الخروج من دائرة الفعل حتي كبار المفكرين الأمريكيين اليهود أصبحوا ساخطين علي أنظمة الحكم العربية بسبب تخاذلها أمام العربدة الإسرائيلية. ويحاول المفكر الأمريكي اليهودي نعوم تشومسكي أن يكون رقيقا ومهذبا.. بقدر الإمكان.. وهو يحلل مواقف العرب. يقول إن علي العرب أن يقلعوا عن «الطيبة الزائدة علي الحد»، ويستيقظوا ويستخدموا أسلحتهم الاقتصادية حتي لا يجدوا أنفسهم خارج دائرة الفعل. إنه يصف الوساطة الأمريكية لتسوية النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي بأنها «مزحة»، فالرئيس الأمريكي باراك أوباما لا يكترث بهذه القضية في حقيقة الأمر، وسوف يسير علي نهج أسلافه الديمقراطيين والجمهوريين، الذين ساندوا ودعموا إسرائيل. ويري تشومسكي أن ما يوصف بأنه خلاف بين أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.. هو خلاف مؤقت وتأثيره محدود، لأن العرب والمسلمين - كقوة مؤثرة - غير موجودين في أمريكا. ورغم أن تشومسكي يسلم بأن إسرائيل أصبحت تشكل عبئا علي الولاياتالمتحدة وبأن الساحة الأمريكية تتغير في غير صالحها.. فإن غياب الضغط العربي والإسلامي يعوق تبلور رأي عام أمريكي ضاغط في اتجاه وضع المصالح الأمريكية فوق المصالح الإسرائيلية، كما أن إسرائيل، التي تشعر بهذا التغير في الساحة الأمريكية تحاول البحث عن مخرج عن طريق توريط الولاياتالمتحدة في حرب ضد إيران. وتنظر أمريكا إلي إسرائيل باعتبارها الذراع العسكرية للحفاظ علي المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، ومن هنا يوضح تشومسكي أن إسرائيل لا تتلقي الدعم من السياسيين والعسكريين فقط.. فالدعم الأكبر يأتي من مجتمع رجال الأعمال في «وول ستريت» والاحتكارات الصناعية والبترولية، بالإضافة إلي الكونجرس ووسائل الإعلام واللوبي اليهودي. ويقول تشومسكي إن أوباما لا يملك العصا السحرية، وحتي لو امتلك هذه العصا، فإنه لن يستطيع استخدامها، لأنه ليس رئيسا عربيا ليكون صاحب الكلمة الأولي والأخيرة في القرار.. ففي أمريكا سلسلة طويلة من صناع القرار.. آخرها الرئيس نفسه.. ثم إن أوباما غارق في مشاكله الداخلية، وأهمها الأزمة المالية وأوضاع القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق، بالإضافة إلي دفاعه عن نفسه بأنه ليس مسلما، كما أن فريق العمل المحيط به ينتمي إلي إسرائيل. المهم أن تشومسكي يري أنه لن يكون هناك تحول جذري في الموقف الأمريكي إزاء إسرائيل إلا بوجود ضغط عربي وإسلامي علي الولاياتالمتحدة، وأن هذا يتطلب فتح حوار من نوع جديد قائم علي المصالح والندية والتبادلية.. وانتقال العرب من موقع المانح بالمجان.. والعطاء بلا مقابل إلي الإفادة والاستفادة.. حتي تستقيم المعادلة. هل يستطيع القادة العرب أن يحققوا أمنية هذا المفكر الأمريكي اليهودي؟.. أم أنهم خرجوا من دائرة الفعل.. ومن التاريخ منذ وقت طويل؟! وهل صحيح أنها مشكلة «الطيبة الزائدة علي الحد» - كما يقول تشومسكي المهذب - أم أن المشكلة أبعد وأعمق.. وأخطر من ذلك بكثير؟!.