية وجعلها ذات شعبية كبيرة في مصر والعالم العربي، والأهم من ذلك كله ان الولاياتالمتحدة ستضمن أصدقاء استراتيجيتين لها في مصر والعالم العربي، والأهم من ذلك كله ان الولاياتالمتحدة ستضمن أصدقاء استراتيجيين لها في مصر والعالم العربي يعملون علي تغيير صورة الولاياتالمتحدة كعدو أو خصم للاسلام وإن ذلك من شأنه اقناع الجماعات المتطرفة والارهابية بعدم شن هجمات داخل الاراضي الامريكية علي نسف عمليات 11 سبتمبر الشهيرة باعتبار ان مواجهة التنظيمات الارهابية يتطلب اكثر من المعالجات الامنية وان التأييد السياسي والدعم بوسائل مختلفة من شأن الحفاظ علي المصالح الاستراتيجية الامريكية. ووجدت الإدارة الامريكية في الاسلوب الانتخابي الذي أوصل الإخوان إلي الحكم غطاء سياسيا ديمقراطيا لتمتين العلاقات مع جماعة الإخوان باعتبارها بديلا لنظام مبارك الذي كان يفتقد التأييد الشعبي ويعتمد علي (السلطوية) في الحكم فيما تعتمد جماعة الإخوان علي قاعدة شعبية كبيرة وتنظيم كبير جزء منه سري يستطيع السيطرة علي الأوضاع الداخلية. معارك ومواقف وحتي حين اندلعت المعارك السياسية بين الإخوان وحلفائها من ناحية والتيارات المدنية اليسارية والليبرالية وبقايا نظام مبارك من ناحية أخري فإن الإدارة الامريكية وجدت في ذلك فرصة لكي تنشغل كل تلك القوي بالصراعات الداخلية وهو نفس موقفها إزاء الحرب الدائرة في سوريا وقبل ذلك في ليبيا، إذ وجدت قوي الاسلام السياسي مثل القاعدة وغيرها من التنظيمات الارهابية ساحة مختلفة للعمل بحرية وبدلا من أن تقاتل هذه التنظيمات داخل الولاياتالمتحدة واوروبا فمن الأفضل ان تقاتل داخل الإطار الطبيعي لها في الدول العربية والاسلامية. أمريكا تدفع بدول المنطقة إلي الفوضي باسم الديمقراطية الكاتب الامريكي «تشارلز كوبكان» عضو مجلس العلاقات الخارجية الامريكية ذكر في مقال له بصحيفة نيويوريك تايمز ونشرته صحفية اليوم السابع أن الولاياتالمتحدة مطالبة بالعمل مع الحكومات الانتقالية حتي لو لم تكن قد جاءت بانتخابات ديمقراطية من أجل استعادة الوظائف الاساسية للدولة لتحسين الاوضاع الامنية والاقتصادية ومواجهة الجماعات المتطرفة اضافة إلي الحفاظ علي السلام الهش مع اسرائيل بدلا من دفع مصر نحو اجراء انتخابات بسرعة والتهديد بقطع المعونات والمساعدات. وأضاف كوبكان ان دفع البلدان التي تمر بمراحل انتقالية سريعة نحو صناديق الانتخابات يضر أكثر مما ينفع لانه ينتج انظمة مختلة وغير ليبرالية فالرئيس المعزول محمد مرسي علي الرغم من انه منتخب فإنه قاد الدولة المصرية الي الانهيار وداس علي خصومة السياسيين. وعلاوة علي ذلك يرد (كوبكان) ان التحولات الديمقراطية في الشرق الاوسط أكثر خطورة من أي مكان آخر بسبب العوامل الفريدة في المنطقة ومن قوة الاسلام السياسي والطبيعة الراسخة من الولاءات الطائفية والقبائلية، اضافة الي ان دخول الدين في السياسة ستفسد الديموقراطية في الشرق الاوسط فالشعوب بالانتماء الوطني هو توأم الديمقراطية وهو أكثر ما يحتاج إليه المصريون الآن.