جريدة المصري اليوم تكرم الكاتب الصحفي محمد سمير رئيس تحريرها الأسبق    زراعة الشيوخ توصي بإدراج محصول البصل بالبورصة السلعية    قيادي في حركة فتح يكشف حقيقة مرض الرئيس الفلسطيني محمود عباس    تعرف على موعد وصول بعثة منتخب مصر للقاهرة بعد التعادل مع غينيا    المشدد 10 سنوات للمتهم بالاتجار بالمواد المخدرة في الصف    رسميًا.. بدء صرف معاش تكافل وكرامة يونيو 2024 (رابط الاستعلام و طريقة التسجيل )    وزير الرياضة يشهد نهائي بطولة الجمهورية للفروسية    رسائل بوتين.. استراتيجيات جديدة لتأجيج التوترات الإقليمية في أوروبا    مستشفى 57357 تستقبل أنشطة أتوبيس الفن الجميل    "جدو مرجان وحكاوي زمان".. عرض مسرحي للأطفال ضمن موسم قصور الثقافة    أول تعليق من نقابة الأطباء على رفض طبيبة علاج مريضة بالسرطان في الإسكندرية    تفاصيل قافلة لجامعة القاهرة في الصف تقدم العلاج والخدمات الطبية مجانا    الرئيس التنفيذي لآبل يعلن إطلاق Apple Intelligence    العاهل الأردني يؤكد أهمية انعقاد مؤتمر الاستجابة الطارئة في البحر الميت    تزامنا مع احتفالات الكنيسة، قصة القديسة مرثا المصرية الناسكة    العرض الخاص اليوم.. خالد النبوي يروج لفيلم "أهل الكهف"    قيادى بفتح: الرئيس محمود عباس يتمتع بصحة جيدة وسيشارك غدا فى مؤتمر البحر الميت    الإفتاء: النبي لم يصم العشر من ذي الحجة ولم يدع لصيامها    وزير التجارة ونظيره التركي يبحثان سبل تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين    الرئيس التشيكي يعرب عن قلقه إزاء صعود الأحزاب الهامشية في أوروبا    لفقدان الوزن- تناول الليمون بهذه الطرق    محمد ممدوح يروج لدوره في فيلم ولاد رزق 3    منطقة سوهاج الأزهرية تنظم ندوة للتوعية بترشيد استهلاك المياه    تعرف على الأضحية وأحكامها الشرعية في الإسلام    الدعم العينى.. أم الدعم النقدى؟    لميس الحديدي تكشف عن سبب إخفائها خبر إصابتها بالسرطان    إيرادات الأحد.. "شقو" الثاني و"تاني تاني" في المركز الأخير    تطورات جديدة حول اختفاء طائرة نائب رئيس مالاوي ومسؤولين آخرين    عزة مصطفى عن واقعة مدرس الجيولوجيا: شكله شاطر    أمين الفتوى: الخروف أو سبع العجل يجزئ عن البيت كله في الأضحية    مشروب بسيط يخلصك من الصداع والدوخة أثناء الحر.. جسمك هيرجع لطبيعته في دقايق    موعد محاكمة ميكانيكي متهم بقتل ابن لاعب سابق شهير بالزمالك    رشا كمال عن حكم صلاة المرأة العيد بالمساجد والساحات: يجوز والأولى بالمنزل    «الصحة» تنظم برنامج تدريبي للإعلاميين حول تغطية الشؤون الصحية والعلمية    مصر تتربع على عرش جدول ميداليات البطولة الأفريقية للسلاح للكبار    «المصريين الأحرار» يُشارك احتفالات الكنيسة بعيد الأنبا أبرآم بحضور البابا تواضروس    10 صور ترصد استطلاع محافظ الجيزة أراء المواطنين بالتخطيط المروري لمحور المريوطية فيصل    سفر آخر أفواج حُجاج النقابة العامة للمهندسين    المرصد المصري للصحافة والإعلام يُطلق حملة تدوين في "يوم