الفقر في الوطن غربة، والغني في الغربة وطن ، هكذا قال «علي بن ابي طالب رضي الله عنه»، وهكذا بدأ كلامه الدكتور «ممدوح عقل» دكتور الأمراض العقلية بمستشفي العباسية الحكومي وذلك عندما سألناه عن رحلته مع الراتب الحكومي البسيط الذي يتقاضاه وكيف ينفقه. واستكمل حديثه قائلا: بعد سبعة وعشرين سنة خدمة في مستشفيات الحكومة أنا بقبض رسميا 704 جنيهات فقط.. ويستكمل حديثه قائلا إنه ينتهي بعد أول اسبوع حيث يصرف في اليوم الواحد من 80 إلي 100 جنيه ليكفي حاجات اسرته المكونة من اربعة أفراد زوجته وأولاده الاثنين أحدهما في الاعدادية والآخرفي كلية التجارة، مؤكدا أنه يحتاج إلي اكثر من ألفي جنيه شهريا كي يلبي حاجات الاسرة الأساسية.. هذا باستثناء الفواتير والدروس الخصوصية للأولاد بمعني أن هذا المبلغ يكفي الأكل والشرب فقط. أما عن الفواتير فتختلف في الصيف عن الشتاء لكن متوسطها يكون كالآتي: - فاتورة الكهرباء : 180 جنيها. فاتورة المياه كل شهرين 100 جنيه. فاتورة التليفون كل ثلاثة شهور من 280 جنيها، هذا غير كروت شحن الموبيلات وإلي جانب صيانة سيارته الصغيرة المتهالكة. ويروي ذكرياته أول راتب تقاضاه في حياته عندما تم تعيينه ، قائلا: «حاجة وخمسين جنيه» لكنهم لم يكفوني ايضا فبمجرد شراء كيسين فاكهة أو هدية لصديق قبل الزواج كان الراتب ينتهي من 18 في الشهر. وعن كيفية تحايله علي هذه الظروف الاقتصادية يقول لولا مساعدة زوجتي كنا عانينا معاناة كبيرة حيث تعمل زوجته مدرسة وتساهم بشكل كبير في مصروف البيت من دخلها كي تسير الحياة.. ويضيف دكتور ممدوح أنه يقوم بالعمل بمستشفيات أخري بعد اوقات العمل الرسمية بمستشفي العباسية حتي يستطيع أن يكفي احتياجاته هو وأولاده. أما عن ارقام العلاوات التي يحصلون عليها فوصفها بالأرقام الوهمية فلا توجد علاوات كل فترة كما يقال، إلي جانب أن الحد الادني الذي يفرضه البنك الدولي للموظف هو 2 دولار يوميا وأنا وأسرتي عائلة مكونة من أربعة افراد أي بما يعادل 8 دولارات في اليوم أي 1200 جنيه شهريا وأنا بعد أخذ تلك العلاوات راتبي لا يصل لهذا المبلغ!! فالأجور في مصر تعتبر اعانة بطالة وليست أجورا حقيقية فهي اجور غير انسانية لأن الاجر الحقيقي لابد أن يغطي الاحتياجات الاساسية للفرد من مأكل وملبس ورعاية صحية ثم يكون منه جزءا كحد أدني للتوفير الشخصي.. مؤكدا حكومتنا بتعايرنا لأن الاسعار لدينا أقل من البلدان الاخري بالخارج، ولكن هذا غير صحيح فهي مسألة نسبية فالأجور في مصر غير آدمية وقليلة جدا عكس الخارج.. حيث أن أسعار المأكل وحده تلتهم ضعف الراتب الذي اتقاضاه فالمأكل والمواصلات أو وجود سيارة تحتاج لصيانة تعتبران بندين كافيين لالتهام اي دخل حكومي.. ويتوقع د. ممدوح ان ارتفاع الاسعار سيلتهم اي علاوة أو زيادة قائلا أن أي بلد في العالم يحدث بها انخفاض وارتفاع في الاسعار إلا مصر دائما بها ارتفاع في الاسعار ولا يقابله إلا ارتفاع في الاسعار. ويقول د. ممدوح للاسف مصر دولة مستهلكة واصبح لدينا ثقافة غريبة وهي أن الشخص الذي يستهلك اكثر هو الاكثر وجاهة حتي الشركات الحكومية اصبحت تقوم بدور الموزع والتاجر ولا تقوم بعمل انتاجي فأصبح من يملك ويستهلك اكثر هو الاكثر احتراما وارتفاعا في السلم الاجتماعي والاقتصادي ، وهذا له مردوده السيئ علي اولادنا لذا فأنا احاول أن اوفر متطلباتهم بقدر الامكان ولكن هذا لا يمنع عدم مقدرتي في بعض الاوقات علي تلبية بعض مطالبهم وتأجيلها للشهر القادم. وأخيرا عندما سألنا : عن طلباته فرد سريعا دون تفكير، أطلب الستر من الله لي ولأسرتي ولجميع موظفي وزارة الصحة ، كما أطالب الحكومة وبشدة بزيادة الاجور بحيث يكون الحد الأدني للطبيب حديث التخرج من 1000 إلي1200 جنيه، أما الاطباء القدامي فيكون الحد الأدني حسب تدرجه الوظيفي وأطالبهم بزيادة سنوية 10% علي الراتب.