رغم كل ما جري من مخالفات في المرحلة الأولي من الاستفتاء علي الدستور وجه الشعب المصري لطمة قاسية لكل هؤلاء ، وصوت – رغم التزوير – بنسبة كبيرة وفارق ضئيل بلا علي الدستور الاخواني السلفي فلم يتجاوز الفارق بين الذين قالوا نعم (5ر56%) والذين قالوا لا (5ر43%) لم يتجاوز 13% . ولعبت النساء دوراً محورياً في الاستفتاء والتصويت بلا للدستور الذي يميز ضد النساء بصورة فجة . فطوابير النساء من مختلف الطبقات الاجتماعية أمام اللجان والانتظار ساعات من نساء كبيرات السن وأمهات تحملن أطفالهن كان أمراً لافتاً، خاصة مع إصرار العديد من النساء علي إعلان عزمهن علي التصويت بلا ، وهتافهن ضد خيرت الشاطر “يسقط يسقط حكم المرشد” وضد صبحي صالح. يري المراقبون إن درس استفتاء السبت في المحافظات العشر ، يؤكد للجميع أن الإقبال علي التصويت يوم السبت القادم والتصدي بقوة لمحاولات التزوير ، كفيل بإسقاط الدستور السلفي الاخواني ، وفتح صفحة جديدة في نضال المصريين – نساء ورجالا – من دولة مدنية ديمقراطية حديثة وعادلة في مصر. تباينت ردود الأفعال وتعددت القراءات للنتائج غير الرسمية للاستفتاء علي مشروع الدستور الذي صاغته الجمعية التأسيسية التي هيمن عليها جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة وحلفاؤها من أحزاب تيار الإسلام السياسي ، ودعا الرئيس د. محمد مرسي الناخبين للتصويت عليه بعد 15 يوماً من التصويت عليه بالإجماع في الجمعية التأسيسية . لقد تم الاستفتاء ( المرحلة الأولي) يوم السبت الماضي في عشر محافظات . وجاءت النتائج في مجملها لصالح الموافقة حيث صوت ب “نعم” 4 ملايين و597 ألفاً و382 شخصاً بنسبة 5ر56% ، مقابل تصويت 3 ملايين و537 ألفاً و264 شخصاً ب “لا” بنسبة 5ر43% . ورغم أن محافظتين فقط صوتا بلا بينما صوتت ثماني محافظات بنعم ، إلا أن القراءة التفصيلية قد تعني استنتاجات مغايرة. فالقاهرة عاصمة الجمهورية ومركز السلطة وأكثر المدن ازدحاماً بالسكان (8 ملايين و900 ألف نسمة) يمثلون 8ر9% من السكان (اجمالي السكان 86 مليون نسمة) صوتت ضد الدستور الإخواني السلفي بنسبة 9ر56% (مليون و256 ألفاً قالوا لا مقابل 950 ألفاً و532 قالوا نعم بنسبة 08ر43%) . وهو ما لفت نظر الصحف الأجنبية وصوتت معها محافظة الغربية التي توجد بها مدينة المحلة الكبري قلعة صناعة النسيج ومركز الإضرابات العمالية الكبري في التاريخ المصري. الفقر حاسما أما المحافظات التي صوتت بنعم علي الدستور فخمسة منها تقع في سيناء وصعيد مصر . ومحافظات الصعيد الثلاث هي – بالصدفة – أفقر ثلاث محافظات في مصر . فطبقاً للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ، فأعلي نسبة للسكان الفقراء في مصر هي أسيوط (69% من السكان تحت خط الفقر) تليها سوهاج (59% تحت خط الفقر) فأسوان (54% تحت خط الفقر) . وكان التصويت بنعم للدستور في هذه المحافظات مرتفعاً للغاية . ففي سوهاج صوت 469 ألفاً و493 ناخباً بنسبة (8ر78% بنعم) تليها أسيوط (449 ألفاً و431 ناخبا بنسبة 08ر76%) فأسوان (149 ألفاً و20 ناخبا بنسبة 22ر75%) . وفي محافظة شمال سيناء صوت بنعم 50 ألفاً و924 ناخباً بنسبة 30ر78% ، وفي جنوبسيناء صوت بنعم 11 ألفاً و697 ناخباً بنسبة 43ر63% . ودلالة هذه الأرقام واضحة . فالمحافظات الأفقر خضعت لتأثير المال واستخدام الدين التي استخدمها حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين بصورة واسعة . وفي سيناء لعبت سيطرة مشايخ رؤساء القبائل علي الناخبين