الدول المتنازعة تستخدم «الاغتصاب المنهجي» للنساء كأسلوب حرب وإرهاب ماجدة عبدالبديعلم يعد الأمن القومي مقتصرا علي تأمين الحدود بين الدول فقط، بل أصبح يشمل الأمن الإنساني للمواطنين رجالا ونساء، ولقد شهد القرن العشرين نقلة نوعية في جهود تعزيز حقوق الإنسان بوجه عام، وحقوق المرأة بوجه خاص، وامتدت هذه النقلة لتشمل وضع المرأة في أوقات السلم والحرب علي حد سواء، ولم تعد مسألة الاهتمام بوضع المرأة مقتصرة علي حمايتها من العنف أثناء النزاعات المسلحة فقط، وإنما أصبحت تشمل القضاء علي التمييز ضدها، وتعزيز دورها وتقوية مكانتها في المجتمع، وقد أصبح هذا شرطا أساسيا لتحقيق أمن واستقرار المجتمع بأسره، وصولا إلي نشر السلم والأمن الدوليين. ولما كانت هذه النقلة انعكاسا للصلة الوثيقة بين القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني اللذين يشكلان جناحي الحماية لحقوق الأفراد والجماعات في أوقات السلم، كما هي في أوقات النزاعات المسلحة، والاحتلال العسكري، فقد شكل قرار مجلس الأمن (325) الصادر عام 2000 بشأن «المرأة والأمن والسلام» وما تلاه من قرارات مكملة، نقطة تحول حاسمة في تناول الأمن الإنساني للمرأة، خلال وبعد النزاعات المسلحة. وقد دعت هذه القرارات، المجتمع الدولي، والمنظمات الدولية والإقليمية المعنية، إلي اتخاذ مزيد من التدابير، لتحسين مشاركة المرأة في مستويات صنع القراركافة، وفي منع الصراعات وحلها، وفي بناء وحفظ السلام وتعزيز الحماية القانونية لضحايا النزاعات المسلحة ومع اندلاع الثورات والانتفاضات الشعبية بالمنطقة العربية تحملت المرأة العربية العبء الأكبر من جراء أعمال العنف والنزوح والتهجير، ولعبت أدوارا بارزة في الصمود والنضال. ولذلك اهتمت جامعة الدول العربية، ومنظمة المرأة العربية بإصدار استراتيجية إقليمية لحماية المرأة العربية.. الأمن والسلام وذلك بالتعاون مع هيئة الأممالمتحدة للمرأة. وتركز هذه الاستراتيجية علي الأطر والآليات القانونية علي المستويين العربي والدولي، ويأمل القائمون عليها، أو من قاموا بوضعها أن تكون بمثابة مرجعية ملائمة، وانطلاقة جادة تمكن المعنيين بصنع القرار، وأصحاب الاختصاص في وضع برامج وخطط تتناسب وأولويات تحقيق الأمن الإنساني للمرأة العربية. معاناة النساء والأطفال ترصد الاستراتيجية الإقليمية معاناة المجتمعات عامة من عواقب النزاعات المسلحة والإرهاب، وتؤكد أن النساء والفتيات هن أكثر من يعاني في مثل هذه الظروف، وذلك بسبب وضعهن الاجتماعي، بالإضافة لجنسهن، فالأطراف المتنازعة غالبا ما تقوم باغتصاب النساء. وفي بعض الأحيان تقوم باستخدام الاغتصاب المنهجي كوسيلة أو أسلوب حرب وإرهاب، كذلك تعاني النساء إلي حد كبير من التهجير، فقدان المسكن والأملاك، فقدان الأقارب، الفقر، بالإضافة إلي انفصال العائلة وتشتتها ، وتشكل النساء والأطفال 80% من ملايين اللاجئين والأشخاص المهجرين، والنازحين علي مستوي العالم. العنف ضد المرأة سلاح تؤكد «الاستراتيجية» أن العنف ضد المرأة ليس مجرد عارض من أعراض الحرب، وإنما هو سلاح من أسلحة الحرب، قد يستخدم لأغراض منها نشر الرعب، وزعزعة المجتمع