بقلم ضحى عاصى في هذا الجزء المخصص، والذى رأيت أن يكون عنوانه الثابت فنجان قهوة، باسم أول مجموعة قصصية لي، والتي كانت في الأصل زاوية للكتابة فى جريدة التجمع، ومنها بدأت الغوص فى هذا الفيض الممتلئ بحجم الكون وتاريخه وجغرافيته “. “فيض الكلمة” .. العنوان مفتوح يسمح لى بالحركة والتنوع ربما يكون فنجان قهوة مع أحد الأشخاص أو فى مكان ما مثلا معبد فرعوني أو قرية فى أقصى الصعيد أو على ضفاف نهر السين فى باريس، فى مسجد أو مسرح، ربما يكون فنجان قهوه على أنغام سيمفونية لموتسارت أو مع الشيخ التونى أو أمين الدشناوى. ولكن المرة الأولى هي الأصعب دائما.. ماذا تختار من هذا الفيض.. ساعات من التفكير بماذا ابدأ؟ حيرة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وأنا أبحث عن فنجانى الأول مع من أو أين احتسيه؟ . وفجأة يقفز إلىّ “العمدة عتمان ” يدعوني إلى تناول فنجان قهوه معه فى فيلم الزوجة الثانية، بدا لى الأمر غريبا، فلم لم اكتب مطلقا عن الفنانين ولست من مؤرخي السينما.. ترددت فى قبول الدعوة.. تذكرت الحكميدار وهو يقول له “وحشني فطيرك المشلتت ” ..خفت أن أكون أحد هؤلاء الذين يأكلون على مائدته، ولكن سعادة خفية تولدت بداخلي أننى سأقابل فاطمة، تلك الفلاحة التفاحة الذكية الشهية، والتي تحايلت على الغصب وهزمته بالحيلة، ولكن قلبي يؤلمني إذا ما لبيت دعوة «عتمان» الظالم أن أرى فاطمة وهى مقهورة فى بيته، حاولت أن اطمئن نفسي أن أعوام كثيرة مرت، وأن الأمو تغيرت، وأن فاطمة أخذت حقها وحق القرية كلها. أصبحت أكثر شغفا للذهاب ولقائها ومعرفة هل ما زالت قوية وصبية كما كانت منذ أكثر من نصف القرن، هل علمت أولادها أن الحق حق، وأنه قوى لأنه باختصار “الحق” مهما كان أصحابه تحت ضغط ونفوذ.. هل علمتهم أن أخذ الحق صعب ولكنه ليس مستحيلا. تخيلت لقائي بها فى بيتها الفقير، وقد جلست بجوارها فوق الفرن، وإذا بي أسالها هل ما زلت تخبزين أربعين أردبا من أجل قطمه.. أم الحال اتحسن يا فاطمة؟.. عاودنى التردد أن أذهب إلى دواره فتقابلني زوجته حفيظه بهذه الحدة ونظرات الشر التى تقفز من عينيها.. طمئنت نفسي قليلا بانني لم أعد تلك الطفلة، كبرت وأصبحت فى عمر حفيظه، والآن لا أخافها ولا أكرهها.. اشفقت عليها على تلك المرأة التى لا تنجب وتعيش مهدده تخاف من أن يتركها زوجها ويذهب لأخرى من أجل الولد، فتستخدم كل ما تملك من سطوة وقسوة حتى تدافع عن وجودها.. ربما فضولى للقائها الآن وسؤالها هل كان الأمر يستحق كل هذا الألم أم أنها أدركت أن العمدة الذى لا يخاف أي شيء لم يقصدها هي، فأي حفيظه كانت سيكون لها نفس المصير. وأن عتمان وأمثاله يستحلون كل شيء واي شيء ولا يكتفون حتى لو كانت انجبت له الولد، كان سيبحث عن شيء أخر غالبا. سالبي الدعوة.. تجربة مثيرة أن أرى أبناء فاطمة وأبو العلا وأحفادهما التى ستكون أعمارهم الآن فى العشرينيات أو الثلاثينيات .. وأن أقابل الشيخ الذى لا يعرف من الدين إلا “اطيعوا الله والرسول واولى الأمر”، لا أعرف لماذا لم اتوقع أن يكون أبو العلا على قيد الحياه “الفقر والقهر يقصفوا العمر”، ولكن الغريب أن عتمان مازال حيا. اتذكر أنه مات وورثه أخوه وزوجته، فبالرغم من هذا الدرس الذى اعطته له فاطمة لكنه مازال حيا ويدعونى لشرب فنجان قهوه معه.. عدت إلى محركات البحث لأتأكد من نهاية الفيلم.. أثناء بحثى قرأت أن الفنان صلاح منصور، والذى قام بدور العمدة عتمان توفى 19 يناير 1979 ،..19 يناير تاريخ كتابه هذا المقال، قبلت الدعوة بلا تردد وكأن صلاح منصور يدعوني فى ذكرى وفاته أن أذهب إلى هناك لأتأكد هل مات عتمان أم انه مازال بكل سطوته وجبروته ..