في مشهد من فيلم "ليه.. يا هرم"، إنتاج 1993، فكرة وإخراج "عمر عبد العزيز" – تدور مناظَرة في برنامج تليفزيوني، بين اثنين من المسؤولين واثنين من المثقفين، حول مشروع أمريكي لنقل الهرم الأكبر بزعم وجود بترول تحته. يعترض المثقفان على المشروع لأنه بيعٌ للتاريخ، يَرُد المسؤولان بأنَّ المشروع ليس بيعاً لكنه نقلٌ للهرم إلى مكان آخر، وأنَّ سبب قبول المشروع هو أن عوائده ستحرر مصر من دوامات الاستدانة من صندوق النقد الدولي، يَرُد أحد المثقفين بأنَّ هناك سياساتٍ تقشفية، مقاوِمة، بديلة عن الاستدانة ونقل الهرم، في دولتنا الفقيرة التي لا تنتج ما تحتاج وتستورد ما لا تحتاج. كان هذا المثقف هو المخرج والسيناريست " مدحت السباعي". في عام 1981 أخرج "مدحت السباعي" فيلم "وقُيدت ضد مجهول" الذي يختفي فيه الهرم الأكبر في ظروف غامضة لن يُكشف سرها طوال الفيلم. وبعد اثني عشر عاماً ظهر كضيف شرف في فيلم "ليه.. يا هرم" الذي يكشف تفاصيل مشروع نقل الهرم الأكبر. لقد أخفى "مدحت السباعي" الهرم بعصا الواقعية السحرية، أما "عمر عبد العزيز" فلم يستخدم السحر في تناوله لمشروع نقل الهرم. ورغم أن الفيلمين من أفلام الدرجة الثانية، ورغم خلو "ليه.. يا هرم" من الحِيَل الفنية المستخدمة في "وقيدت ضد مجهول"، إلا أنه أكثر نضجاً من الأخير في تناول القضية الكامنة وراء الفيلمين وهي: مشروع هضبة الهرم الذي عقدته وزارة السياحة، في عهد السادات عام 1977، مع شركة أجنبية لبيع أرض هضبة الهرم، بثمن بخس، لعقد مشروع سياحي، وقد أُعلِن عن هذا المشروع في الجرائد الأجنبية قبل المصرية. رفعت الكاتبة "نعمات أحمد فؤاد" قضية على الدولة لوقف هذا المشروع، وأوضحت ملابساته في كتاب " مشروع هضبة الأهرام.. أخطر اعتداء على مصر"، وأوقفت الدولة المشروع بعد ضغط الكتاب والصحفيين والسياسيين. كان أصحاب المشروع ثلاثة رجال أعمال أجانب طُردوا من كندا لارتكابهم قضايا نصب وتخلُّف عن سداد قروض، وقد هداهم عقلهم لمشروع هضبة الأهرام ليسددوا من أرباحه ديونهم، وخصصوا نسبة من أرباح المشروع لرجال أعمال سعوديين ليستثمروا في النفط الخليجي أيضاً. انعكس هذا المشروع اختفاءً للهرم في فيلم "وقيدت ضد مجهول" ونقلاً له – لاستخراج البترول من تحته – في فيلم "ليه.. يا هرم". يبدأ الفيلم بعملية نصب متواضعة على سائحة عند الهرم يقوم بها "أحمد" (محمد منير)، أحد خرتية نزلة السمان. ثم يعود إلى بيته ليجد والده "الحاج حنفي" (فريد شوقي) يقرأ خطاباً من أخيه "رضوان" (صلاح السعدني) يقول فيه إنه عائد قريباً من أمريكا. يدخل "أحمد" غرفته، نكتشف أن الغرفة موجودة داخله أكثر من وجوده داخلها، فهي تعبر عن شيء في نفسه لم يتلوث رغم سعيه وراء المال بأي وسيلة؛ إذ نرى صورة الزعيم "جمال عبد الناصر" معلقة على حائط الغرفة، ونسمع أغنية "ابنك يقول لك يا بطل" التي غناها "عبد الحليم حافظ" عام 1967. يذهب "أحمد" إلى حبيبة أخيه "منى" (ميرفت أمين)، في البنك الذي تعمل فيه، ليبلغها بخبر عودته، ويجدها ترفض أن تقرض عميلاً بضمانٍ وهمي؛ فينظر لها مبتسماً وكأنه يرى مبادئه التي يحن إليها. يزور "أحمد" أصدقاءه للاحتفال بصديقهم "كريم" خريج الهندسة الذي أخيراً وجد وظيفة لدى عربة وجبات سريعة! يبرر "كريم" موقفه بأنه لم يجد فرصة عمل في مجاله كالعديد من الشباب في مصر، ويوافقه "أحمد" قائلاً إن تلك المهنة أفضل من البطالة، يعترض صديقه الشيوعي "عمرو عبد الجليل" متسائلاً عن جدوى المجهود الذي بذله "كريم" في الدراسة، فيرد "أحمد" بأن المفروض أن يعمل الفرد في أي شيء، يأسف صديقه الشيوعي على الحال الذي وصل إليه "أحمد" قائلاً له إنه قد تمت برمجته على الاستهلاك والجري وراء المال وإهمال التفكير والإبداع والإنتاج، يكرر أسفه ويذكره بماضيه قائلاً " انت بالذات يا أحمد كان ممكن تبقى أحسن واحد فينا". وكأنه يدين الوضع الذي وصلت إليه مصر بعد انتهاء الفترة الناصرية. تعود الحياة للمبادئ الكامنة داخل "أحمد" بعد وصول "رضوان" أخيه من أمريكا؛ فقد عاد بمشروع لنقل الهرم إلى مدينة 6 أكتوبر، بحجة أن الباحثين الأمريكيين اكتشفوا بترولاً تحته وعلى الدولة أن تنفذ المشروع لتتخلص من الديون، يبرر "رضوان" المشروع بتشبيهه لنقل الهرم بنقل الدولة لمعابد "فيلة" قبل ذلك. يُدهَش "أحمد ويقول له إن الحكومة لن توافق، يسخر منه "رضوان" قائلاً إنها ستوافق بشيء من الدبلوماسية وشيء من الفهلوة! يقول "أحمد" إنه يرفض بيع التاريخ، يَرُد "رضوان" بأنَّ أمريكا بلا تاريخ لكنها تتحكم في الجغرافيا! على أثر يقظته يقول "أحمد" لصديقه الشيوعي إنه سيدخل مع أخيه وشركائه في المشروع بشكل تكتيكي؛ ليقاومه ويخربه، ينصحه صديقه بالابتعاد عنهم لأن وجوده بينهم سيجعلهم هم المسيطرون عليه وليس العكس. وهنا يتضح الفرق بين المخرج "عمر عبد العزيز" و"مدحت السباعي" في تناول شخصية الشيوعي؛ فالأخير قدمه ساذجاً غير مبال باختفاء الهرم، والأول قدمه ناضجاً، يعترض على بيع تاريخ مصر، ومحتفظاً بمبادئه، رغم قسوة الظرف الموضوعي الذي يعطل رغبته في التغيير. أكثر المشاهد التي توضح نضج رؤية الفيلم الواقعية هو مشهد مقابلة "رضوان" بمسؤول كبير في الدولة لكي يطمئن على خط سير أوراق المشروع في الجهات الحكومية؛ يطمئنه المسؤول بأن الأوراق تسير بسرعة الضوء متجاوزةً لعراقيل البيروقراطية حتى تصل لوزارة السياحة، يخرج "رضوان" ساعة ثمينة ليقدمها هديةً للمسؤول؛ ينفعل الأخير رافضاً أي رشوة. ينجلي نضج الرؤية هنا من خلال البعد عن الأحكام الأخلاقية، فالفساد الأخلاقي قد لا يقترن بفساد العقل والسياسات، ويتضح ذلك أكثر عندما تطلب الشركة الأجنبية من "رضوان" في نهاية الفيلم أن يترك مصر والمشروع لهم؛ فيرفض ويفضل البقاء. إنه يرفض الخضوع الكامل للغرب لكنه ينفذ كارثة في وطنه دون وعي. ترتفع حرارة اليقظة في نفس "أحمد" بعدما يتأكد من المركز القومي للبحوث أن وجود بترول تحت الهرم هو محض خرافة، وأنه لو كان هناك شيء تحته فقد تكون مياه جوفية، يقول لأخيه تلك المعلومة فَيَرُد ساخراً بأنها لو صحت؛ سيبيع تلك المياه أيضاً! يوافق مجلس الشعب على المشروع، ويقود "أحمد" حملة ضد تنفيذه، ويتجمع أهالي النزلة عند الهرم ليقفوا على أحجاره معتصمين؛ بينما يصرخ فيهم "رضوان" أن يسمعوه.