وكسر مقاومته، ومكافأة الجنود، وانتزاع المعلومات. فقد استخدم العنف ضد المرأة، ولاسيما التعذيب، كأسلوب من أساليب التطهير العرقي، وكعنصر من عناصر الإبادة الجماعية، وثمة أدلة في جميع الحالات التي قامت منظمة العفو الدولية بالتقصي بشأنها، أن العسكريين قد استخدموا العنف ضد المرأة، لتحقيق عدد من هذه الأغراض. كما أن النساء يشكلن النسبة الكبري من ضحايا النزاعات المسلحة الراهنة من المدنيين، إذ أن حوالي 70% من ضحايا النزاعات المسلحة في العالم ، لم يكونوا من المقاتلين، بل كانت غالبيتهم من النساء والأطفال، وباتت جثث النساء جزءا من مشهد المعارك بالنسبة لمن يستعملون الترهيب كتكتيك حربي، حيث يلجأون إلي اغتصابهن وإرغامهن علي الحمل، والاستغلال الجنسي والرق، وثمة تاريخ طويل من تعذيب الجنود لمن وقعن بين أيديهم من النساء، وتاريخ من الإخضاع والرعب والانتقام. الهدف العام إن الهدف من إعداد استراتيجية عربية حول المرأة والأمن والسلام هو وضع إطار عربي عام، يعمل علي خلق بيئة حساسة للنوع الاجتماعي، ويحفز سائر الجهات العربية ذات الصلة، وصانعي القرار علي المستوي الإقليمي العربي وعلي المستوي الوطني، في مختلف الدول العربية علي العمل الفعلي، لحماية المرأة من كل أشكال العنف القائم علي النوع الاجتماعي، والذي تتعرض له خاصة في أوقات الحروب والاحتلال والنزاعات المسلحة. مجالات الاستراتيجية.. أولا: مرحلة الأمن والاستقرار: إن الهدف الاستراتيجي هنا هو خلق بيئة اجتماعية حساسة للنوع الاجتماعي، تضمن مشاركة النساء الفاعلة في نواحي الحياة كافة، وحماية حقوقهن بما يتوافق مع القرارات والاتفاقيات الدولية والإقليمية والعربية، ذات الصلة بتأمين الأمن والحماية للمرأة من أشكال العنف كافة. الإجراءات علي مستوي المشاركة تحت هذا العنوان «طالبت الاستراتيجية بتعزيز مشاركة النساء علي جميع مستويات صنع القرار»، ورسم السياسات والبرامج الوطنية، من خلال توفير البني التحتية الملائمة لنمو المرأة وتطورها، وتمكينها من جميع الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وأكدت ضرورة إشراك المرأة في الآليات الدولية والإقليمية والعربية لمراقبة تنفيذ الاتفاقيات الاستراتيجية الهادفة إلي تعزيز دورها وحمايتها من جميع أشكال العنف، بالإضافة إلي وضع برامج تمكين المرأة علي جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتنفيذها. كما أكدت «الاستراتيجية» أهمية إشراك المنظمات النسائية في صياغة النظام التشريعي، وخاصة تعزيز حقوق المرأة ومساواتها بالرجل أمام القانون، إلي جانب زيادة تمثيل المرأة في الهيئات القضائية علي جميع المستويات بما فيها المحاكم الدولية. برامج تثقيفية كما طالبت «الاستراتيجية الإقليمية» بضرورة تطوير السياسات وخطط العمل الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة، وترسيخ ثقافة نبذ العنف ضدها، وحماية حقوقها، والمصادقة علي الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالأمن والسلام، وإعداد برامج لتعزيز الوعي بحقوق المرأة ودورها الفاعل في بناء المجتمع، والعمل علي نشر ثقافة السلام من خلال إقامة برامج