الصحفي المصري"    الرئيس الأوكراني يكشف حقيقة استيلاء روسيا على بلدة ريجيفكا    غدًا.. ولي عهد الكويت يتوجه إلى السعودية في زيارة رسمية    ليونيل ميسي يشارك في فوز الأرجنتين على الإكوادور    "بايونيرز للتنمية" تحقق أرباح 1.17 مليار جنيه خلال الربع الأول من العام    وزارة الأوقاف: أحكام وصيغ التكبير في عيد الأضحى    مستشفيات جامعة أسوان يعلن خطة الاستعداد لاستقبال عيد الأضحى    اسكواش - مصطفى عسل يصعد للمركز الثاني عالميا.. ونور الطيب تتقدم ثلاثة مراكز    مفاجأة مثيرة في تحقيقات سفاح التجمع: مصدر ثقة وينظم حفلات مدرسية    تشكيل الحكومة الجديد.. 4 نواب في الوزارة الجديدة    مطلب برلماني بإعداد قانون خاص ينظم آليات استخدام الذكاء الاصطناعي    ضياء رشوان: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسحقنا    سرقا هاتفه وتعديا عليه بالضرب.. المشدد 3 سنوات لسائقين تسببا في إصابة شخص بالقليوبية    صندوق مكافحة الإدمان يستعرض نتائج أكبر برنامج لحماية طلاب المدارس من المخدرات    وزير التعليم العالي يستقبل وفدًا من جنوب إفريقيا للتعرف على تجربة بنك المعرفة    رئيس منظمة مكافحة المنشطات: رمضان صبحي مهدد بالإيقاف لأربع سنوات حال إثبات مخالفته للقواعد    الدرندلي: أي مباراة للمنتخب الفترة المقبلة ستكون مهمة.. وتحفيز حسام حسن قبل مواجهة غينيا بيساو    جالانت يتجاهل جانتس بعد استقالته من الحكومة.. ما رأي نتنياهو؟    حالة الطقس المتوقعة غدًا الثلاثاء 11 يونيو 2024| إنفوجراف    عمر جابر يكشف كواليس حديثه مع لاعبي الزمالك قبل نهائي الكونفدرالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد فرج يكتب للأهالي: موجز رؤيتنا للثقافة والهوية الوطنية في مواجهة التحديات
نشر في الأهالي يوم 03 - 12 - 2022

حسناً فعلت الأمانة العامة للحوار الوطني، حين استجابت لدعوتنا بضرورة الحوار حول قضية الثقافة والهوية، بأن ضمنت المحور المجتمعي في الحوار الوطني، لجنة للحوار حول قضية الثقافة والهوية، هنا نسعى لتقديم موجز رؤيتنا الثقافية، بالتركيز على الهوية الوطنية – سماتها ومميزاتها الرئيسية، ونقاط قوتها، وأهميتها الفكرية، السياسية والثقافية، وضرورتها في مواجهة المخاطر والتحديات التي تواجه الشخصية المصرية، و تواجه المجتمع المصري والدولة الوطنية المصرية، ونقدم مقترحاتنا للإجراءات والخطوات التنفيذية، التي نراها ضرورية لدعم مسألة الثقافة والهوية الوطنية.
1- الهوية الوطنية المصرية:
المفهوم والسمات:
أ. المفهوم:
الهوية الوطنية المصرية هي تلك السبيكة من القيم والثقافات والمعارف والعادات والتقاليد والطباع التي تميز الشخصية المصرية، والتي تكونت وتبلورت عبر التاريخ، والتي توجه السلوك العام والخاص للمصريين، و تحدد رؤيتهم العامة للحياة، ورؤيتهم العامة للذات وللآخرين، وتطبع الوعي الاجتماعي والفردي بطابعها، وتعكس نفسها في سلوك وحركة الأمة مجتمعة والمصريين مجتمعين وأفرادًا، وبصفة خاصة في مواجهة الأزمات والتحديات والمخاطر.
