وفد جامعة المنصورة الجديدة يزور جامعة نوتنجهام ترنت بالمملكة المتحدة لتبادل الخبرات    الآلاف من أطباء الأسنان يُدلون بأصواتهم لاختيار النقيب العام وأعضاء المجلس    ذاكرة الزمان المصرى 25أبريل….. الذكرى 42 لتحرير سيناء.    أسعار الذهب فى مصر اليوم الجمعة 26 أبريل 2024    وزير التنمية المحلية يعلن بدء تطبيق المواعيد الصيفية لفتح وغلق المحال العامة    خبراء الضرائب: غموض موقف ضريبة الأرباح الرأسمالية يهدد بخسائر فادحة للبورصة    محافظ بني سويف يتابع انتظام العمل بسوق السيارات شرق النيل    النواب يرسل تهنئة رئيس الجمهورية بذكرى تحرير سيناء    عاجل| مصدر أمني: استمرار الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي للوصول لصيغة اتفاق هدنة في غزة    الدماطي يطمئن على ترتيبات افتتاح بطولة إفريقيا للكرة الطائرة سيدات    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة الجونة للإسكواش ويستعد لمواجهة حامل اللقب "على فرج"| فيديو    تحطم سيارتين انهارت عليهما شرفة عقار في الإبراهيمية بالإسكندرية    والدة الشاب المعاق ذهنيا تتظلم بعد إخلاء سبيل المتهم    «الصحة»: فحص 434 ألف طفل حديث الولادة ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية    مزارع يقتل آخر في أسيوط بسبب خلافات الجيرة    مياه الشرقية تنفذ أنشطة ثقافية وتوعوية لطلبة مدارس أبو كبير    حصاد الزراعة.. البدء الفوري في تنفيذ أنشطة مشروع التحول المستدام لإنتاج المحاصيل    أول تعليق من كلوب على إهدار صلاح ونونيز للفرص السهلة    سون: آرسنال من أفضل أندية العالم    وزارة الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة 3 مايو    «التعليم» تستعرض خطة مواجهة الكثافات الطلابية على مدار 10 سنوات    رئيس الصين يوجه رسالة للولايات المتحدة.. وبلينكن يرد    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    محامية حليمة بولند تكشف كواليس حبسها    إيرادات الخميس.. شباك التذاكر يحقق 3 ملايين و349 ألف جنيه    فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة بقصور الثقافة بشمال سيناء    خطيب الأوقاف: الله تعالى خص أمتنا بأكمل الشرائع وأقوم المناهج    "الدفاع الروسية": "مستشارون أجانب" يشاركون مباشرة في التحضير لعمليات تخريب أوكرانية في بلادنا    قافلة جامعة المنيا الخدمية توقع الكشف الطبي على 680 حالة بالناصرية    طريقة عمل ورق العنب باللحم، سهلة وبسيطة وغير مكلفة    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    الإسكان: تنفيذ 24432 وحدة سكنية بمبادرة سكن لكل المصريين في منطقة غرب المطار بأكتوبر الجديدة    انتداب الطب الشرعي لمعاينة جثث 4 أشخاص قتلوا على يد مسجل خطر في أسيوط    مواقيت الصلاة بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024.. في القاهرة والمحافظات    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    عرض افلام "ثالثهما" وباب البحر" و' البر المزيون" بنادي سينما اوبرا الاسكندرية    سميرة أحمد ضيفة إيمان أبوطالب في «بالخط العريض» الليلة    في ذكرى ميلادها.. أبرز أعمال هالة فؤاد على شاشة السينما    احتجت على سياسة بايدن.. أسباب استقالة هالة غريط المتحدثة العربية باسم البيت الأبيض    تأجيل الانتخابات البلدية في لبنان حتى 2025    دعاء صباح يوم الجمعة.. أدعية مستحبة لفك الكرب وتفريج الهموم    تشافي يطالب لابورتا بضم نجم بايرن ميونخ    أمن القاهرة يكشف غموض بلاغات سرقة ويضبط الجناة | صور    اتحاد جدة يعلن تفاصيل إصابة بنزيما وكانتي    منها «ضمان حياة كريمة تليق بالمواطن».. 