قال وزير الخارجية الأمريكي فرانك بومبيو، فى خطابه بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إن الولاياتالمتحدة عادت لتأكيد دورها « كقوة فى خدمة الخير فى منطقة الشرق الأوسط «. وقال إن القوة الأمريكية فى هذه المنطقة «قوة تحرير، وليست قوة احتلال» وهذه الأقوال تتناقض تمامًا وعلى طول الخط مع الحقائق. فالعالم كله يعرف أن الولاياتالمتحدة دمرت أربع دول عربية هي العراق وليبيا وسوريا، وساهمت فى تدمير اليمن، وأنها قتلت خلال عمليات التدمير ونشر الفوضى أكثر من مليون عربي. والعالم كله يعرف أن واشنطن تساند الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وتعرقل حل الدولتين وتؤيد الاستيطان والتهويد وانتهاك المقدسات الدينية فى الأراضي المحتلة، وتقف ضد القانون الدولي وقرارات الأممالمتحدة إلى حد تقديم القدسالشرقية هدية إلى دولة الاحتلال ونقل سفارتها إليها. وها هو الوزير الأمريكي بومبيو نفسه يقول فى خطابه بالجامعة الأمريكية إن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أخطأ عندما امتنع عن مهاجمة سوريا خلال تحركات المنظمات الإرهابية للإطاحة بالنظام الحاكم فى دمشق ! * * * أما عن أكذوبة أن أمريكا هزمت داعش فى سوريا، فإنني أكتفى بتعليق «ستيفن كوهين»، أستاذ الدراسات السياسية بجامعتي نيويورك وبرنستون، الذي قال إن الذي دمر تنظيم داعش فى سوريا هي روسيا وحلفاؤها. والواضح أن تصريحات بومبيو تنذرنا بأن الإدارة الأمريكية لن تكف عن التدخل فى شئون المنطقة، فهي تريد إقامة «حلف استراتيجي» أو «ناتو عربي» لمواجهة إيران، فقد تعهد بومبيو بأن التدخل الأمريكي فى سوريا لن يتوقف حتى يتم طرد أخر جندي إيراني من هناك ! كذلك قال أن أمريكا لن تقبل أن يحتفظ «حزب الله» اللبناني ب «وجود رئيسي» فى الساحة اللبنانية، علماً بأن الحزب يشارك فى حكومة لبنان !. وبصرف النظر عن الموقف من إيران، فالمفترض أن سوريا هي التي تقرر بقاء أم عدم بقاء أي إيراني فى أراضيها. والمفترض أيضًا أن لبنان هو الذي يقرر أو لا يقرر مساهمة حزب الله فى الحياة السياسية اللبنانية، ولكن… هكذا تصر الولاياتالمتحدة على الوصاية على المنطقة والهيمنة على شئونها وأن تنوب عن أنظمة الحكم القائمة فيها بشأن اتخاذ القرارات التي تتعلق بمسارها ومستقبلها، كما لو كان حكام الدول العربية لم يبلغوا سن الرشد أو لم يصلوا إلى درجة من الوعي والمسئولية تؤهلهم لاتخاذ قرارات تتعلق ببلادهم دون حاجة إلى تدخلات بومبيو !. * * * وماذا عن فلسطين ؟ الواضح أن بومبيو لم يعد يعتبر أن هناك قضية تحمل هذا الاسم.. فالمشكلة الأولى والقضية الرئيسية بالنسبة له هي إيران، أما فلسطين فلم يعد لها وجود فى جدول الأعمال الأمريكي بما يعني أن استمرار الاحتلال والاستيطان والتهويد أصبح من الأمور الطبيعية التي يجب استكمالها دون إزعاج إسرائيل ! * * * وهنا يكفى أن أشير إلى الواقعة التالية: أخصائية فى علم أمراض الأطفال تدعي «بهية عماوي» عملت طوال السنوات التسع الماضية مع ذوي الاحتياجات الخاصة، ممن يعانون من أمراض التوحد وعدم القدرة على الكلام أو النطق باللغة، فى مدرسة ابتدائية حكومية بمدينة «اوستن» بولاية تكساس الأمريكية. بدأت بهية العمل فى عام 2009 بموجب عقد مع الإدارة التعليمية لمدارس «فلوجير فيل»، التي تشمل «أوستن» لدعم أطفال عدد متزايد من المهاجرين المتحدثين بالعربية تتراوح أعمارهم بين 3 سنوات و11 سنة وكان عقد عملها يتجدد كل سنة بطريقة شبه تلقائية، غير أن كل شيء تغير هذا العام.. فعندما شرعت فى توقيع عقد عملها السنوي، فوجئت بأن المطلوب منها التوقيع على شهادة تتعهد بموجبها بأن «لاتقاطع إسرائيل حالياً» و»لن تقاطع إسرائيل خلال الفترة الزمنية للعمل بهذا العقد» !! كذلك مطلوب منها الامتناع عن أي عمل «يستهدف معاقبة أو الحاق ضرر اقتصادي بإسرائيل أو الحد من العلاقات التجارية معها أو العلاقات التجارية مع أي شخص أو كيان يمارس نشاطا اقتصاديا فى إسرائيل أو الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل»!. مما يذكر أن بهية عماوي التي ولدت فى النمسا تقيم طوال الثلاثين سنة الماضية فى الولاياتالمتحدة، وهي أم لأربعة أطفال ولدوا هناك. وبموجب الشهادة والتعهدات المطلوبة من هذه السيدة، فإن عليها، ليس فقط الامتناع عن مقاطعة سلع تنتجها شركات فى إسرائيل، بل أيضا.. يجب أن ترفض مقاطعة شركات إسرائيلية تعمل فى الضفة الغربيةالمحتلة !! وفى نفس الوقت، فإن بهية عماوي ممنوعة من أي دفاع عن مقاطعة أي شيء إسرائيلي. ورغم أن هذه السيدة ليست زعيمة لأي حركات سياسية، فإن كل تلك الشهادات والتعهدات تعني أنها يمكن أن تستمر فى عملها بشرط أن تلتزم بالالتزام السياسي الوحيد المطلوب أن يتقيد به سكان تكساس حتي يعملوا فى الإدارة التعليمية أو غيرها.. وهو حماية إسرائيل !. وفى وسع بهية عماوي أن تشارك فى أي نشاط سياسي ضد بلادها أو فى مقاطعة اقتصادية لأي دولة أو مدينة داخل الولاياتالمتحدة أو العمل ضد سياسات أي حكومة أخرى فى العالم.. ماعدا إسرائيل !. كل ما فعلته هذه السيدة أنها كمستهلك اختارت وهذا حقها عدم شراء منتجات لشركات فى إسرائيل أو الضفة الغربيةالمحتلة لأنها مقتنعة بضرورة إنهاء الاحتلال الاسرائيلي وأن يمارس الفلسطينييون حقهم فى تقرير المصير. أما سلطات ولاية تكساس، فأن كل ما يهمها ليس الالتزام بحماية الولاياتالمتحدة أو أطفال الولاية.. ولكن.. المصالح الاقتصادية لإسرائيل ! وهذا هو المعني الحقيقي لدور الولاياتالمتحدة ك» قوة لخدمة الخير فى العالم.. وخاصة الشرق الأوسط ! «.