ب. السمات والمميزات:
1- تتميز الهوية الوطنية المصرية، (بتنوع وتعدد و ثراء) الثقافات والمنابع التي بلورتها و كونتها و صاغتها كهوية وطنية عبر القرون.
2- كما تتميز الهوية الوطنية المصرية بثراء تكوينها عبر (التفاعل الخلاق بين الوافد والموروث)، فقد كان هذا التفاعل الخلاق أداة للتغيير والتطوير لكل من الثقافات الوافدة والثقافات والعادات والتقاليد الموروثة.
ولم تكن (كل) الثقافات الوافدة ثقافات غازية أو قادمة مع الحملات الاستعمارية العسكرية العثمانية والبريطانية والفرنسية التي تعرضت لها مصر، بسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي بين ثلاث قارات هي آسيا وأفريقيا وأوروبا فقط، فقد جاءت الثقافات الوافدة أحياناً عبر إرسال البعثات العلمية للمصريين إلى أوروبا مع عصر محمد علي، واحتكاك المصريين بالثقافات الغربية ونقل بعض مكوناتها بعد عودتهم، كتباً أو أدباً مكتوباً أو شفاهياً، أو فنوناً سينمائية ومسرحية وتشكيلية للمصريين، هكذا فعل رفاعة رافع الطهطاوي والشيخ محمد عبده وبيرم التونسي وتوفيق الحكيم والدكتور طه حسين والدكتور لويس عوض، وغيرهم من الكتاب والمفكرين والفنانين الذين كتبوا وترجموا وصنعوا جسراً من التفاعل بين عادات وتقاليد وثقافات وفنون المصريين الموروثة وثقافات وفنون شمال البحر الأبيض المتوسط.
كذلك فقد تفاعلت ثقافات المصريين وعاداتهم وتقاليدهم مع الثقافات الوافدة عبر (الصدمة الحضارية) مع قدوم الحملة الفرنسية على مصر والشام، لم يخضع المصريون للأهداف العسكرية للحملة، وخرجوا في ثورتي القاهرة الأولى والثانية (رفضاً ومقاومة) لِلاحتلال، ومارسوا إرادتهم الحرة دفاعاً عن استقلال مصر وحرية المصريين، لكنهم في الوقت نفسه أضافوا لهويتهم عناصر ثقافية جديدة، تأثراً بالصدمة الحضارية القادمة مع المدافع والقنابل، والنابعة من (الصمود ومقاومة المستعمر)، وسعياً من النخبة لاستيعاب التطور القادم مع المطبعة، (وزيادة المعرفة) بتاريخ مصر القديمة عبر فك رموز حجر رشيد.
وهكذا – وعبر التفاعل الخلاق – لم يظل الوافد الثقافي كما هو، وتمت إضافته كعنصر جديد إلى ظاهرة التنوع التي تميز الهوية المصرية، ولم يعد الموروث الثقافي مشدوداً مع العادات والتقاليد نحو الماضي، أو معزولاً عن العلم والمعرفة الجديدة.
وقد أدى هذا التفاعل الخلاق إلى أهم ما تتميز به الهوية المصرية، وهو (التنوع والتعدد الثقافي)، فالهوية الوطنية للمصريين تنطوي على عدة ثقافات تصنع تنوعها، وهو تنوع ثقافي نابع من التنوع الذي شهده (التاريخ المصري) العريق، منذ قدماء المصريين، (والموقع الجغرافي) الذي أنتج عبقرية المكان (وفقاً لِتعبير الدكتور جمال حمدان في كتابه شخصية مصر، دراسة في عبقرية المكان)، والذي جعل من مصر (جسراً لتفاعل العديد من الثقافات)، وممراً للعديد من الهجرات البشرية و الغزوات الاستعمارية والحملات العسكرية والزيارات والزيجات وإقامة الجاليات وتمصير الكثير من الأجانب.
