صلاح عيسي: مازالت هناك وثائق نسعي للإفراج عنها ليستطيع المؤرخون الاتسام بالموضوعية كتبت: هبة صلاح تاريخ ثورة يوليو.. تلك الفترة المليئة بالاحداث علي جميع الاصعدة تم التأريخ لها والكتابة عنها ، ونجد ما كتب عنها متضاربا احيانا ومنحازا حينا اخر او متناقضا واحيانا متسق مع الواقع ،حيث اختلط العديد منها بالسياسية والرؤي الشخصية والذاتيه مما تسبب في تعدد الاتجاهات نحو الثورة وتأثيرها علي نفوس الاجيال التي اعقبتها.. نقف في السطور القادمة علي كيفية التأريخ لثورة يوليو وما النقاط التي اغفلها المؤرخون وتقييمها. اوضح د.رفعت السعيد ،المؤرخ ورئيس حزب التجمع ،ان علم التأريخ هو علم بالغ التعقيد ويشار له بمقولة شهيرة لمؤرخ يدعي “ميشيليه” قال إن التاريخ يتكون من نصفين احدهما جميل وهو الحكايات والروايات والنصف الاخر القبيح وهو الحقائق وعلينا ان نهتم نحن المؤرخين بهذا النصف القبيح. وقال د.”السعيد” علينا ان نعترف بانه لا يوجد مؤرخ محايد بشكل كامل ، لانه عادة ما يلقي نظرة علي الوقائع ويفهمها وفق تصوراته وانحيازاته. الاجانب وعرض د.”السعيد” رؤيته لثلاثة انواع للكتابة عن ثورة يوليو اولها هي كتابات المؤرخين الاجانب وهي عشرات الكتب وتميزت كتباتهم بنظرتهم الاكثر دقة وموضوعية لكونها تنظر من زاوية بعيدة. أبناء الثورة اما النوع الثاني فهو الكتابات التي صدرت عن ابناء ثورة يوليو انفسهم الذين كتبوا مذكراتهم. مثل خالد محيي الدين ،وعبد اللطيف البغدادي ،وحسين حمودة ،وعبد الفتاح ابوالفضل ،وثروت عكاشة ، واحمد حمروش. ويجد د.”السعيد ” ان من بينها ما هو مثير للدهشة بين التفاصيل خاصة تلك المتعلقة بليلة الحادث عندما قام طابور جيش يوسف صديق بالقبض علي عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، حيث كان يجلس يوسف صديف في مكتب القائد العام لحين قدوم جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر بعد ان افرج عنهما ليتسلما منه السلطة تلك الواقعة التي لا تذكر. خبايا التاريخ واشار د.”رفعت “الي وجود العديد من الفروق في مذكرات قيادات يوليو ، واعرب عن رغبته في ان يقوم احد الطلاب باعداد رسالة دكتوراة عن هذا الامر وعن تأثير ذلك علي نظرة الناس الي الثورة وما تحمله تلك المذكرات من حقائق، فالكثير من الحقائق لا يمكن اكتشافها الا بالتعمق ،وأوضح د.”السعيد” انه لاتزال توجد خبايا كثيرة في التاريخ. مؤيدو ومعارضو ناصر اما النوع الثالث من الكتابات عن ثورة يوليو كما يراها “السعيد ” هم المؤرخون الذين حاولو كتابة تاريخ ثورة يوليو ويصنفهم “السعيد” هم اما مؤيدون لجمال عبد الناصر وهم الأكثر ومن ابرزهم د.عبد العظيم رمضان وعاصم الدسوقي ،وقلما تكتشف بعض الحقائق الناقدة لعهد عبد الناصر، وكان من اكبر الاخطاء هو قيام هؤلاء المنحازون لعبد الناصر بتبرير اخطائه التي تمثلت في عملية عسكرة الدولة، وتبريرها بانهم اهل الخبرة والثقة. كما يوجد مؤرخون اخرون من خصوم عبد الناصر وهم ينتمون لجماعة الاخوان المسلمين ويري د.”السعيد” انهم يقومون بتلوين الحقائق والوقت الذي يؤكدوا ان حادثه المنشية تعرض فيها جمال عبد الناصر لاطلاق الرصاص غير حقيقية وانهم ليسوا متورطين فيها. في الوقت الذي كتب مؤرخون منشقون عن الاخوان انها كانت محاولة للانقلاب و هاجمت مذكراتهم مسلك الاخوان المعادي تجاه عبد الناصر. لذلك يؤكد د.”