تحقيق: محمد مختار ودّع اليسار المصرى والمصريون جميعًا، الأسبوع الماضى، الدكتور محمود عبدالفضيل المفكر الاقتصادى، والذى وافته المنية عن عمر 76 عامًا، من العطاء والأفكار ومحاولة النهوض بالاقتصاد دون المساس بالطبقات الفقيرة. ترك "عبد الفضيل"، تراثًا من العلم لا يستهان به، فهو الذى دق ناقوس الخطر قبل ثورة ال 25 من يناير، بعنوان " نواقيس الإنذار المبكر"، وهو أيضًا صاحب كتاب "رأسمالية المحاسيب"، والذى ناقش أزمة التفاوت الكبير بين فئات المجتمع، وسلبيات تجربة القطاع الخاص فى مصر بعد زمن الانفتاح. ولد محمود عبدالفضيل فى حى السيدة زينب فى أسرة متوسطة سنة 1941، واهتم بالثقافة بفضل الأسرة المحيطة به حيث قرأ كُتب الأدب العربى، واهتم بشكل خاص بكتابات كامل الكيلانى، كذلك اختلط بأسرة عصفور التى قدمت للفكر السياسى بعض الرموز العظيمة مثل محمد عصفور. ودرس " عبد الفضيل " فى كلية التجارة بجامعة القاهرة ليتخرج فيها سنة 1962، ثُم يسافر للحصول على الدكتوراة من جامعة السوربون، قبل أن يعمل خبيرا بقسم الاقتصاد التطبيقي بجامعة كامبردج أَثْنَاء الفترة 1972-1975، ثُم خبيرا فى البنك الدولى، قبل أن يعود إلى مصر ليترأس قسم الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة. دعم الفقراء وقال د. جودة عبد الخالق إن الفقيد من نتاج انتصارات ما بعد ثورة 1952، موضحًا أن التغيرات التى حدثت عقب هذه الثورة من تحولات فى السياسة الداخلية والخارجية وكذلك الأوضاع الاقتصادية، نتج عنها حراك اجتماعى كبير، لافتًا إلى أن "عبد الفضيل" كان جزءًا من هذه التحولات. وأوضح إنه من حيث التكوين فإنه ينتمى إلى ثورة 1952 أيضًا، من حيث مبادئها فى استقلال القرار المصرى وبناء اقتصاد قوى، والدفاع عن العدالة الاجتماعية، موضحًا إنه كان عضوًا مؤسسا فى حزب التجمع، منتميًا للجنته الاقتصادية، وأنه ساهم فى العديد من الدراسات التى قامت بها اللجنة الاقتصادية للحزب، ومنها الدراسة الشهيرة والتى حملت اسم "دعم الأغنياء.. ودعم الفقراء"، والتى ذهبت بها اللجنة وقدمتها فى المؤتمر الاقتصادى فى عام 1981، منوهًا إنه فى هذا الوقت كانت قضية الدعم مشتعلة، وأن الفكرة هى ضرورة مراعاة الكفاءة والعدالة الاجتماعية فى إدارة الدعم. وأشار عبد الخالق، إلى اهتمامه ببناء اقتصاد قوى فضلا عن همومه بمشاكل الفقراء، وكيفية مراعاة أحوالهم. منحاز لقضايا الوطن وقال رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، د. أحمد السيد النجار، "فقدت مصر والإنسانية اليوم واحدًا من كبارها وعظمائها، غادرنا المفكر الاقتصادي الكبير والعالم الجليل وأستاذي وأستاذ جيلي الأستاذ الدكتور محمود عبد الفضيل صاحب الثقافة الموسوعية ومعلم الأجيال والرمز الوطني المنحاز دائما لقضايا وطنه وشعبه والذي لم تتغير بوصلته يوما عن أهداف التنمية الاقتصادية الحقيقية والعدالة الاجتماعية. وأضاف النجار على حسابه بموقع التواصل الاجتماعى"فيسبوك"، سيبقى علمه الذي كان ينثره حيثما مر وكتبه وهي كنوز حقيقية للعلم والمعرفة، منارات عابرة للأجيال والأزمان ما بقي