خلال تدشين كنيسة الرحاب.. البابا تواضروس يكرم هشام طلعت مصطفى    غدا.. معرض المشروعات الهندسية بكلية الهندسة الإلكترونية بمنوف    الجيش الإسرائيلي يبدأ هجوما واسعا على جباليا    نفاد تذاكر مباراة الزمالك ونهضة بركان بعد طرحها بساعتين    إعلام الأزهر تعرض تجربتها خلال القمة العالمية للقيادات الشبابية    غدًا.. طلاب ثانية ثانوي بالقاهرة يؤدون امتحاني تطبيقات الرياضيات وجغرافيا    بسبب قيام الجار باعمال هدم.. انهيار عقار مكون من 3 طوابق في المنيا    مصطفى كامل يحتفل بزفاف ابنته بحضور مدحت صالح ونادية مصطفى    "الصحفيين" ترفض قرار "الأوقاف" بمنع تصوير الجنازات.. وتؤكد: مخالف للدستور    «الخيانة وفقد الشغف».. 5 أسباب لفشل الحب على طريقة بسمة وتامر في البدايات (تقرير)    رئيس جامعة طنطا يهنىء عميد كلية الطب لاختياره طبيبا مثاليا من نقابة الأطباء    المالية البحرينية: قدمنا مبادرة للتعاون في التكنولوجيا المالية والتحول الرقمي    نجم العين الإماراتي يتحدث عن حلمه مع الزعيم وأهدافه مع باراجواي    محافظ القليوبية يستكمل اجتماعاته بأعضاء البنك الدولي لبحث تنفيذ عدة مشروعات    كيف يعالج خبراء البنك الدولي الانبعاثات بتغيير أساليب الإنتاج الزراعي والغذائي    بسبب الكاوتش.. مصطفى عنبة يعلق على نجاته من حادث سير مؤخرًا    العثور على 80 جثمانا ب 3 مقابر جماعية بساحات مجمع الشفاء الطبى فى غزة    هدى الإتربى عن مسلسلها مع حنان مطاوع: انتهينا من تصوير أغلب المشاهد    وزارة الأوقاف تقرر منع تصوير الجنازات داخل وخارج المساجد    وزير النقل: تشغيل التاكسى الكهربائى الأربعاء المقبل بالعاصمة الإدارية    بدء التشغيل التجريبى لقسم الأطفال بمستشفى الأورام الجديد.. الثلاثاء المقبل    آفة طلابنا "النسيان".. 10 أخطاء يرتكبونها تقلل تركيزهم.. وأسباب نسيان المعلومات فى ليلة الامتحان.. ونصائح فعالة تخلى المعلومة تثبت فى دماغهم.. وقائمة يقدمها الأطباء بأكلات ومشروبات للتذكر والتخلص من التشتت    تكريم الصاوي وسلوى محمد علي.. تفاصيل الدورة الثالثة ل«الفيمتو آرت» للأفلام القصيرة    تيسيرًا على الوافدين.. «الإسكندرية الأزهرية» تستحدث نظام الاستمارة الإلكترونية للطلاب    السكة الحديد: عودة مسير القطارات في الاتجاهين بين محطتي «الحمام و الرويسات» غدًا    سر الأهلي.. هل ينهي الزمالك خطيئة جوميز مع جروس؟    وزير الشباب: إنشاء حمام سباحة وملعب كرة قدم بمدينة الألعاب الرياضية بجامعة سوهاج    رمضان عبد المعز: لن يهلك مع الدعاء أحد والله لا يتخلى عن عباده    أوكرانيا تحبط هجمات روسية جديدة على الحدود في منطقة خاركيف    الرقابة الإدارية تستقبل وفد مفتشية الحكومة الفيتنامية    وكيل صحة الشرقية يتفقد مستشفى العزازي للصحة النفسية وعلاج الإدمان    سلوفينيا: ممتنون لمصر لمساعدة مواطنينا في غزة على العودة    وزير الرياضة يطمئن على لاعبة المشروع القومي بعد إجرائها عملية جراحية    كنيسة يسوع الملك الأسقفية بالرأس السوداء تحتفل بتخرج متدربين حرفيين جدد    إصابة 3 أشخاص في انقلاب سيارة محملة بطيخ بقنا    عمرو الورداني للأزواج: "قول كلام حلو لزوجتك زى اللى بتقوله برة"    إحالة أوراق طالب هتك عرض طفلة للمفتي    رئيس"المهندسين" بالإسكندرية يشارك في افتتاح الملتقى الهندسي للأعمال والوظائف لعام 2024    أخبار الأهلي : طلبات مفاجئه للشيبي للتنازل عن قضية الشحات    نقيب الأطباء يشكر السيسي لرعايته حفل يوم الطبيب: وجه بتحسين أحوال الأطباء عدة مرات    آخرها هجوم على الاونروا بالقدس.. حرب الاحتلال على منظمات الإغاثة بفلسطين    إلغاء جميع قرارات تعيين مساعدين لرئيس حزب الوفد    «الأرصاد» تكشف حقيقة وصول عاصفة بورسعيد الرملية إلى سماء