علي مدي أربعة وثلاثين عاما استطاع مهرجان القاهرة السينمائي الدولي أن يحقق مكانة عالمية كبيرة علي الساحة السينمائية العربية والدولية، وتحدي العراقيل والصعاب، محققا للفن المصري سمعة فنية طيبة، وشهرة عالمية، وموقعا متميزا في المهرجانات الدولية المماثلة. ونجح خلال تاريخه الطويل في استقطاب جمهور سينمائي كبير، وفتح نوافذ علي السينما العالمية المتنوعة من مختلف أنحاء القارات. إلا أن المهرجان يمر الآن بمنعطف خطير يكاد أن يعصف به، لقد اشتعلت الحرائق ولم تهدأ قط عقب إسناد وزارة الثقافة، إدارة المهرجان لجمعية “مؤسسة مهرجان القاهرة السينمائي” والتي يترأسها الناقد يوسف شريف رزق الله، الأمر الذي اغضب أعضاء “جمعية كتاب ونقاد السينما” التي يترأسها ممدوح الليثي، ويتجاوز عمرها 40 عاما. واحتدم الصراع لدرجة تقدم ممدوح الليثي بدعوي قضائية ضد وزارة الثقافة تفيد بأن الوزارة لا تعمل وفق قوانين محددة بسبب إسنادها مسئولية “مهرجان القاهرة السينمائي الدولي” في دورته المقبلة إلي مؤسسة مهرجان القاهرة السينمائي، وليس لجمعية كتاب ونقاد السينما.. تري ما هو مصير المهرجان في ظل تلك الأحداث؟ لمحات سينمائية يذكر أن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بدأ أولي فعالياته في عام1976، علي أيدي الجمعية المصرية للكتاب والنقاد السينمائيين برئاسة كمال الملاخ، وكان أول مهرجان سنوي، وأصبح حدثا ضخما للغاية بمقاييس المهرجانات العالمية الكبري من حيث الإقبال الجماهيري، وعدد أفلامه، ومن خلال اعتماده من قبل الاتحاد الدولي للمنتجين، ثم شكلت لجنة مشتركة من وزارة الثقافة ضمت أعضاء الجمعية واتحاد نقابات الفنانين للإشراف علي المهرجان عام 1985، الذي تولي مسئوليته الأديب الراحل سعد الدين وهبة، حيث احتل مهرجان القاهرة خلال تلك الفترة مكانة عالمية. لدرجة أن تقرير الإتحاد الدولي لجمعيات المنتجين السينمائيين عام 1990 حدد أهم ثلاثة مهرجانات للعواصم، فجاء مهرجان القاهرة السينمائي في المركز الثاني بعد مهرجان لندن السينمائي، بينما جاء مهرجان ستوكهولم في المركز الثالث. ثم تولي الفنان حسين فهمي رئاسة المهرجان لمدة أربع سنوات من عام 1998 وحتي عام 2001، إلي أن تولي إدارته شريف الشوباشي حتي عام 2005 ليرأسه بعد ذلك الفنان د.عزت أبو عوف لمدة أربع دورات. وعقب ثورة يناير تقدم عزت أبو عوف باستقالته، وألغيت دورة عام2011، خوفا من الانفلات الأمني، بعدئذ قرر الوزير الأسبق د. عماد أبو غازي أن تتحمل الجمعيات الأهلية مسئولية المهرجانات، حتي تتخفف الدولة من تلك الأعباء، ولكي تترك فرصة للجمعيات والمجتمع المدني، أن يلعبا هذا الدور. اشتعال الأزمة عقب حكم محكمة القضاء الإداري الصادر يوم الثلاثاء الموافق 10 يوليو الجاري، برئاسة المستشار عبد السلام عبد المجيد النجار نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشار سامي رمضان نائب رئيس مجلس الدولة، والمستشار جمال محمد نائب رئيس مجلس الدولة، الذي