للعلم والتنمية والعدالة من قيمة. رأسمالية المحاسيب وفى نفس السياق، قال الباحث والمفكر السياسي، د. عمار على حسن، "مات اليوم الرجل الذي أنبأنا قبل ربع قرن بانهيار مروع للطبقة الوسطى فى بلادنا، ونبهنا إلى خطوة "رأسمالية المحاسيب" وحدثنا طويلا عن أن الاقتصاد خادم للناس، وأن العدل الاجتماعي أحد أركان الحياة الدنيا". وأضاف عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعى "تويتر"، مات عالم الاقتصاد الكبير الدكتور محمود عبد الفضيل، الذي لم أتعلم على يده مباشرة رغم أنه أستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية التي تخرجت فيها، فأيام تلمذتي كانت خدماته العلمية معارة للخارج، لكنني قرأت أغلب كتبه ومقالاته وجالسته كثيرا، وأنصت إليه بإمعان، "مع السلامة يا أستاذنا، إلى جنة الخلد يا من جعلت الدفاع عن الفقراء، ملح الأرض، أهم شواغلك، فشغلتنا بهم وبك". سوق العمل وقالت عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأسبق، د.عالية المهدى، إن الراحل كان من كبار المفكرين الاقتصاديين اليساريين بجانب جيل كامل ضم عددًا من كبار أساتذة الاقتصاد لهم نفس الأيديولوجية، مشيرة إلى إنه كان مثقفًا واعيًا، وكذلك التأثير والتأثر بجيل كامل ضم كوكبة من الفلاسفة والمفكرين والاقتصاديين. وأكدت أن الراحل والذى كان يشغل منصب استاذ التخطيط الاقتصادى بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، له العديد من المؤلفات والتى تهتم بأوضاع سوق العمل وكذلك الطبقات الاجتماعية المختلفة، منوهة أنه يعد أول من كتب عن اقتصاديات السوق غير الرسمى. وتابعت، إن الفترة التى كان يحاضر فيها بكلية الاقتصاد تركت بصمة كبيرة على الجميع، مؤكدة أنها كانت من أشد المعجبين من أسلوبه فى طرح الموضوعات ومناقشتها. الاستقرار الاقتصادى وقالت أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، د. يمن الحماقى، أن الراحل كانت له أيادى ناصعة البياض فى البحوث والدراسات والرسائل العلمية الاقتصادية، مشيرة إلى تميزه بباع كبير فى مجال الاستقرار الاقتصادى الكلى، وكذلك السياسات الاقتصادية وعلى رأسها السياسة المالية والنقدية والتجارية، وله العديد من الأبحاث فى هذا المجال. وتابعت، أننا فى الظروف الاقتصادية الحالية، بحاجة شديدة إلى الاستقرار الاقتصادى الكلى، وأنه لا توجد دولة تستطيع أن تتقدم وتحقق نموًا اقتصاديًا دون تحقيق هذا النوع من الاستقرار، حيث من مظاهر عدم تحقيق ذلك هو التضخم والبطالة، التجمع ينعى الفقيد نعى حزب التجمع، الدكتور محمود عبدالفضيل الذي توفى الخميس، موضحا أنه لم يكن فقط أحد أهم مؤسسي حزب التجمع الوطني، بل كان نقطة الالتقاء بين كل الوطنيين المصريين، وظل وطنيًا مصريًا مخلصًا يخوض معارك شعبه ضد الاستبداد والظلم الاجتماعي. وقال الحزب فى بيان: «اليوم ونحن ننعي لشعبنا المصري المفكر والعالم الاقتصادي الكبير نعاهد روحه وكل أصدقائه وتلاميذه على المضي فى ذات الطريق الذي اختاره وهو إقامة مجتمع العدالة الاجتماعية اعتمادًا على اقتصاد منتج وليس ريعياً، مجتمع