لكن هذا الموقع وهذا الجسر وهذا الممر، لم يكن بقادر على أن يكون بوتقة للتفاعل الثقافي الفعال، ولا بوتقة لتكوين الهوية الوطنية التي تتسم بالتنوع الثقافي، إلا لأن عوامل الجغرافيا والتاريخ، خاصة مع وجود نهر النيل، قد وضعت الأساس الاجتماعي والسياسي المبكر لضرورة وجود (الدولة الوطنية المركزية المصرية القديمة)، أقدم دولة مركزية في التاريخ، بِوظائفها الهندسية لضبط النهر، ووظائفها الاجتماعية والثقافية والعلمية، وما أنتجته من منظومات قيمية اجتماعية وثقافية وعلمية، ووظيفتها الوطنية ببناء جيشها الوطني لمواجهة الغزوات والحملات الاستعمارية، فقد كان لوجود هذه الدولة المركزية أعظم الأثر في تمكين المصري القديم من بناء أساس ثقافي متين، قادر على التفاعل مع الثقافات الوافدة واستيعابها والتأثير فيها.
لذلك تميزت الهوية المصرية – خاصة في فترات نهوضها وتألقها – بالقدرة على (الاستيعاب والإضافة والتطوير والتقدم)، فمع ثقافة مصر القديمة، المشهورة بالفرعونية (وهو خطأ شائع)، تفاعلت الهوية المصرية وأضافت إلى أعمدتها (وفقاً لِتعبير الدكتور ميلاد حنا في كتابه الأعمدة السبعة للشخصية المصرية) منتجات التفاعل مع ثقافة المرحلة البطلمية (حكم بطليموس وكليوباترا) في الحقبة اليونانية الرومانية، وثقافة العصر القبطي، وثقافة الحقبة العربية الإسلامية، وتفاعلت مع ثقافة البحر الأبيض المتوسط، والثقافات الإفريقية، وأضافت مع منتصف القرن العشرين في تفاعلها مع الثقافة العربية واللغة العربية، وحركة التحرر الوطني العربية، خاصة مع ثورة يوليو و عصر عبد الناصر، بعداً ومكوناً سياسياً وثقافياً تحررياً عروبياً.
2- نقاط القوة في الهوية الوطنية المصرية:
تنوع المكونات الثقافية للهوية الوطنية المصرية إذن هو ما يمثل جوهر قوتها، وهو الأساس المتين لبقاء واستمرار الهوية الوطنية المصرية، وهو أساس قوة وتقدم الأمة والشعب والدولة المصرية.
لكن الهوية في فترات التراجع والضعف والهزَّات والأزمات تتعرض لمحنة الصراع بين مكوناتها، حيث تعمل بعض القوى من الداخل أو من الخارج على فرض أو تغليب مكون ثقافي معين على غيره من الثقافات، والدخول في صراع مع المكونات الأخرى، منتجاً التنازع بين المكونات الثقافية، ومنتجاً نزعات التعصب الطائفي و العرقي والعنصري، ومحاولاً تفريغ الهوية المصرية من ثراء تنوعها الوطني المستقبلي، وإدخالها إلى حلبة صراع الثقافات وصراع (الهويَّات) وحروب الطوائف.
لكن المصريين – في فترات الصعود والنهوض الوطني – كانوا غالباً قادرين على الحفاظ على هذا التنوع، باعتباره مصدراً لِقوة الهوية الوطنية المصرية، وقدرتها على التفاعل الخلاق بين مكوناتها الثقافية والتاريخية المتنوعة، والتفاعل الخلاق بين الوافد والموروث الثقافي، وأساساً صلباً للتجديد والتطوير والتحديث، السياسي والاجتماعي والثقافي.