7 أهداف للحوار الوطني    الشركة المالكة ل«تيك توك» ترغب في إغلاق التطبيق بأمريكا.. ما القصة؟    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    تؤجج باستمرار التوترات الإقليمية.. هجوم قاس من الصين على الولايات المتحدة    رمضان صبحي: نفتقد عبد الله السعيد في بيراميدز..وأتمنى له التوفيق مع الزمالك    كارثة كبيرة.. نجم الزمالك السابق يعلق على قضية خالد بو طيب    منها «عدم الإفراط في الكافيين».. 3 نصائح لتقليل تأثير التوقيت الصيفي على صحتك    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    فضل أدعية الرزق: رحلة الاعتماد على الله وتحقيق السعادة المادية والروحية    لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟    أدعية السفر: مفتاح الراحة والسلامة في رحلتك    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    أطفال غزة يشاركون تامر حسني الغناء خلال احتفالية مجلس القبائل والعائلات المصرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى عيد ميلاده التسعين.. معين بسيسو.. مناضلًا يساريًا جسورًا
نشر في الأهالي يوم 18 - 10 - 2017

لعل من الحكمة البدء بلمحة عن الحركة الشيوعية الفلسطينية فى قطاع غزة. معروف أن " الحزب الشيوعي الفلسطيني"، قد تأسس فى فلسطين، منذ العام 1922، و حين اندلعت ثورة 1936 الوطنية الفلسطينية، و امتدت لثلاث سنوات متصلة، فإن الأعضاء اليهود كفُّوا عن تأييد تلك الثورة، بزعم ارتباط قيادتها بالنازية، بينما واصل أعضاء الحزب انخراطهم فى الثورة، ما كرَّس الانفصال فى الحزب، على أساس يهودي-عربي. و ما أن حل"الكومنترن "نفسه، فى مايو/آيار 1943، حتى سارع الأعضاء العرب إلى استحداث حزب ماركسي عربي، حمل اسم "عصبة التحرر الوطني"، خريف العام نفسه. و بعد تبدُّل و تغيَّر فى رأس الحزب، غير مرة، عقدت العصبة مؤتمرها، الحزبي الأول، فى أبريل/ نيسان 1947، انتخب لجنة مركزية، بينما كانت مناطق الحزب اختارت لجانها القيادية، فضلاً عن مندوبيها إلى المؤتمر العام. و اختير كل من : على عاشور، محمد خاص، أسعد مكي، عبد العزيز العُطِّي، رشاد البرقوني، و سليم القاسم قيادة للواء غزة.
فى أحد أيام ديسمبر/كانون الأول 1948، ألقي القبض على عضو العصبة، محمد السمنة، و هو يوِّزع منشوراَ للعصبة، فى مقهي ساحة التاكسيات بغزة، و انتهى الأمر باعتقال خمسة من قيادة اللواء، عدا العُطي، الذي كان التحق بأسرته فى الضفة الغربية، و غدا واحدًا من ستة قادوا العصبة هناك، حتى مايو/ آيار1951، حين دمجت العصبة معها الحلقات الماركسية فى شرقي الأردن، و حمل الجميع اسم" الحزب الشيوعي الأردني". و حدث أن هاجمت القوات الإسرائيلية معسكرالكونتلا، فى سيناء، و أسرت المعتقلين، و لم يفلت منهم سوى رشاد البرقوني.