ينحاز وبوضوح للمنتجين من أبناء شعبنا وينشر الاستنارة ويحمى حقوق المواطنة». وأضاف: «الآن ونحن نودع الدكتور محمود عبدالفضيل ونحزن لفراقه فإننا نفتخر بهذا الرجل العظيم الذي لم تهتز قناعاته فى ضرورة المواجهة مع الفساد المتمثل فى رأسمالية المحاسيب والإرهاب بكل أشكاله». المشاركة الشعبية ومن جانبه نعى حزب التحالف الشعبي الاشتراكي وفاة الأستاذ الدكتور محمود عبد الفضيل، والذي يعد أحد أساتذة وأعلام الفكر الاقتصادي فى مصر، قائلا: نحن نستشعر، كما يستشعر جميع المهتمين و المتابعين لدفتر أحوال الوطن جسامة الخسارة برحيله. فقد كان أحد رموز الجيل التي جمعت بين العمل الأكاديمي، وبين الاهتمام العملي بقضايا الاقتصاد المصري، من منظور التنمية الحقيقية المعبرة عن مصالح الجماهير الشعبية، والربط الوثيق بين الاقتصاد والسياسة، انحيازا للديموقراطية ومبدأ المشاركة الشعبية. وأضاف البيان، أن «عمل "عبد الفضيل" دراسة وتدريسا بين كلية الاقتصاد بجامعة القاهرة، وبين السوربون بباريس، وجامعة كامبريدج، تعد تأكيدا على تميزه الأكاديمي». وأردف أن «كتبه ودراساته المتعددة تعد مرجعا لمشكلات الاقتصاد المصري، من رأسمالية المحاسيب إلى نواقيس الخطر، مرورا بكتاب النفط والمشكلات المعاصرة ودراسات الزحف على البنوك، والاحتكارات فى الأسواق وغيرها. واختتم الحزب بيانه قائلا إن «أعماله تظل مصدرا لفهم المشكلات والتحديات التي تواجه مصر، ورافدا مهما لأفكارنا فى بناء تنمية حقيقية متمحورة حول الذات، وتلبى احتياجات الجماهير المصرية الأساسية، ونثق فى أن زملاءه وتلاميذه سيواصلون النهج والطريق الذي ساهم فى تمهيده». دراسات وأبحاث وللمفكر الكبير عدد من الكُتب البارزة والدراسات الاقتصادية الشهيرة وهو من أنصار عدم الفصل بين الاقتصاد والسياسة، وهو أحد المهتمين بدراسات المجتمع وله كتاب مثير حمل عنوان "رأسمالية المحاسيب" بينَ فيه التفاوت الكبير فى الدخول والانفاق فى مصر بين فئتين من المجتمع الأولى شديدة الثراء تسكن فى القصور والفيلات والأخرى تعانى من العوز الشديد. كذلك قدم المفقود كتاباً آخر تنبأ فيه بانتفاضة المصريين فى 25 يناير تحت اسم "نواقيس الانذار المبكر" حيث عرض فيه أهم مشكلات مصر التى تواجهها وعلى رأسها البطالة، وحلل الكتاب نوعية الاستثمارات المضافة أَثْنَاء عهد الرئيس مبارك ليلاحظ أنها تصب معظمها فى قطاع العقارات وهو ما لا يوفر فرص عمل بشكل جيد، وفى تصور "عبدالفضيل" فإن البورصة بسمتها الحالية مجرد ساحة للمضاربات على الأسهم. ومن آراء الرجل أن ثورات الربيع العربى لم تنجح فى تغيير الأنظمة لأنها كانت ثورات غير مكتملة، وهو ما يدفع لرفض مصطلح "الربيع"، مؤكدا أن الثورات تغير المجتمعات تغييرا جذريا، وقد دعا "عبدالفضيل" لعقد مؤتمر اقتصادى وطنى يضم كل الأطياف والمدارس الاقتصادية للوصول إلى حلول عملية لكل المشكلات الاقتصادية. فقيد اليسار المصرى ظل طوال حياته عضوا بهيئة تحرير مجلة كمبردج للاقتصاد، المعقل الأساسى للكينزية الجديدة، وهى، بحسب تلاميذه، تقوم على التطبيق العملى لسياسات النيوليبرالية.