3- التحديات والمخاطر:
تنطلق رؤيتنا للتحديات والمخاطر من أن كل سعي لِلهَيمنة والسيادة من مُكوِّنٍ ثقافيٍّ منفرد على بقية مكونات الهوية كان تغريداً خارج السرب، وكان خطراً على الهوية المصرية، وعدواناً على بقية مكوناتها الفكرية والثقافية والاجتماعية، وأداةَ إضعافٍ لها، ومحاولةً لطمس معالمها، بل كان سعياً – بوعي وتخطيط أو بدون وعي – لشق الوحدة الوطنية، وإرباك الشخصية الوطنية للمصريين، وتقزيم الهوية الوطنية، وتأزيم مشاعر الانتماء الوطني وجرح علاقات المواطنة.
وكان كل سعي للانفراد والهيمنة الأحادية على مكونات الهوية المصرية، باباً يفتح للتعصب والتمييز والطائفية، وباباً يفتح للتكفير والتطرف والعنف، وكان هذا الباب دائماً ما تشتد خطورته إذا ربطه أصحابه من راغبي الهيمنة والانفراد بالدين، مولداً صوراً مختلفة من الاستغلال السياسي والاستغلال الثقافي للدين، وإرباك المشاعر الوطنية للمواطنين المصريين، ووضع الهوية الوطنية في مواجهة وصراع مع ما يسمونه بالهوية الدينية والهوية الإسلامية، والخطورة ليست في إنتاج صراع فكري بين الهويات والثقافات، بل في تفكيك الهوية الوطنية وتفتيتها، مع ما تنتجه من صراعات سياسية واجتماعية بين أصحاب الديانات المتنوعة والمتعددة، وبما تمثله من خطر على بقاء وتماسك واستمرار الهوية الوطنية للمصريين، وخطر على إمكانيات تجددها وتطورها، وبما تنتجه من عدوان على وحدة وتماسك النسيج الوطني، وما تنتجه من خطابات التمييز والكراهية، وخطابات وممارسات التكفير والعنف والإرهاب الطائفي، وما تنتجه من خطابات التجهيل والخرافة و معاداة العلم والعقل والتفكير العلمي.
وعلى العكس من ذلك كان كل سعيٍ لتعميق التوازن والتوافق بين المكونات الاجتماعية والثقافية المتنوعة للهوية المصرية، بمثابة دعم لِتماسك وتوازن الشخصية الوطنية، وتوازن المكونات المتعددة للشعب والأمة، وبناء ثقافات وخطابات التعايش والمساواة وعدم التمييز والمواطنة، وصمودها في مواجهة المخاطر والتحديات، وتنمية الوعي بالمتغيرات، والقدرة على التقدم والبناء.
4- أدوات دعم نقاط القوة ومواجهة التحديات:
تنتمي الهوية الوطنية لما يعرف بالوعي الاجتماعي للشعب أو الأمة، ولذلك فإن معركة الحفاظ على عناصر قوة الهوية الوطنية المصرية، وتطويرها وتجديدها، هي معركة وعي بالذات ووعي بالتحديات، هي معركة تنمية بشرية فكرية وثقافية كبرى، فمن يقوم بمثل هذه العملية
التنموَية الفكرية والثقافية؟
من يقوم بعمليات تشكيل الوعي وتطويره؟
من يقوم بعمليات تشكيل الرأي العام وتنويره؟
الأجهزة الفكرية والثقافية هي المنوط بها القيام بهذا الدور، شرط أن تُحمُّل مثل هذه الأجهزة بمشروع فكري وثقافي تحديثي واضح المعالم، وشرط أن يعي القائمون على إدارة وقيادة وتشغيل هذه الأجهزة الفكرية دورهم الثقافي والتحديثي، في إطار مشروع التحديث والتطوير المجتمعي الشامل.