القاهرة    نتائج منافسات الرجال في اليوم الثاني من بطولة العالم للإسكواش 2024    السعودية تطور نظام التبريد بالحرم المكي والنبوي لتصل ل6 آلاف طن تبريد    قروض للشباب والموظفين وأصحاب المعاشات بدون فوائد.. اعرف التفاصيل    جامعة القاهرة تستضيف وزير الأوقاف لمناقشة رسالة ماجستير حول دور الوقف في القدس    بعد ثبوت هلال ذي القعدة.. موعد بداية أطول إجازة للموظفين بمناسبة عيد الأضحى    للتوفير في الميزانية، أرخص وجبتين يمكنك تحضيرهم للغداء    المفتي يحسم الجدل بشأن حكم إيداع الأموال في البنوك    المشاركة ضرورية.. النني يحلم بتجنب سيناريو صلاح مع تشيلسي للتتويج بالبريميرليج    مباشر مباراة المنصورة وسبورتنج لحسم الترقي إلى الدوري الممتاز    منها المهددة بالانقراض.. تفاصيل اليوم العالمي للطيور المهاجرة للبيئة    هدم 10.8 ألف مبنى.. انتهاء الموجة 22 لإزالة التعديات على أملاك الدولة والأراضي الزراعية    ما حكمُ من مات غنيًّا ولم يؤدِّ فريضةَ الحج؟ الإفتاء تُجيب    وسائل إعلام فلسطينية: إطلاق وابل من القنابل الضوئية في أجواء منطقتي خربة العدس وحي النصر شمالي رفح    حادثة عصام صاصا على الدائري: تفاصيل الحادث والتطورات القانونية وظهوره الأخير في حفل بدبي    مجلس الأمن يدعو إلى إجراء تحقيق مستقل وفوري في المقابر الجماعية المكتشفة بغزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. محمود إسماعيل يكتب : مفهوم الدولة بين العلمانيين والثيوقراطيين (1)
نشر في الأهالي يوم 08 - 01 - 2013

أحسنت مجلة «عالم الفكر» الكويتية صنعا حين عقدت ندوة حوارية حول «الدولة المدنية والدولة الدينية» – شاركت فيها ضمن نخبة من المفكرين العرب المرموقين – من حيث المفهوم، والفكر السياسي النظري، والواقع التاريخي، والبعد الأيديولوجي، والموقف من الديمقراطية، والأهم توجيه الحوار نحو ما جري ويجري بين أفراد النخبة العربية المفكرة بصدد مستقبل الدولة العربية المنشودة علي إثر اندلاع ما عرف ب «ثورات الربيع العربي»، خصوصا بعد وصول «الإسلامويين» إلي الحكم.
لقد كتبت سلسلة مقالات مهمة قبل المشاركة في هذا الحوار، من باب تنشيط الذاكرة من ناحية، وكشف زيف ومخاتلة الخطاب الإسلاموي الآني بصدد التعهد بإقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة، من ناحية أخري، فبدون «المصادرة علي المطلوب» – كما يقول المناطقة – أجزم بأنهم سيضربون بالعهود والوعود عرض الحائط، لا لشيء إلا لأنهم دخلوا باب السياسة من المفهوم «الميكافيللي» المعروف والمؤسس علي مقولة «الغاية تبرر الوسيلة»، أما عن الغاية التي تؤكدها أدبياتهم كافة، فهي إحياء الخلافة الإسلامية، ولأنها غاية نبيلة وممكنة التحقق – في منظورهم المضبب – تصبح آفات الكذب ونقض العهود والانتهازية.. ونحوها، أمرا مشروعا طالما يقود إلي «مرحلة التمكين» التي تشكل حجر الزاوية في فكرهم السياسي ونشاطهم الحركي، ولم لا؟ ف «الحرب خدعة»، والخصوم الوطنيون «كفرة»، والزمن الآني «جاهلية ثانية»، وتحقيق الحلم «اليوتوبي» بات وشيكا!! ولم لا؟ والصديق الأمريكي – الذي أوصلهم إلي السلطة – لم ولن يمانع في العودة بالعالم العربي المعاصر إلي «ظلاميات» العصور الوسطي، طالما وجد الفرصة في تحقيق مصالحه بالتعامل مع «خليفة» واحد يغنيه عن اللجاج مع زعماء «ثوريين» يتشدقون بشعارات «الدولة الوطنية»، و«الحرية»، و«الندية»، و«العدالة الاجتماعية»، و«التنمية المستقلة».. ونحوها، ولم لا يفيد – والرأسمالية آيلة إلي السقوط – من تجربة «أنطوني إيدن» في تأسيس «الجامعة العربية» حين أفل نجم الإمبراطورية البريطانية التي غابت عنها الشمس؟.. لتحل الخلافة الإسلامية محل الجامعة العربية، وليهنأ العرب المسلمون بسبات «أهل الكهف» لعدة قرون!!