قضي بإيقاف القرار بإسناد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي إلي جمعية كتاب ونقاد السينما. كما ألزمت المحكمة وزارة الثقافة بإعادة الإعلان عن إسناد إدارة المهرجان بين الجمعيات المتخصصة وفقا لشروط ومعايير شفافة، كما ذهبت المحكمة إلي أن الجمعية التي يمثلها يوسف شريف رزق الله لم تكن مستوفاة للشروط التي وضعها مجلس إدارة المركز القومي للسينما، حيث إنها كانت في ذلك الوقت جمعية تحت التأسيس ولم تكن مشهرة. بالتالي بات المهرجان مهددا بعدم إقامته في الموعد المحدد في نهاية العام الجاري، خاصة أن تم إلغاء المهرجان العام الماضي، وهو الموقف الذي تفهمه الاتحاد الدولي للمنتجين، الذي يمنح الشرعية الدولية للمهرجانات، لذا فمن المحتم إقامة المهرجان هذا العام حتي لا يفقد سمعته وصفته الدولية، خاصة أن هناك ثلاثة مهرجانات تتنافس للفوز بالصفة الدولية، وهي مهرجانات تل أبيب ومراكش ودبي. من جانبه أعلن يوسف شريف رزق الله رئيس المهرجان أن القرار يعيد الأمر إلي نقطة البداية، ليصبح في يد وزارة الثقافة، رغم أنها قالت لنا من قبل إنه ليست لها علاقة بالمهرجان، والمركز القومي للسينما كان طرح تأسيس جمعية لإدارة المهرجان ونحن تقدمنا لها وأنشأنا مؤسسة وأعددنا اللائحة ووضعنا مجلس الإدارة، وكل شيء فعلناه كان قانونيا. تعطيل المهرجان رحب ممدوح الليثي بقرار المحكمة، وقال إن وزير الثقافة الأسبق كان يجب عليه أن يعلن عن مسابقة لإدارة المهرجان، تتقدم لها الجمعيات وفقا للشروط المعلنة، والتي من أهمها أن تكون الجمعية مشهرة، خاصة وأن الجمعية التي يترأسها الناقد يوسف شريف رزق الله ليست مشهرة، وإنما هي تحت التأسيس. مؤكدا أنه سيتقدم للمسابقة التي سوف تعلن عنها الوزارة لتنظيم وإدارة المهرجان، ووجه الليثي نصيحة مفادها أن تشرف وزارة الثقافة علي المهرجان هذا العام، كي يخرج المهرجان في موعده دون تأخير حتي لا يتهمنا أحد بتعطيل المهرجان والإساءة لسمعته. بينما رفض المخرج د. مجدي أحمد علي رئيس المركز القومي للسينما أن يعلق علي حكم القضاء الصادر بخصوص الدعوي التي رفعها ممدوح الليثي من أجل تنظيم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الخامسة والثلاثين. ورفض أيضا الإفصاح عن الخطوات القضائية التي ستتخذها وزارة الثقافة لاحقا لهذا الشأن. مؤكدا أنه ينتظر مبادرات من جمعية “نقاد وكتاب السينما” لإثبات حسن نيتها وعدم تحكم رئيسها فيها. جاء ذلك خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده “المركز القومي للسينما” ، برئاسة د. مجدي أحمد علي، لإيضاح كيفية مواجهة الأمر، عقب حكم محكمة القضاء الإداري الخاص بمهرجان “القاهرة الدولي السينمائي”. أصل الحكاية أشار د. مجدي إلي البيان الذي أصدرته وزارة الثقافة بخصوص الحكم، جاء فيه أن د. عماد أبو غازي وزير الثقافة الأسبق اصدر قراراً بأن يصبح مجلس إدارة المركز القومي للسينما هو المسئول عن وضع قواعد احترافية عامة ومجردة