السعيد” ان التاريخ اذا تلون بالسياسة يكون “دمه تقيل” علي حد قوله، ويستكمل رؤيته قائلا ،كما ظهرت ايضا كتابات حاولت ان تضع عبد الناصر في المعيار الصحيح باعتباره حقق نتائج ايجابية في الجانب السياسي والاقتصادي ،واخطاء فادحة في جانب الديمقراطية ،وما يجسد هذا قول الشاعر الجواهري قاصدا عبد الناصر “لا يعصم المجد الرجال ..وانما العظيم المجد والاخطاء “. معادية للثورة هذا فضلا عن انه تم استخدام الجانب السلبي من عصر عبد الناصر لخلق رؤية تاريخية معادية لثورة يوليو. ويؤكد “السعيد ” انه لايمكن فهم تاريخ ثورة يوليو إلا بالالمام بعناية بكل هذه الكتابات ثم استخلاص ما يمكن ان يتصور المؤلف انه الحقيقة. وثائق اما عن وثائق ثورة يوليو فيقول “السعيد” إن بعضها تم اخفاؤه من الضباط الاحرار ومنه ما يخص التنظيم الطليعي. اما الوثائق الموجودة بالخارج فيوضح “السعيد ” ان اغلبها تقارير السفراء وليس شرطا ان تكون صحيحة وانما احيانا تكون لتوجيه الدولة نحو وجهة معينة. وأشار “السعيد” انه بمحاولات التأكد من بعض الوثائق وبالعودة للمصادر الاساسية منها تأكد عدم صحة الكثير منها. واخر تجربة في جمع الوثائق يشير إليها “السعيد” كانت لجنة لجمع وثائق ثورة يوليو ولم تلقي اهتماما من احد ،هذا بالاضافة الي جهود طارق حبيب في إجراء لقاءات مع ضباط يوليو، وكذلك جهود هدي عبد الناصر الخاصة بالوثائق الشخصية عن عبد الناصر. مسرح الاحداث وفي السياق ذاته يقول الكاتب والمؤرخ “صلاح عيسي “،رئيس تحرير جريدة القاهرة، إن هناك دراسات كثيرة تاريخية صدرت عن ثورة يوليو ومن المتوقع ان تزداد بعد مرور 50 عاما اخرين علي الثورة ،لانها بذلك تنتقل من التاريخ المعاصر الي التاريخ الحديث. يوضح “عيسي” ان جزءا كبيرا من الوثائق التي نشرت هي المذكرات الشخصية التي كتبها من كان علي مسرح الاحداث مثل ، مذكرات عبد اللطيف البغدادي ،انورالسادات ،محمد نجيب ،ومذكرات وزراء سابقين ، بالاضافة الي كتاب محمد حسانين هيكل ، حرب الثلاثين سنة، وايضا يوجد عدة كتب تتضمن وثائق مهمة مثل تلك التي نشرها عبد المجيد فريد ،وكذلك ما كتبه اللواء احمد حمروش ، وكتاب مهم لفخري لبيب عن علاقة عبد الناصر بالشيوعيين ، وكذلك كتب جمال حماد. ويستطرد “عيسي” فضلا عما كتبه رئيس مخابرات عبد الناصر ،صلاح نصر، من عدة كتب مهمة عن ذكريات بينه وبين عبد الناصر خاصة كتاب ،المصير والمسير. وكذلك يوجد مصادر كثيرة اخري ، من بينها ما نشرته د.هدي عبد الناصر من محاضر اجتماعات الللجنة المركزية الخاصة بعبد الناصر فضلا عن تلك التي جمعتها هدي عبد الناصر من المتحف البريطاني. الوثائق المحجوبة ويعتقد “عيسي” انه لا يزال هناك وثائق مخفية خاصة بعد تدمير وثائق التنظيم الطليعي اثناء حملة 15 مايو الشهيرة ،بالاضافة إلي الوثائق المحجوبة التي من بينها ملفات الوثائق الخاصة باجتماعات وزراء الخارجية ، ووثائق مكتب المشير عبد الحكيم عامر، فهي مازالت مختبئة ولم يطلع عليها احد من المؤرخين، وكذلك وثائق امن الدولة والكثير منها موجود بدار الوثائق المصرية. والذي يدعوه” عيسي ” بالافراج عنها واتاحتها لتمكين المؤرخين من درجة اكبر للموضوعية. مضيفا بوجود العديد من الوثائق الاجنبية محجوبة وممنوع الاطلاع عليها ايضا ،مثل تلك المتعلقة بالعلاقات البريطانية والسوفيتية. ويري”عيسي” ان العنصر الذاتي تفاوت بين المؤرخين والكتاب ،وعلي سبيل المثال ،فبالرغم من الجهد الكبير الذي بذله “هيكل” لكنه لا يستطيع فصل نفسه عن كونه احد معايشي ومنظري ثورة يوليو، وبالتالي تكمن الصعوبة في التخلي عن البعد الذاتي في تناول الثورة لدي اغلب الكتاب والمؤرخين.