تثقيفية للبنات والبنين، وأيضا العمل علي دمج مبادئ الحقوق الأإسانية وقيم المساواة والعدالة ومقاربة النوع الاجتماعي في السياسات والبرامج والمشاريع، وزيادة وعي أفراد الجيوش وسائر أركان القوات العسكرية والأمنية حول حقوق الإنسان والآليات والاتفاقيات الدولية الضامنة لها، مع صياغة برامج لترسيخ مفاهيم المواطنة، والعدالة والسلام. الحماية من العنف أكدت «الاستراتيجية الإقليمية» ضرورة تعزيز القدرة المؤسسية لمنظمات المجتمع، لحماية المرأة من العنف، وتوفير خدمات صحية واجتماعية وقانونية شاملة تغطي كل احتياجات النساء المعنفات، مع توفير كوادر بشرية مؤهلة للتعامل مع حالات النساء المعنفات علي كل المستويات الصحية والاجتماعية والقانونية، وتحسين طرق وصول النساء المعرضات للعنف إلي المعلومات حول الخدمات وطرق الوقاية والحماية من العنف، وضرورة مراجعة القوانين والتشريعات التي تنطوي علي تمييز ضد المرأة، وتحديثها ومواءمتها مع النهج القائم علي حقوق الإنسان، وحماية المرأة من كل أشكال العنف، ووضع قوانين تحمي المرأة في أوقات الطوارئ والنزاعات المسلحة من كل أشكال العنف، وضمان معاقبة مرتكبيها، مع تعزيز التنسيق والشراكة بين القطاعات الرسمية والأهلية المعنية بحماية المرأة، بهدف تحقيق تخطيط متكامل يعتمد علي النهج التشاركي. ثانيا: مرحلة اندلاع حروب في هذه المرحلة، تؤكد «الاستراتيجية الإقليمية» ضمان توفير الرعاية والحماية للنساء في المناطق التي تسودها النزاعات والصراعات المسلحة من الممارسات والآثار المترتبة، والنتائج عنها، خصوصا الاغتصاب والانتهاكات الجنسية، وجميع أشكال العنف الأخري.. العمل علي إشراك المرأة في كل مستويات ومراحل صنع واتخاذ القرارات المتعلقة بمفاوضات وحل النزاعات وبناء السلام وحفظه، وتشكيل تحالفات نسائية عربية، لمتابعة الانتهاكات ضد المرأة ورصدها في الدول التي تعاني صراعات وحروبا، بالإضافة إلي تثقيف النساء وتدريبهن علي مهارات القيادة والريادة والتأييد والمناصرة وحل النزاعات، مع ضرورة إشراك المرأة في الآليات العربية والدولية لمراقبة تنفيذ الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، والاتفاقيات الدولية الخاصة بالنزاعات المسلحة، وتلك المتصلة بحماية المدنيين، وخاصة النساء والأطفال خلال الحرب أو النزاع المسلح. علي مستوي الوقاية اهتمت «الاستراتيجية الإقليمية» هنا بضرورة رفع مستوي الوعي بالقوانين الإنسانية، وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين للعاملين في المجال الإنساني، والقائمين علي حفظ السلام، مع إطلاق حملات التوعية الصحية والقانونية للنساء في ظروف الحرب والنزاعات، وفي مخيمات اللجوء، بالإضافة إلي توفير المعلومات للنساء في ظل النزاعات المسلحة، حول الخدمات المقدمة، وطرق الوصول إليها، مع زيادة وعي المجتمعات المحلية المضيفة للاجئين حول حقوق الإنسان بشكل عام، وحول اللاجئات والنازحات من النساء، واحتياجاتهن الخاصة وهواجسهن، هذا إلي جانب أهمية إعداد تقارير رصد دورية حول واقع النساء في مناطق النزاعات والحروب، وربطها ببرامج التدخل والإغاثة علي المستويات العربية والدولية.