للمهرجانات السينمائية، ثم طالبت جمعية “نقاد وكتاب السينما المصريين” بنيل الدعم لإقامة المهرجان، وفضل المجلس دعم جمعية “مهرجان القاهرة” لأن جمعية “نقاد وكتاب السينما” تنظم مهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط، كما أنهم لم يقدموا أي تصور لإقامة مهرجان القاهرة، فلجأ الليثي للقضاء الذي حكم بإيقاف القرار بإسناد مهرجان القاهرة الدولي إلي جمعية “مهرجان القاهرة”، وبعد دراسة حكم المحكمة ومناقشته في أجهزة وزارة الثقافة المختلفة، أعلنت الوزارة في بيانها أن الحكم لم يقض بإلغاء المهرجان وإنما بإعادة الإعلان عن شروطه، وأن الوزارة اتبعت كل الوسائل الشفافة لدعم المهرجانات، ولا مصلحة لها في تغلب أي طرف علي الآخر، وأوضحت أن عدم إقامة دورة المهرجان في موعدها المحدد سوف يؤثر علي سمعة مصر الدولية علي المستوي الثقافي، وقد يؤدي إلي سحب الاعتراف الدولي بالمهرجان لعدم إقامته للعام التالي علي التوالي، مؤكدة علي عزمها إقامة المهرجان في موعده وفقا لشروط الحكم. وأهابت بجميع مثقفي مصر البعد عن الخصومات الشخصية التي قد تؤثر علي التزاماتهم الثقافية تجاه العالم كله. كما قرأ د. مجدي بياناً آخر صدر عن “لجنة السينما”بالمجلس الأعلي للثقافة ، أستنكر فيه موقف الليثي بطلب تنظيم المهرجان، وأن الحكم لم يقض بأحقية جمعية “كتاب ونقاد السينما” في الاستئثار بالمهرجان. في السياق ذاته انتقد محمد قناوي عضو مجلس إدارة جمعية “كتاب ونقاد السينما” الحكم باعتبار أنه جعل المهرجان كمناقصة حكومية تختار في النهاية من ينظمها، الأمر الذي اتفق عليه الحضور مع د. مجدي الذي أكد أن تنظيم المهرجان عمل احترافي شديد الخصوصية لا يجب أن يطرح كالمناقصة. أعرب د. مجدي عن تفاؤله بإقامة المهرجان دون أي خطر، ووصف ما يحدث ب”صراع ضغائن”، مشيرا إلي أنهم سوف يوضحوا الأمر علي القضاء لإقامة المهرجان مع احترامهم لنزاهته. صناع السينما علي صعيد آخر اقترح د. مجدي وضع لائحة جديدة للمهرجان “القومي للسينما المصرية”، الذي لم يقم في دورتيه الأخيرتين؛ لأن هذا المهرجان الوحيد الذي يكرم صناع السينما المصرية كبديل لجوائز الدولة. وسوف تتم مناقشة موضوع اللائحة الجديدة مع النقاد وصناع السينما. مشيرا إلي أن لائحة المهرجان ستشبه المسابقة؛ حيث يتقدم إليها كل الأفلام التي خرجت في العام، مع عدم استبعاد أي من العناصر، وزيادة قيمة الجوائز. بالإضافة إلي وجود لجنة تصفية أولية بعدد مناسب، أما المحكمون سوف يكونون من جميع المهتمين والنقاد والعاملين في الصناعة في مصر. وسوف تصمم استمارة ذات طابع سري ونقاط محدده؛ حتي لا يحكم علي جهود الأفلام بذوق محدود من أشخاص اللجنة. وأضاف د. مجدي أن المركز “القومي للسينما” سيبذل جهدا بحثيا طوال العام كجزء من مسئولياته للبحث عن جميع الأفلام وتأملها، وتحويلها بشكل لائق للمشاهدة، وسوف يقومون بتوفير أساليب وأماكن عرض، ولن يرتبط هذا بسياق حدث معين، علي أساس أن يكون المهرجان طوال العام.