نعود إلى قطاع غزة، الذي استمر يعيش على منشورات العصبة، التى تصدرها قيادتها( فى نابلس و الضفة الغربية)، و ذلك حتى يونيو/حزيران 1949، حين كان سكرتير العصبة الجديد فى قطاع غزة، حامد الحصري، يحمل كيسًا كبيرًا على ظهره، امتلأ بالمنشورات، ليلا، و قد حثَّ الخطى، فشاهده أحد حرَّاس بنك باركليز(محمد صيام)، فصرخ، من فوره:"حرامي،حرامي!"، و حين أمسكوا به، فوجئوا بالمنشورات، و كانت الشرطة قد تدخلت، و انتهى الأمر باعتقال نحو خمسين من أعضاء العصبة، فى معسكر قديم للقوات البريطانية، فى القنطرة شرق، لنحو سنتيْن، و لم يُفرج عنهم إلا بقرار من نائب قائد حرس الحدود المصري، آنذاك، القائمقام(العميد) محمد نجيب، باعتبار قطاع غزة تابعًا لسلاح الحدود. هنا، تقدم فخري مكي، و كان مقاطعًا، و شكَّل قيادة خماسية جديدة للعصبة.
بذا، تكون الخلفية التاريخية الضرورية عن الحركة الشيوعية الفلسطينية فى قطاع غزة قد استُكملت، ما يسمح بانتقالنا إلى الموضوع نفسه.
معين فى القاهرة
فى مصر غدا معين أحد أعضاء قيادة المنطقة التابعة للحزب الشيوعي الأردني، وكان الحزب يقبل أبناء غزة فى صفوفه،وقاد تلك المنطقة حتى صيف 1956، طالب الطب، ابن صفد،نديم النحوي، وتلاه،فى الموقع نفسه، طالب طب من أبناء غزة، أعتذر عن ذكر اسمه،حيث يقيم فى بلد خليجي !
بعد حريق القاهرة، و إعلان الطوارئ (27/1/1952)، مباشرة، صدر لمعين ديوانه الشعري الأول (المعركة) عن "دار الفن الحديث"، سلف "دار الفكر"، وصاحب الدارين، هو الشاعر اليساري المصري المعروف، كمال عبد الحليم. وعلى الغلاف الأخير رسم طالب كلية الفنون الجميلة اليساري، صلاح جاهين، بورتريه لمعين. فى ديوانه هذا؛ أحرق معين مرحلة البكائيات فى الشعر الفلسطيني، التي تلت نكبة 1948.
إلى العراق عبر غزة
حين تخرَّج معين فى قسم الصحافة فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، صيف 1952، مر بغزة، وفوجئ بالضربة الأمنية الثالثة للشيوعيين (10/8/1952)، والتي شملت 60 عضوًا فى "عصبة التحرر الوطني"،
ضُبطت قائمة باسمائهم، السرية والعلنية، وعناوينهم، وتقييم المسئول الأول عن كل منهم. و أفلت أربعة، فقط، هم من تبقى، حيث سافر عصام سيسالم،سرًا، إلى سوريا، ومحمد عبود أبو كميل إلى الكويت، ومحمد خالد البطراوي، وعوني سيسالم إلى الضفة الغربية. و كان معين من نبَّه البطراوي إلى ضبط الأمن لقائمة أسماء أعضاء العصبة. فأفلت البطراوي بجلده. وكان ثمانية عشر معتقلًا من مدرستي (الإمام الشافعي الإبتدائية)، ستة مدرسين، واثني عشر طالبًا.
سافر معين إلى العراق،حيث عمل مدرسًا ، لكن الأمن العراقي كان له بالمرصاد، و اعتبره شخصًا غير مرغوب فيه،فغادر العراق بلا عودة، عائدًا إلى غزة.