وحرصهم علي تأييد الحاكم أملا في حل مشاكلهم دوراً في ارتفاع نسبة المصوتين بنعم . تزوير أسوان ومع التسليم بهذه الحقائق ، يظل هناك تساؤل حول تصويت أسوان لصالح الدستور . فالمعروف أن جماعة الاخوان المسلمين وتيار الإسلام السياسي ضعيف للغاية في محافظة أسوان ، بينما يتمتع التيار الناصري وحزب التجمع واليسار عامة بشعبية واسعة في المحافظة . وفي انتخابات مجلس الشعب 2011 أشارت النتائج الي تعادل نفوذ تيار الإسلام السياسي والأحزاب والقوي الديمقراطية والمدنية ، حيث فاز ثلاثة من المنتمين للتيار الأول (الحرية والعدالة – النور – البناء والتنمية) وثلاثة ينتمون للتيار الثاني (التجمع- الوفد – مستقل) . ومن الواضح أن التزوير كان واسعاً للغاية في أسوان ، فطبقاً للمراقبين في البيانات الأولي بعد قفل باب التصويت في الساعة الحادية عشرة مساء كانت تشير إلي انخفاض عدد المصوتين بصورة لافتة بحيث لا يتجاوز 26 ألفا في مراكز أسوان الخمس ، قفز فجأة في الرابعة صباحاً إلي 198 ألفاً و107 ناخبين. وقد لاحظ المراقبون أيضاً تقاعس أعضاء وأنصار جبهة الإنقاذ الوطني عن التصويت ، وكشفوا عن وجود اتفاق بين قيادات نوبية من المنتمين للحزب الوطني سابقاً ، واحد قيادات حزب الحرية والعدالة أدي للتصويت بنعم من جانب قطاع من النوبيين . وقضية التزوير ليست ظاهرة خاصة بأسوان فقط ، بل تكاد تكون ظاهرة عامة في المحافظات العشر بدرجات متفاوتة . وقد رصدت عدد من المنظمات الحقوقية قائمة طويلة في المخالفات وصولاً إلي التزوير ، كما جاءت في بيان “الائتلاف المستقل لمراقبة الانتخابات” والذي يضم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية ومركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية (أكت) ، و “المرصد الوطني لنزاهة الانتخابات” ، و”مركز سواسية لحقوق الإنسان ومناهضة التمييز” ، وبيان 6 منظمات حقوقية هي “المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ، والمجموعة المتحدة للمحامين والمستشارين القانونيين ، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان ، وحركة شايفينكم ..” الذي صدر ظهر الأحد تحت عنوان “رغم الثورة .. استفتاء علي الطريقة المباركية” . وأعلنت “الجبهة الوطنية للإنقاذ” أن النسبة الحقيقية للذين صوتوا بلا بلغت 66% ولكن تم تزوير النتيجة . لم يقسموا اليمين ورصدت هذه التقارير جميعاً أشكال التدخل والتزييف والخروقات المختلفة بداية من غياب الاشراف القضائي الكامل علي لجان الاستفتاء . ففي ضوء مقاطعة 90% من القضاة ووكلاء النيابة للاستفتاء ، أكتشف المراقبون والناخبون عدم وجود قضاة أو تولي موظفين في النيابة العامة رئاسة لجان الانتخابات في عدد كبير من اللجان ، ومشاركة قضاة من أعضاء الحركة “قضاة من أجل مصر” في الإشراف ورئاسة لجان الاستفتاء ، وذلك بالمخالفة لما كان قد سبق إعلانه من رئيس التفتيش القضائي من أنه لم يتم السماح لهم بالمشاركة في ضوء ما أفصحت عنه تلك الحركة من تأييدها للدستور الجديد محل الاستفتاء ، وعلاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين ، وشارك عدد من محامي “هيئة قضايا الدولة” في رئاسة اللجان رغم أنهم لم يقسموا اليمين القانونية لتولي مهامهم . ووقعت سلسلة من الممارسات الشاذة من بعض من تولوا رئاسة اللجان كقضاة ، مثل تعدي رئيسة لجنة بمدرسة الطبري (مصر الجديدة) بالفظ علي الناخبين وإغلاقها للجنة ، وقيام قاض بتمزيق ورقة التصويت لناخبه (وهي عضوة بالائتلاف المستقل