عضو اتحاد المؤرخين العرب بالقاهرةقراءة التاريخ، وسيلة لاستشراف المستقبل والقدرة علي تحليل الأحداث فهو يقدم خبرات تراكم الزمان والمكان من أرض الواقع ليرفعها إلي تنبؤات صادقة وصدق من قال : من وعي التاريخ في عمره أضاف أعمارا إلي عمره. من هذا المنطلق، بدأت بالقاء نظرة علي أسباب انهيار وسقوط الحضارات، ودفعني لذلك حبي الشديد لوطني وحزني علي احواله السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والبيئية وغيرها من أحوال، بحيث لو وضع ترتيب مصر بين الدول لحصلت علي المقاعد الأخيرة، وأظن أن ذلك وضح في عدة مجالات ومنها الجامعات، إذ خرجت جامعتنا من الترتيب 500 - والرياضة- في دورة بكين الأخيرة جاء الترتيب 91، وأن كنا قد نلنا مقاعد متقدمة في مجال التلوث، والفساد، وهذه الرتب المتأخرة والمتقدمة!،، لابد أن تكون جرس انذار خطيرا لكل حريص علي هذا الوطن، والقاء نظرة مسحية علي الاحوال الاقتصادية نجد أنه اقتصاد مريض بمرض مزمن ولا يجد النطاسي الماهر الذي يشفيه من مرضه، فغلاء يقصف عمر الفقراء، وبطالة متوغلة تدفع بالشباب للانتحار في البر والبحر، وصناعات تتواري أمام صناعات المارد الصيني الجبار، وزراعة لا تجد إلا الأسمدة المسرطنة، ومياه الصرف الصحي، وتجارة سيطرت عليها البضائع الاستفزازية، وصادراتنا تعود إلينا لعدم مطابقتها للمواصفات الصحية وقطن فقد عرشه وسياحة متأرجحة طبقا للظروف، واستغلال التجار الجشعين للظروف إما بغش البضائع وإما برفع الأسعار دون رقيب أورابط أو ضابط. وإذا سحبنا عوامل الانهيار علي بقية أحوال الوطن نجد انها لا تختلف كثيرا عن حالة الاقتصاد. فالسياسة الداخلية الفاشلة منعكسة علي السياسة الخارجية، وخاصة أهم دوائرها الثلاث وهي الدائرة الإفريقية، فقد تراجع دور مصر من إفريقيا، وأوضح المظاهر علي ذلك، هو موقف دول حوض النيل العشر من دول المصب والمطالبة بتخفيض حصة مصر من مياه النيل، ناهيك عن هذا التراجع إلي المنحدر، فتاريخ مصر العريق ومصدر فخرها الباقي، يكاد يطمس تحت سنابك اللوبي الصهيوني، أو من يدك تراثها بفعل الرأسمالية الجديدة والقطط السمان حتي إنهم ينظرون لكل أثر أو تراث بنظرة التاجر الطماع. وابن خلدون في مقدمته يحذر من الظلم أو الاستيلاء علي أموال الناس بغير وجه حق يسبب قعود الناس عن السعي إلي الرزق فيقول:أعلم أن العدوان علي الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم، فإذا قعد الناس عن المعاش وانقبضت أيديهم عن المكاسب كسدت اسواق العمران وانتقضت الاحوال واذعر الناس في الأفاق من غير تلك الأيالة في طلب الرزق فيما خرج عن نطاقها فخف ساكن القطر وخلت دياره وخربت امصاره واختل باختلاله حال الدولة والسلطان، ويظل ابن خلدون يشرح اسباب فساد الدول ببصيرته النافذة كأنه كان يقرأ صفحات المستقبل، والمؤرخ ول ديورانت في قضية الحضارة عام 1945 يقدم أسباب سقوط الحضارات وهو لا يعزي ذلك لسبب واحد، وضرب مثلا علي ذلك بسقوط الامبراطورية الرومانية، فقال: «كانت العوامل الداخلية هي سبب سقوط هذه الامبراطورية ، فالحضارة العظيمة لا يقضي عليها من الخارج إلا بعد أن تقضي هي علي نفسها من الداخل.. والمؤرخ البريطاني» ارنولد توينبي في موسوعته العظيمة «دراسة للتاريخ الذي انتهي من عمله هذا عام 1961 يرجع انهيار الحضارات وتحللها إلي عدة عوامل وهي : 1- قصور الطاقة الابداعية في أقلية المجتمع وهي التي تتولي قيادة الأغلبية، 2- عزوف الأغلبية عن محاكاة الأقلية بعد قصور طاقة هذه الأقلية الابداعية الرائدة، 3- تفكك وحدة المجتمع الاجتماعية، وذلك لانصراف الأغلبية الساحقة عن بذل الولاء للأقلية الرائدة القائدة..» ماذا أقول بعد ذلك لأهل وطني بعد هذه الرؤي المستنيرة، أملي أن يعي كل من له عقل وحب لهذا البلد عمق الهوة التي سينحدر إليها الوطن، وإذا كانوا يحملون له ذرة من وطنية فعليهم أن يسرعوا بايجاد الحلول الحقيقية لانقاذه من السقوط0