فاتني أن اشير إلى ما لاقاه الأعضاء الستون، فقد ترأس المحكمة العسكرية، التي نظرت قضيتهم،الضابط فى الجيش المصري، لطفى واكد، وهو شيوعي سابق، كان ترك "حدتو"، 1948، احتجاجًا على قبولها تقسيم فلسطين. وأخذ واكد بدفاع محامي المتهمين، سعيد زين الدين، الذي طالب بإسقاط التهمة السادسة عن المتهمين، ومؤداها "الانضمام إلى حزب غير مشروع". إذ أبرز زين الدين الترخيص الممنوح للعصبة من حكومة الانتداب، خريف 1943، ولم تلغه الإدارة العسكرية المصرية،التي اعتبرت القطاع،منذ ئذ وحتى هزيمة 1967 العربية المدوية، "المناطق الخاضعة لرقابة القوات المصرية" ! لذا، بُرئ إثنان، عدا ثالث، تحوَّل إلى شاهد ملك (عبد الحميد طقَّش)، وسبعة حملوا ما بين سنتيْن وست سنوات،ومن تبقى ما بين ثلاثة أشهر وستة. يعني مزحة !، إذا ما قيست بالأحكام التي كانت تصدر على الشيوعيين المصريين، آنذاك، فضلًا عن أن الفلسطينيين نالوا مُددًا مخفضة، وليست مشددة، والأولى تقضي بثلاثة ارباع المدة.
فى قطاع غزة
أطل معين على خبرات الحركتيْن الشيوعيتيْن، فى مصر والعراق، الأمر الذي حُرم منه من بقي حبيس قطاع غزة، وهو ما ينطبق على كل أعضاء العصبة، فظلوا متواضعي الثقافة، السياسية و النظرية. واختار معين ثلاثة ممن قضوا محكوميتهم، هم : سمير البراقوني، محمود نصر،و أحمد المبيَض. وعقد الأربعة الاجتماع التأسيسي للحزب الشيوعي الفلسطيني فى قطاع غزة، وذلك فى بيارة قرب وادي غزة، تمتلكها أسرة خالد أحمد شُرَّاب، الطالب الشيوعي الفلسطيني فى قسم التاريخ، بآداب جامعة القاهرة، وذلك فى أحد أيام أغسطس/آب 1953. واتخذ معين لنفسه اسمًا سريًا،هو الرفيق باسم، تيمنًا بالاسم السري لسكرتير عام الحزب الشيوعي العراقي، آنذاك (بهاء الدين نوري).
فى الشهر نفسه،اعتدى الجيش الإسرائيلي على مخيم البريج بقطاع غزة، وسقط العديد من الشهداء، والجرحى.وفى صباح اليوم التالي، قاد معين، المدرِّس بمدرسة البريج الإعدادية، مظاهرة حاشدة، فى المخيم نفسه، إمتدت لنحو كيلومتر، بعرض الشارع الثلاثيني. وصُعق الأمن، وبادر باعتقال خمسة و ثلاثين شيوعيًا (حسب زعمه)، بينهم الشيخ عز الدين طه، الإخواني المخضرم،المعروف لعيال الشارع !
قبل ذلك بأيام، كانت السلطات العسكرية المصرية سمحت لمدرسي وكالة غوث اللاجئين بتشكيل نقابة لهم، اتخذت من مبنى مواجه لسرايا الحكومة مقرًا لها. وخيضت انتخابات النقابة،وقد تمكن معين، وحده، من اختراق قائمة "الإخوان" العلنية، ما أكد الشعبية الواسعة التي حازها معين، بشخصه. فى حفل افتتاح النقابة، الذي جرى فى سينما السامر فى مدينة غزة، ألقى معين قصيدة "ارسمي من دمي ومن أصفادي خريطة لبلادي".
حين نزلت "الإخوان" تحت الأرض، بعد اتهامها بمحاولة اغتيال الرئيس عبدالناصر (26/10/1954)، تحوَّلت الجماعة فى قطاع غزة، بقدرة قادر، من تكفير الشيوعيين، إلى طلب التحالف معهم. وقد استوى الخشب والماء، وغدت الجماعة والحزب فى خندق واحد، معادين لسياسة مجلس قيادة الثورة فى مصر.
فى 14/11/1954، عقد "الشيوعي" مؤتمره الأول، فى بيارة فايز الوحيدي، شيخ عشائر الوحيدات،وكان خرج، لتوه، من حكم سنتيْن، فى قضية العصبة (10/8/1952). وقد توسط المؤتمرين الأحد عشر خروف أوزي مشوي،للتمويه. وقاد حراس المؤتمر عمر عوض الله. وانتُخب معين ضمن أعضاء مركزية الحزب الخمسة (الأربعة الباقون، هم : محمود نصر،سمير البرقوني، فايز الوحيدي، أحمد فليونة).
