منذ أيام تلقى مجلس أمناء الحوار الوطنى من الحكومة مشروع القانون الذى أعدته بشأن إنشاء المجلس الوطنى الأعلى للتعليم والتدريب لإبداء الرأي فيه كطلب رئيس الجمهورية. ويتكون المشروع المقدم من الحكومة من ثمانى مواد، فضلا عن الديباجة. تحيل الديباجة إلى تسعة قوانين سابقة صدرت خلال أكثر من ستين عاما (1961-2022). وتتناول هذه القوانين السابقة إعادة تنظيم الأزهر (1961) وتنظيم المعاهد العالية الخاصة (1970) وتنظيم الجامعات (1972) وقانون التعليم (1981) وقانون العمل (2003) وقانون إنشاء الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد (2006) وقانون الجامعات التكنولوجية (2019) وقانون الهيئة المصرية لضمان الجودة والاعتماد في التعليم الفني والتقنى والتدريب المهنى (2022). كما تشير أيضا الى ثلاثة قرارات جمهورية: القرار رقم 523 لسنة 1981 بشأن إنشاء المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعى، والقرار رقم 309 لسنة 2014 بشأن إنشاء مجلس استشارى من كبار علماء وخبراء مصر، والقرار رقم 125 لسنة 2015 بشأن إنشاء المجلس التخصصى للتعليم والبحث العلمى. ولكن الغريب أن من صاغوا مشروع القانون تجاهلوا أو نسوا قانون محو الأمية وتعليم الكبار رقم 8 لسنة 1991، وقرار رئيس الجمهورية رقم 422 لسنة 1991 في شأن تنظيم الهيئة القومية لمحو الأمية وتعليم الكبار. علما بأن المادة 25 من الدستور تنص على أن تلتزم الدولة بوضع خطة شاملة للقضاء على الأمية الهجائية والرقمية بين المواطنين في جميع الأعمار، وتلتزم بوضع آليات تنفيذها بمشاركة مؤسسات المجتمع المدنى، وذلك وفق خطة زمنية محددة. فما هو الجديد الذى يأتي به مشروع القانون؟ وما معنى صفة "الوطنى" التي تزين اسم المجلس الجديد؟ أسئلة بلا إجابة. فكرة تشكيل مجلس وهناك أصلا ثلاثة مجالس أخرى بأسماء أخرى فى قوانين مختلفة تمارس نفس الوظيفة تقريبا. هذا يجعلنا نتساءل: هل سيقدم هذا المجلس المقترح إنشاؤه جديدا فعلا؟ من ناحية الشكل القانوني نلاحظ تدنى وضعية الوزير المعنى بالتعليم فى ترتيب قائمة التشكيل؛ فمن بين 12 وزيرا ضمن تشكيل المجلس يأتى ترتيبه التاسع في حين يتصدر وزير الدفاع القائمة. والشكل فى القانون مهم، وله دلالة فى جدية المقصود بالأمر. كما أن تبعية المجلس لرئيس مجلس الوزراء يقلل من فعاليته، بحكم الأعباء القيلة أصلا على رئيس الوزراء- وما أكثرها. المادة الرابعة من مشروع القانون تحدد هدفه، وهو "توحيد سياسات التعليم والتدريب، بكافة أنواعه، وجميع مراحله، وتحقيق التكامل بينها، والاشراف على تنفيذها، بهدف ربط مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل المحلى والدولى، والعمل على النهوض بالبحث العلمى". ويأتي في صدارة اختصاصاته إعداد وصياغة الإستراتيجية الوطنية للتعليم والتدريب بكافة أنواعه وجميع مراحله. وهذه مهام لا يستطيع مجلس بيروقراطى الشكل والمضمن القيام بها. ومعلوم أن الدكتور طه حسين في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" الصادر عام 1938 اقترح إنشاء مجلس أعلى للتعليم يضم أهل الخبرة والتخصص وليس أصحاب المناصب. فلا يضم أحدا من الوزراء أو المسئولين التنفيذيين، بل يتشكل من مجموعة من العلماء والأدباء والتربويين, واستلهاما لهذه النظرة فإن المطلوب هو إنشاء مفوضية للتعليم قد نسميها المجلس الأعلى للتعليم أو الهيئة الوطنية العليا للتعليم أو المجلس الوطنى الأعلى للتعليم والتدريب كما جاء في مشروع القانون المقدم من الحكومة. المسمى لا يهم، والأهم هو الوظيفة. ختاما، لا أعتقد أن مجلس أمناء الحوار يمكنه أن يبدى رأيا صائبا في هذه المسألة. فهى ليست مسألة أولويات، إنما هي في جوهريا من الفنيات. كما أن المجلس المقترح ليس مؤهلا بحكم تشكيله للقيام بمهمة وضع إستراتيجية للتعليم، وهى مهمة تتصل بأهم تحدٍّ وجودى يواجه المجتمع المصرى وهو موضوع التعليم ومحو الأمية.