فضح الخديعة
لفضح تلك «الخديعة»، يقول كاتب هذه المقالات كلمته كمؤرخ يتصدي لمخطط المؤرخ الصهيوني «برنارد لويس» عراب المشروع الصهيوني – الأمريكي الإسلاموي الجديد.
يستلزم ذلك – بداهة – العودة إلي تاريخ الفكر السياسي، وتاريخ قيام الدولة – ولو في عجالة – لتعرية مفهوم الدولة الثيوقراطية من ناحية، وتزكية الدولة المدنية الديمقراطية من ناحية أخري، وإثبات أن الدولة الدينية محض خرافة، بل مجرد «يوتوبيا» حالمة لم تتحقق ألبتة طوال عصور التاريخ، من ناحية ثالثة.
يقول الصديق د. إمام عبدالفتاح إمام – في كتابه الفذ «الطاغية» – «من الخطأ أن نتحدث عن دولة دينية، بل من الأفضل أن نستخدم تعبير: «الحكم الثيروقراطي» المستبد المتعسف الذي يأخذ برقاب الناس باسم الإرادة الإلهية».
ويضيف: «إن النظم الثيوقراطية التي عرفها التاريخ تستخدم أحط السبل، كالدسائس والقتل والرشوة، واستمالة الأفراد بالمال، والنفاق، والكذب علي الله»، وقد سبقه «الكواكبي» – في كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد – إلي ذلك، حين قال: «ما من مستبد سياسي إلا ويتخذ له صفة قدسية يشارك بها الله، أو تعطيه مقاما ذا علاقة بالله»، ولم نعول علي أحكام البشر عامة والقرآن الكريم يذكر «وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري..».
طغيان باسم الدين
وعندنا أن ظاهرة الطغيان – باسم الدين – عرفتها المجتمعات الشرقية – منذ فجر التاريخ وإلي الآن – ثم تسربت إلي أوروبا التي ما لبثت أن لفظتها لتقيم الدولة المدنية الحديثة، بينما عانقتها المجتمعات الشرقية – لأسباب تاريخية – جغرافية – حتي أواخر القرن التاسع عشر، لتتجدد حاليا علي يد «الإسلامويين» الجدد.
ففي مصر الفرعونية، كان الفرعون «ابن الإله» – سواء أكان رع أم حورس أم خنوم أم غيرهم – فهو الذي يأمر النيل بالفيضان، وهو الذي يقوم بتأمين القمح والشعير من بذره إلي حصاده، وهو مستودع العلوم والمعارف التي يهبها لكهنته، وإرادته هي القانون، فهو «الناموس الأعلي» والكاهن الأكبر.
وفي بابل، كان الملك هو نائب الآلهة، لأنهم هم الذين وهبوه الحكم، لذلك كان يجمع الضرائب باسم الإله «بعل» أو «مردوخ»، وحتي الملك حمورابي الذي استن «القانون» ذكر أنه تلقاه من الإله.
وفي بلاد الفرس، جري تأليه «الأكاسرة» من قبل الرعية، فكانوا لذلك أول من أبدعوا نظرية «التفويض الإلهي»، التي أخذ بها بعض الخلفاء المسلمين، وأباطرة أوروبا العصور الوسطي، وكانت قد تسربت قبل ذلك إلي بلاد اليونان، ومن بعدهم الرومان، فمعلوم أن الإسكندر المقدوني بعد احتلال مصر، جري تتويجه من قبل كهنتها في معبد الإله آمون بواحة سيوه، كابن له، وبعد غزوه بلاد الفرس أعجب بنظرية «التفويض الإلهي» ومزج بينها وبين التقاليد المصرية في تأليه الحاكم، وهو أمر أنكره شعبه المقدوني.