منشورات متعددة
فى مساء الخميس (25/2/1955) تصادف ان وزَّع الشيوعيون منشورًا، ضمَّنوه تقريرًا سريًا لفريق طبي، تابعًا للأمم المتحدة، زار المنطقة المخصَّصة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين،شمال غربي سيناء. وأكد الفريق أن المنطقة غاصة بالأمراض المتوطنة. ودعا "الشيوعي" جماهير القطاع إلى الخروج فى مظاهرات،عقب صلاة الجمعة بعد القادم (5/3/1955)، ضد "مشروع سيناء". وكان معين حصل بنفسه على التقرير من سكرتيرة مدير وكالة الغوث فى القطاع، هنرييت سابا. فى مساء اليوم نفسه،للمصادفة، تحرَّك بعض رجال "كتيبة الحق" الإخوانية، وفجَّروا لغمًا، تحت عبَّارة فى مستعمرة نيتساريم، قرب غزة. وردت الكتيبة 101 الإسرائيلية، بقيادة آرييل شارون بشن اعتداء مسلح على بير الصفا، ومحطة السكة الحديد، فى أطراف غزة، مساء الأحد (28/2/1955)، وتمكَّن جنود الكتيبة من قتل 39 مقاتلًا مصريًا، وسودانيًا، وفلسطينيًا.
فى صباح اليوم التالي، اندلعت مظاهرة طلابية، خرجت من مدرسة فلسطين الثانوية، وعند التقاء المظاهرة بالشارع الرئيسي (عمر المختار)، وعلى بعد نحو نصف كيلومتر من المدرسة المذكورة، ونحو مئة متر من منزل أسرة معين، صعد الأخير على ظهر أحد المتظاهرين، وأطلق هتافات ضد الحكم فى مصر، وضد"مشروع سيناء"، واتجهت المظاهرة إلى أقصى شرق غزة فى حي الشجاعية، وعادت من هناك، ضامة ألوفًا مؤلفة،من الطلبة والمواطنين،وقلة من النساء، فنحن فى مجتمعً متزمت.
مراقبة دائمة
صعدتُ، أنا والعبد أبو شعبان ( أبو النعيم)، وأسقطنا عَلَم الأمم المتحدة، من فوق مقر مراقبي الهدنة، الملاصق لمدرسة الإمام الشافعي. وعند نزولنا، فوجئنا بسيارات المراقبين الأربعة، وقد التهمتها النيران.
حين التفتنا إلى يسارنا، وجدنا ضابط البوليس، حلمي الحلبي، ينزل من مصفحة،كان المناضلون الفلسطينيون اغتنموها من العصابات الصهيونية، من المجدل. أشهر الحلبي مسدسه فى وجه معين، دون غيره، فقطع الأخير أزرار قميصه، وهجم على الحلبي، قائلًا : "اضرب يا جبان!" واشتد حماس الجماهير، وفرَّ رجال الشرطة، فأرسلت إدارة الحاكم العسكري سيارتيْ جيش، اقتحمتا صفوف المتظاهرين، وفتحتا النار عليهم، فقُتل عدة متظاهرين. ومن فوق مستشفى تل الزهور، أطلق شاويش شرطة فلسطيني نار بندقيته على مناضل شيوعي هو حسني بلال، فأرداه شهيدًا. وفى اليوم نفسه، سقط شهيدًا، فتى شيوعي، فى إعدادية مخيم النصيرات، هو يوسف أديب، ابن إمام جامع النصيرات. والشهيدان ضمن نحو أربعين شهيدًا، سقطوا برصاص الجيش.