ودولتنا المصرية العريقة مازالت تملك الكثير من أجهزتها الفكرية والثقافية، تملك الكثير من المؤسسات والأجهزة الإعلامية، تملك عدة آلاف من مراكز الشباب في القرى والنجوع والمدن والبنادر وعواصم المحافظات، وعدة آلاف من بيوت وقصور الثقافة، وآلاف المدارس وعشرات الجامعات، ومازالت تملك عدداً ( ولو أقل) من دور السينما والمسرح، وتقوم على إدارة هذه الأجهزة عدة وزارات، مثل وزارة الشباب ومديرياتها وإداراتها في المحافظات والمراكز، والثقافة وهيئاتها ومجلَّاتها، ومن بينها الهيئة العامة للكتاب والهيئة العامة لقصور الثقافة، ومجالس إدارات المسارح والبيوت والفرق المسرحية، والمجلات الثقافية، والإعلام وأجهزته ومؤسساته، ووزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، ومديرياتها وإداراتها التعليمية وآلاف المدارس، والهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار، ووزارة الأوقاف والمساجد التي تشرف عليها.
هذه الوزارات وأجهزتها هي المنوط بها مع مؤسسات المجتمع المدني ومنتدياته وجمعياته الثقافية التي تحتاج إلى رعاية ودعم، هي المنوط بها القيام بمهمات الحفاظ على عناصر قوة وتماسك الهوية الوطنية المصرية، وتعميقها و تجديدها وتطويرها، لتكون قادرة على القيام بدورها التاريخي والمستقبلي للحفاظ على وحدة وتماسك الأمة في مواجهة التحديات.
5- نحو خطوات تنفيذية
لدعم الثقافة والهوية الوطنية:
ولكي تتكامل وتنسجم هذه الأجهزة الفكرية والثقافية والتعليمية والإعلامية في القيام بدورها في هذا الشأن، نرى أهمية القيام بما يلي:
أولا:- تأسيس إطار تنظيمي وسياسي للوزارات المشرفة على هذه الأجهزة، ومثل المجموعة الاقتصادية في الحكومة، يمكن تكوين (مجموعة الفكر والثقافة والتربية)، أو (مجموعة الوعي والثقافة)، وتكوين ما تحتاجه هذه المجموعة من مجلس أعلى للتنسيق، وما تحتاجه من أجهزة وأدوات جديدة، وتكون المهمة الجوهرية لهذه المجموعة في معركة الوعي ضد المخاطر والتحديات، هي:
1- وضع خطة تنمية بشرية فكرية وثقافية وتربوية وإعلامية هدفها الحفاظ على عناصر قوة الهوية الوطنية المصرية، ودعمها وفتح أبواب ترسيخها في الوعي الاجتماعي للأمة وفي الرأي العام المصري.
2- توظيف وتشغيل أجهزة الفكر والثقافة والشباب والإعلام للعمل في إطار مهمات الحفاظ على عناصر قوة الهوية الوطنية المصرية، والحفاظ على وحدة وتماسك النسيج الاجتماعي للأمة، ورفض خطابات العنف والتكفير والتمييز والكراهية والطائفية، ونشر خطابات المساواة والتعايش والحوار والمواطنة.
3- دعم الجمعيات والكيانات والملتقيات الثقافية المستقلة التي تعمل في إطار معركة الوعي لترسيخ خطابات المساواة والتعايش والإبداع والحوار والمواطنة، وضد خطابات العنف والتكفير والتمييز والكراهية والطائفية.
4- تطوير مناهج التعليم لتكون داعمة لعناصر قوة الهوية الوطنية، وتنوع مكوناتها الثقافية، عن طريق دعم عناصر التفكير العقلي والحوار والإبداع، وتدريس عناصر تنوع الهوية الوطنية بمكوناتها الثقافية ومراحلها التاريخية، وعودة حصص النشاط الرياضي والفني، والموسيقي والرسم والمكتبة.
5- تطوير الإعلام وإنقاذه من مخاطر الفوضى ومن خطر الصوت الواحد، ودعمه ليكون أداة حوار وتنمية بين المكونات الفكرية والسياسية والثقافية والاجتماعية للمجتمع المصري، وأداة نشر للإبداع الفكري والثقافي والدرامي، وأداة بث وتوفير المعلومات والأخبار، وغيرها من الأدوات والبرامج الإعلامية.