درج حكام روما علي محاكاة «الثيوقراطية» الشرقية ذاتها، فاعتبر أنطونيوس نفسه هو «ديونيسيوس – أوزوريس» بعد زواجه من كليوباترا، كما تقمص الأباطرة الرومان – كاليجولا ونيرون ودوميتيان – روح آلهة الشرق، الأمر الذي أفضي إلي اتهامهم بالجنون من قبل الشعب الروماني، علي الرغم من تقديسه من قبل للإمبراطور أوكتافيانوس الذي اكتفي بأن يطلق علي نفسه لقب «الكاهن الأعظم».
لذلك، كان اضطهاد أباطرة الرومان – من أمثال دقلديانوس ونيرون للمسيحيين لا لكونهم يعتنقون دينا جديدا، بقدر رفضهم الاعتراف بتقديس الإمبراطور، ومعلوم أن الديانة المسيحية حضت أتباعها علي طاعة الحكام – وليس تقديسهم – «فما لقيصر لقيصر، وما لله لله»، لا لشيء إلا للعزوف كلية عن مباهج الحياة الدنيوية، باعتبارها حياة «الخطيئة»، خطيئة آدم، ومن بعدها خطيئة صلب السيد المسيح، وحسبنا قوله «مملكتي ليست في هذا العالم»، وهو أمر أكد عليه القديس أوغسطين في كتابه «مدينة الله» الذي اعتبر حكام الدنيا يدخلون في إطار ما أطلق عليه «مملكة الشيطان».
وإذ اعترف الإمبراطور قسطنطين بالمسيحية، فقد أضفي علي حكمه مسحة ثيوقراطية، وحسبنا أنه هو الذي كان يعقد المجامع «المسكونية» – العالمية – ويملي علي أساقفة كنائس القسطنطينية وروما وأنطاكيا والإسكندرية «العقيدة الصحيحة»، ويعتبر ما عداها هرطقة وإلحادا.
أما عن كنيسة روما الكاثوليكية، فقد اعتبر باباواتها أنفسهم ورثة القديس بطرس، لا لشيء إلا لاكتساب سلطة دنيوية – فضلا عن السلطة الروحية – مارسوها علي ملوك أوروبا، فالبابا هو الذي يقرر سلطتهم الزمنية، فيقوم بتتويجهم في كنيسة روما، وله الحق في عزلهم بإصدار قانون «الحرمان» الذي بمقتضاه يهدر دماءهم.
بابوات وملوك
وشهدت أوروبا العصور الوسطي صراعا طويلا بين الباباوات والملوك من أجل السيادة، كان يجري لصالح الباباوات في معظم جولاته، ولم ينته هذا الصراع إلا بعد تحول عميق في بنية المجتمعات الأوروبية نتيجة القضاء علي الإقطاع الفيودالي وظهور ثم انتصار البورجوازية.
وعندنا أن سطوة النظم الثيوقراطية كانت انعكاسا لنمط الإنتاج السائد في العالم القديم والعصور الوسطي، فقد ساد النمط العبودي العالم القديم في الشرق والغرب علي السواء.
وإذ وجدت – أحيانا – بعض إرهاصات بورجوازية نتيجة النشاط التجاري، فقد أفرزت بعض النظم المدنية الهشة، كما هو حال نمط «المدينة – الدولة» في بلاد اليونان، كذا في المدن الجمهورية بإيطاليا إبان العصور الوسطي التي سادها نمط الإقطاع الفيودالي، لذلك كان وجودها عابرا قصير العمر.
بديهي أن تختفي الدولة الثيوقراطية رويدا رويدا في ظل تنامي الطبقة البورجوازية، ويقضي عليها تماما – لصالح الدولة المدنية – بعد تحول البورجوازية المظفرة إلي النظام الرأسمالي.
وإذ لم تحدث في الشرق ثورة رأسمالية – إلي الآن – ظلت الشعوب تعاني ويلات «الطغيان الشرقي» المدعم ب «الثيوقراطية»، وهو ما عبر عنه ماركس وإنجلز في مقولتهما عن «نمط الإنتاج الآسيوي».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.