حين حاصر المتظاهرون سرايا الإدارة، خرج كبار المسؤولين كي يستوضحوا مصدر الهتافات الهادرة. و أذكر أن البكباشي (المقدم) مصطفى حافظ، رئيس مكتب المخابرات العسكرية فى قطاع غزة، كان بين من خرجوا، و ما أن شاهد الحشود، حتى التفت إلى سكرتير المكتب، سعيد السقا، و سأله، مؤنبًا:" هم دول يا سعيد الشيوعيين، اللي ما يجوش ثلاثين واحد؟!" أطرق السقا، خجلا. هنا اندفع قائمقام غزة الإدراي، سيد أبو شرخ، نحو حافظ، و قال له :" يا فندم لو قتلت عشرة منهم، الباقي حيهرب زى الفيران".رد حافظ عليه، من فوره:" مش يمكن اللي اقتله، هو اللي يحرر فلسطين".
استمرت الانتفاضة ثلاثة أيام وليلتيْن (الإثنين،والثلاثاء،والأربعاء:1،2،3/3/ 1955). وفى ضحى اليوم الثالث،أرسل حاكم مدينة غزة الإداري، البكباشي (المقدم) سعد حمزة، إلى قيادة الإنتفاضة،كي تُرسل وفدًا عنها، يحمل مطالبها، واختار المنتفضون وفدًا ثلاثيًا، ضم كلًا من معين (عن"الشيوعي")، وفتحي البلعاوي("الإخوان") وجمال عمر الصوراني (عن المستقلين). وانحصرت مطالب الوفد فى ثلاثة:(إلغاء مشروع سيناء ؛ تحصين قطاع غزة وتسليحه، وتدريب شعبه؛ وإشاعة الحريات الديموقراطية فيه). عصر اليوم نفسه،حضر حمزة إلى مقر نقابة معلمي الوكالة، الذي غدا مقر قيادة الانتفاضة، وأبلغ بسيسو والبلعاوي موافقة الرئيس عبد الناصر على كل مطالب الانتفاضة.
مساء اليوم نفسه اصدر الحاكم العام لقطاع غزة، اللواء عبدالله رفعت، بيانًا، اقسم فيه، بشرفه العسكري،ألا يعتقل، أو يحاكم، إلا كل من أتلف، أو أحرق، عن عمد. ولم يمر سوى اسبوع واحد على هذا الوعد، حتى كان زوَّار الفجر يقتحمون منازل ثمانية وستين شخصًا، لاعتقالهم. سبعيْهم شيوعيين، ومثلهم تقريبًا من "الإخوان"، وثلاثة أسباعهم مستقلون.
من منزل أسرة معين، وحده،اعتقل زوار الفجر أربعة أشقاء، هم كل من وجدوه من الشباب،تاركين فتى (علاء،15سنة)، وطفلة(سهير،5سنوات). ويبدو أن حافظ قد اسكثر اعتقال أربعة أبناء من أسرة واحدة؛ فأعاد صهيب إلى والديه، مبقيًا معين، وأسامة، وسعد، قيد الأصفاد
حين وصل زوَّار الفجر إلى منزل أسرة معين، سارعت الخادمة (آمنة) إلى صنع القهوة،شأنها عند وصول ضيوف إلى الأسرة، وحين أتت بصينية القهوة، قلبتها الخالة أم معين، وقالت لآمنة:"إن شاء الله ما طفحوها!" والتفتت إلى معين، قائلة:"عمك عاصم مسكوه العثمانيين، وحكموا عليه بالإعدام، وها هو حي الداريْن، بينما ذهب العثمانيون".
عندها ترددت فى سماء غزة قصيدة معين :"من لم تودَّع بنيها بابتسامتها لم تحبل ولم تلدِ!"