6- تطوير أجهزة الدولة الرياضية والاجتماعية والثقافية، خاصة مراكز الشباب والأندية الاجتماعية، وبيوت وقصور الثقافة، للمساهمة في معركة الوعي والتنمية البشرية، لتكون مراكز للحوار والتنوير الفكري والثقافي، انطلاقاً من عناصر قوة الهوية الوطنية المصرية وتنوع مكوناتها الثقافية.
7- دعم الكيانات الثقافية في مجالات الآداب والفنون، مثل دور النشر ودور السينما والمسرح والمعارض الفنية والموسيقى والغناء، للقيام بدورها الأدبي والفني في إبداع وتقديم عناصر قوة الهوية الوطنية المصرية، ونشر فكر وثقافة المواطنة واحترام التنوع الثقافي في مواجهة ثقافات العنف والتطرف والتكفير والطائفية والإرهاب.
ثانياً: إعادة الاعتبار للتعددية السياسية والحزبية، تطبيقاً للمادة الخامسة من الدستور، وفتح المجال أمام القوى السياسية والحزبية للقيام بدورها الفكري والسياسي والثقافي الداعم للهوية الوطنية والوعي الاجتماعي والمواطنة، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.
خاتمة:
تحتاج بلادنا إلى عملية تطوير وتحديث شاملة، عملية تنمية شاملة، مادية وبشرية، ونحن نعتقد أن هذا التوجه للتحديث والتنمية، لابد له لكي يستمر و يستقر ويمكث في الأرض، ويتطور باتجاه التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية و باتجاه الحداثة والعقلانية – لابد له من دور فكري ثقافي، تقوم به أجهزة الدولة الفكرية والثقافية، في تكامل وتنسيق مع دور ثقافي فاعل من قبل الجمعيات الأهلية الثقافية والتنموية، والجمعيات والجماعات والمنتديات والملتقيات والندوات الثقافية والعلمية، مع دور سياسي وثقافي للأحزاب السياسية الرئيسية، هدفه استكمال عمليات التحديث المادي بعمليات التنمية الفكرية والسياسية والتحديث والتنوير الفكري والثقافي، وبناء ظهير شعبي مساند ومشارك في عمليات التنمية والتحديث والبناء المادي، يحمي هذا البناء ويدعمه ويطوره، ويصنع التكامل بين عمليات تحديث الحجر وتطوير البشر، ويقوم بتشغيل أجهزة الدولة الفكرية والإعلامية والثقافية، ويفعل دورها في عمليات التثقيف العلمي والأدبي والفني، ويسعى نحو بناء كتلة وطنية تاريخية، ذات هوية وطنية، تقوم بدورها في بناء ثقافة عقلانية بديلة، قادرة على مواجهة الثقافة المهيمنة في المجتمع، ثقافة الإقصاء والتمييز والعنف والتطرف والطائفية، وكل ثقافات التخلف والخرافة، والطفيلية، ويفعل دورها في الحفاظ على وحدة وسلامة الدولة الوطنية، دولة القانون والمواطنة، ويحافظ على وحدة النسيج الوطني، في إطار من الوعي بالهوية الوطنية المصرية، القائمة على التنوع الفكري والثقافي، الذي تكون للشخصية المصرية عبر تفاعل الجغرافيا والتاريخ.
فهل يمكن أن تقوم أجهزة الدولة الفكرية والإعلامية والثقافية بدورها في تشكيل الوعي الوطني وبناء الثقافة الوطنية ودعم الهوية الوطنية؟
نعم يمكن، إذا توفرت الإرادة السياسية، وإذا حُمِّلت هذه الأجهزة بمشروع سياسي ثقافي حداثي واضح .. محدد السمات و الأهداف والمعالم.
*محمد فرج
الأمين العام المساعد لحزب التجمع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.