لمراقبة الانتخابات) عندما طلبت التحقيق مع شخصيته ، وقيام قاض بتسويد ورقة في لجنة بمحافظة الشرقية بنعم في بطاقات التصويت ، وتوجيه قاض في لجنة ببلبيس ( الشرقية) لأكثر من 100 ناخب للتصويت بنعم ورده علي اعتراض المراقبين قائلاً “أعلي ما في خيلكم أركبوه” ، وقيام قاض في المعادي بفتح صندوق الاقتراع بعد بدء التصويت. ومن أشكال التزوير والخروقات الأخري ، منح المجلس القومي لحقوق الإنسان برئاسة المستشار حسام الغرياني 35 ألف تصريح مراقبة لأعضاء جماعة الإخوان ، ورفض منحها لأعضاء المنظمات الحقوقية ، ووجود بطاقات للتصويت غير مختومة بختم اللجنة العليا للانتخابات ، وحبر فوسفوري تتم إزالته بسهولة ، ومنع الصحفيين والإعلاميين ومندوبي منظمات حقوق الإنسان من المتابعة داخل اللجان ، ووجود سلفيين يتولون العملية الإدارية داخل اللجان ، وحشد جماعة الإخوان مجموعة من الأطفال يرتدون زياً موحداً ويحملون أعلاماً مكتوباً عليها “نعم” ، وعدم وجود أسماء الناخبين ، واغلاق بعض اللجان قبل الموعد المحدد بأربع ساعات رغم وجود مئات الناخبين أمام اللجنة . بلطجية باسم الدين ولا يمكن تجاهل المناخ والأوضاع التي جري الاستفتاء في ظلها . لقد مارست جماعة الإسلام السياسي بما في ذلك الإخوان والسلفيين وأنصار حازم أبو إسماعيل أشكالاً مختلفة من العنف . فتعرضت المحكمة الدستورية العليا – ومازالت – للحصار ومنع قضاتها من الدخول للمحكمة ، مما أدي لتأجيل نظر كل القضايا لأجل غير مسمي . ووقفت أجهزة الأمن – لاتزال – متفرجة علي انهيار دولة القانون في مصر علي يد بلطجية وميليشيات تيار الإسلام السياسي ! وتعرض المتظاهرون أمام قصر الاتحادية لهجوم مباغت من الإخوان المسلمين واعتداء بالضرب وإلقاء القبض علي ما يزيد علي 150 منهم وتعذيبهم بوحشية أمام بوابة رئيس الجمهورية . وعندما اكتشفوا أن الحسيني أبو ضيف قام بتصوير جرائمهم خلال التغطية الصحفية لأحداث الاتحادية ، اتخذوا قرارا بدم بارد باغتياله فسقط في دمائه وانتزعوا آلة التصوير التي تسجل كل ما ارتكبوه من تعذيب وحشي . وقام أنصار حازم صلاح أبو إسماعيل بحصار مدينة الإنتاج الاعلامي ، ثم قاموا باقتحام حزب الوفد ومقر جريدة الوفد وإشعال النيران وتهشيم عدد من السيارات المتواجدة بمحيط الحزب وتحطيم بعض النوافذ وإطلاق رش خرطوش وشماريخ. كما ألقت مباحث القاهرة القبض علي الحارس الشخصي لخيرت الشاطر أمام إحدي لجان القاهرةالجديدة أثناء الاستفتاء وبحوزته سلاح ناري ( طبنجة ) وخمس طلقات نارية . النصاري وحدهم والي جانب العنف المادي كان هناك عنف معنوي ومحاولات للتأثر علي الناخبين باستخدام الدين والمال . فقامت جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة بتوزيع مواد تموينية خلال حملات “طرق الأبواب” تضم سكر وزيت وسمن وشاي ومكرونة وأرز مقابل الوعد بالتصويت بنعم ، ومدعين أن من سيصوت بلا خارج عن الإسلام. وان النصاري فقط هم من يرفضون الدستور الجديد . كما قام أعضاء حزب النور بتوزيع اسطوانات البوتاجاز علي المواطنين بسعرها الحقيقي أي خمسة جنيهات بدلاً من 30 جنيها. ودخل الشيخ القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين علي الخط ، فحذر أن رفض الدستور والتصويت بلا سيؤدي لخسارة مصر لاستثمارات قطرية تصل الي 20 مليار دولار ! وأصدرت الجماعة السلفية الجهادية بسيناء بياناً يوم الجمعة ، كفرت فيه من يوافق علي الدستور الجديد لوجود مواد “علمانية وليس لها علاقة بالشرعية الإسلامية” .