يشهد الاقتصاد العالمي انخفاضا في معدلات النمو علي مدار السنوات الماضية، منذ انتشار جائحة وظهور متحورات جديدة للفيروس، وصولاً إلي الأزمة الروسية الأوكرانية. خلال عام 2022 انخفضت معدلات النمو العالمي المتوقعة في بعض الاقتصاديات الكبرى، وطبقا للتقارير، فإن الاقتصاد الأوربي الأكثر عرضة لتداعيات الحرب في أوكرانيا في الوقت الحالي، لكن ستكون الآثار السلبية للعقوبات التى فرضها الاتحاد الأوروبي، لأنها لا تستهدف بشكل مباشر واردات النفط والغاز من روسيا. ومع ذلك يعاني الاقتصاد الأوربي بشكل حاد من أزمة ارتفاع الأسعار العالمية، فالارتفاعات الحادة (ليس فقط البترولية، ولكن أيضًا للمعادن والحبوب) تضيف إلى معدلات التضخم المرتفعة بالفعل وتخلق مزيدا من اضطرابات فى سلاسل التوريد. وقد ساهمت روسيا بحوالي ربع استهلاك منطقة اليورو للطاقة الأولية في عام 2019. ما يعادل حصة إنتاج أوبك من النفط عام 1973. وسيستغرق الاعتماد على مصادر أخري بديلة لروسيا وقتًا طويلا. ويتوقع أن تبلغ معدلات التضخم في منطقة اليورو 5٪ في المتوسط عام 2022 مع ارتفاع أسعار الغاز في الاتحاد الأوروبي، مما يؤثر على التعافي المتوقع بعد انتشار فيروس كورونا ومتحوراته المتتالية. وخفضت وحدة استخبارات الإيكونيميست توقعاتها للنمو في منطقة اليورو بشكل حاد لعام 2022، إلى حوالي3.3٪ (من 4٪ سابقاً) في اخر تقرير لها عن التوقعات للاقتصاديات الكبرى في العالم، وتوقعت وكالة فيتش أيضا تدهور توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بشكل كبير مع زيادة تحديات التضخم وغزو روسيالأوكرانيا يهدد إمدادات الطاقة العالمية، فاتجهت لمزيد من التوقعات بخفض بمعدل النمو العالمي. وتتوقع فيتش انخفاض منطقة اليورو بنسبة 1.5 نقطة مئوية إلى 3.0٪ وهي نسبة أقل من تقديرات الإيكونيميست، وخفضت فيتش توقعات النمو في الولاياتالمتحدة بنسبة 0.2 نقطة مئوية إلى 3.5% ، وينعكس هذا التراجع بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، وسرعة وتيرة رفع أسعار الفائدة الأمريكية عن التوقعات السابقة. وعدلت وكالة فيتش النمو العالمي توقعتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي لعام 2022 بمقدار 0.7 % إلى 3.5٪, ولعام 2023 بمقدار 0.2 نقطة مئوية إلى 2.8٪. واتفق تقرير الإيكونيميست وفيتش على أن تأثير الحرب في أوكرانيا على اقتصاديات أمريكا الشمالية يدفع بمزيد من ارتفاع أسعار السلع ومعدلات التضخم، وستستمر أسعار السلع الاستهلاكية في الارتفاع بشكل حاد وقد وصل تضخم الخدمات في أمريكا إلى أعلى مستوى له في 30 عامًا، مع تسارع الإيجارات ونمو الأجور الذي يقترب من 6٪. ومخاوف الأسر بشأن التضخم آخذة في الارتفاع. وتتوقع فيتش أن يبلغ تضخم مؤشر أسعار المستهلكين في الولاياتالمتحدة ذروته عند 9٪ ومتوسط 7٪ للعام. سيؤدي ارتفاع التضخم إلى إضعاف القوة الشرائية للأسر ودفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي الأمريكي) إلى تشديد السياسة النقدية؛ ونتوقع ما مجموعه السبع زيادات في الأسعار هذا العام (25 نقطة أساس لكل منها)، مع ثلاث أو أربع زيادات أخرى على لعام 2023. سوف يؤدي التشديد القوي إلى انخفاض الطلب والثقة. وعلي هذه الخلفية، يري محللين الإيكونيميست على هذه الخلفية ، ارتفاع فإن مخاطر "الركود التضخمي"، والتوقعات الآن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للولايات المتحدة بنسبة 3٪ هذا العام (أقل من التوقعات السابقة البالغة 3.4٪). أما المشهد في الاقتصاد الصيني على النقيض من كل ذلك، نجد بنك الصين الشعبي في وضع التيسير مع استمرار انخفاض التضخم. ومن المتوقع إجراء المزيد من التخفيضات في معدل الفائدة ومتطلبات الاحتياطي، بالإضافة إلي تيسيرات مالية كبير. ولكن مع وجود مخاطر على توقعات الاستهلاك على المدى القريب بسبب قيود Covid-19 وضعف سوق العقارات ، نتوقع فيتش نموًا بنسبة 4.8 ٪ فقط ، وهو أقل من المستهدف الرسمي لجمهورية الصين. أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط تري وكالة فيتش أن الغزو الروسي الأوكراني سيؤثر على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال قنوات متعددة، منها، ارتفاع أسعار الطاقة والحبوب، وتعطل إمدادات القمح والحبوب الأخرى من روسياوأوكرانيا، وانخفاض تدفقات السياحة والتحويلات، وزيادة الشعور بالابتعاد عن المخاطرة. وستحدث وكالة فيتش توقعاتها للمنطقة في منتصف الشهر الجاري. وفي تقرير صدر مؤخرا من الإيكونيميست وضع عدد من المحددات للمتابعة خلال الفترة المقبلة والتي ستؤثر علي منطقة الشرق الأوسط، وأشار التقرير إلي استمرار جائحة كوفيد -19 في الانحسار والتدفق عبر منطقة الشرق الأوسط. ومن غير المرجح أن تكون متغيرات فيروس كورونا مثل دلتا وأوميكرون هي الاحتواء الأخير، وسيتم تشديد الإجراءات تدريجياً ثم تخفيفها وتكثيف دبلوماسية اللقاحات حيث أشار التقرير إلي براعة الصينوروسيا في استخدام دبلوماسية اللقاحات لإبراز قوتهم الناعمة، بالإضافة إلي أن دول مجلس التعاون الخليجي الغنية ستقود الطريق لتطعيم سكنها بشكل كامل وتوفير الجرعات المعززة لهم ، من أجل السلامة العامة وعلى أمل تعزيز أنشطة الأعمال، أما بالنسبة لاضطرابات سلاسل التوريد المستمرة والتي تلقي بظلها على الانتعاش في المنطقة، فسيتواصل الضغط التصاعدي المستمر على الإمدادات المتاحة وأسعار السوق للمعادن والبلاستيك والكيماويات والمطاط والمعدات الكهربائية ، قطع غيار المركبات ومواد البناء والمصانع والآلات وأجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات ، من بين منتجات أخري. وستظل الضغوط على النقل الدولي عالية ، مما سيؤدي إلى تقييد الشحن الجوي ، بينما ستظل ضغوط أسعار النقل مرتفعة، في حين سيحصل قطاع السفر والسياحة على دفعة متواضعة لكنه قد يفشل في استعادة مستويات نشاط ما قبل الجائحة حتى عام 2023. بالإضافة إلي استمرار الصراع في النقاط الأمنية الساخنة في المنطقة في العراق ولبنان وسوريا واليمن والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، والتأثير الخارجي للتنافس الإقليمي والحرب الاقتصادية.