سجن القلعة
فى سجن مصر، قرب القلعة، قضى معين ورفاقه، نحو العام،نقلوهم، بعد هدم هذا السجن، إلى سجن القناطر،ليُفرج عنه هو وعشرون آخرون من رفاقه، الذين تأخر الإفراج عنهم، عمدًا،إلى ما بعد" العدوان الثلاثي"، والإنسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة (7/3/1957). وعاد معين إلى غزة، مطلع أغسطس/آب 1957، ليعاود نشاطه، من جديد، ولكن هذه المرة تحت سماء شهر عسل مع نظام عبد الناصر، لذا اتسم نضال معين فى تنظيم مظاهرات التأييد والاحتفال، وكتابة عمود،يوم بعد يوم، فى الصحيفة اليومية التي سمحت الإداراة للشيوعيين بإصدارها (التحرير)، وحمل العمود عنوان "مدفعية مضادة". أخفى معين مطبعة الحزب فى منزل خالاته، بحى الرمال فى غزة، و لم يعرف مكان المطبعة سوى معين، و شريكه فى قيادة الحزب،آنذاك، فخري مكي، و عضو الحزب الذى يتعامل مع المطبعة، أما أنا فعرفت مكان المطبعة، بطريق الصدفة، بحكم سكناي بالقرب من المنزل إياه. إلى ان افتُعل خلاف، تطور إلى صدام، ليس له ما يبرره، ما بين الثورتيْن، المصرية و العراقية؛ حين ألحَّ عبد الناصر على دخول العراق فى وحدة اندماجية فورية، ضمن"الجمهورية العربية المتحدة"، واقترح رأس الثورة العراقية، عبد الكريم قاسم، التمهل، والبدء باتحاد فيدرالي، يتطور إلى وحدة اندماجية،لتجنُّب عثرات الوحدة المصرية_ السورية، ما أزعج عبد الناصر، فاندفع فى عداء مع الثورة العراقية، وشن حملات اعتقال، طالت شيوعيي مصر، وسوريا، وقطاع غزة ر(24/3/1959)، حيث اعتقلت أجهزة الأمن ثمانية عشر مناضلاً فى السجن الحربي بالقاهرة، بينهم معين وخطيبته، صهباء البربري. تبعت تلك الحملة حملة أٌخرى، فى 10/8، ضمت ثلاثة عشر ناشطًا شيوعيًا،و شكَّلت هاتان الحملتان صدمة لشيوعيي قطاع غزة، الذين كانوا أعطوا صوتهم للوحدة المصرية-السورية، فى منشور سري، وزعوه فى القطاع، أواخر فبراير/شباط1958.
أٌفرج عن أربعة من المعتقلين الفلسطينيين، بمناسبة عيد الثورة (23/7/1960)، ثم نٌقل الباقون إلى سجن المحاريق بالواحات (26/8/1960). وهناك اقتحم اللواء حسن المصيلحي، مستشار الرئيس عبد الناصر لشؤون الأمن، رئيس مكتب مكافحة الشيوعية، ملوِّحًا بالإفراج عن كل من يستنكر مبادءه. عندها نظم معين رائعته "المرتد".
فى 14/3/1963، تم الإفراج عن آخر مجموعة من المعتقلين الشيوعيين الفلسطينيين، وبينهم معين، الذي اختار أن يُنهي مذكراته (دفاتر فلسطينية) بهذا التاريخ، ما يعني أننا دلفنا إلى مرحلة أُخرى فى حياة هذا الشاعر المناضل اليساري.
وبعد، فقد كان تاريخ معين بسيسو هو تاريخ "الحزب الشيوعي الفلسطيني فى قطاع غزة"، خاصةً ما بين صيف 1953 وربيع 1955. وهو القائد بلا منازع لانتفاضة مارس 1955، التي أطلقت النهوض القومي العربي، على مدى النصف الثاني من خمسينيات القرن العشرين. وقد احتل معين موقعه الحزبي البارز، بجدارة، بفعل ثقافته، السياسية والنظرية، وقامته الشعرية، فضلاً عن أنه كان الجامعي الوحيد فى الحزب، حتى خريف 1954، حين وصل من الجامعات المصرية، كل من: زهير الريس، وإبراهيم الدغمة، ومحمد أبو زريبة. ناهيك عن أن معين كان ابن ناس.
عبد القادر ياسين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.