الانتخابات البرلمانية سلوك سياسي الهدف منه أن يختار المواطنون من بين مجموعة من المرشحين من يصلح لتمثيلهم في مجلس النواب المختص دستوريا بالتشريع وسن القوانين ومراقبة أداء الحكومة والسلطة التنفيذية.. وهذا السلوك السياسي يحكمه القانون ويضع له الضوابط التي تضمن استقامته.. لكن القانون- كما نعرف- يتعامل مع الظاهر فقط.. وبالتالي فهو قاصر عن التقويم والردع الداخلي وإيقاظ الضمير.. وهذه مهام لا ينهض بها إلا الدين الذي يشكل منظومة القيم العليا ويضبط السلوك الانساني قبل القانون ويغرس في النفس البشرية مراقبة الله في كل ما تفعل. من هذه الزاوية تكون الانتخابات البرلمانية التي هي سلوك سياسي محكومة تلقائياً بالقيم الدينية وليست بعيدة عنها.. وكل منا يحاسب أمام الله علي ما يفعل فيها وما يقول.. ليست المسألة مجرد سياسة.. والسياسة شطارة.. و"اللي تغلب به إلعب به".. والغاية تبرر الوسيلة.. هذا "تهييس" لا يقبله الدين ولايقبله العقل المستقيم السوي.. وإنما الانتخابات أمانة عظيمة ثقيلة يجب ان تؤدي علي أكمل وجه من كل شخص يريد أن يرضي ربه ويخدم وطنه وشعبه. الانتخابات أمانة بالنسبة للمرشح الذي تقدم لتمثيل المواطنين في مجلس النواب.. أمانة أمام الله.. فلا يصح له ان يكذب علي الناس ويخدعهم ويبيع لهم الوهم ويعد مالا يستطيع ولا يتعامل مع مواطنيه بألف وجه ولايقدم مصلحته الشخصية أو مصالح أصدقائه ومؤيديه علي المصلحة العامة للوطن وألا يتخذ من عضوية مجلس النواب وسيلة للتربح وجمع المال والتزلف إلي المسئولين لاكل أموال الناس بالباطل والتواطؤ والاهمال في أداء المسئولية العامة والنكوص عن قول كلمة الحق التي ترفع شأن الوطن والمواطنين وتكون تعبيراً صادقاً عن ضمير الأمة. والانتخابات أمانة بالنسبة للمواطن الناخب الذي سيذهب إلي صناديق الاقتراع ليختار واحداً أو أكثر من المرشحين.. وصوته هذا الذي سيدلي به هو في الحقيقة شهادة أمام الله بأنه اختار الاصلح والاقدر.. ولم يداهن ولم يجامل علي حساب المسئولية العامة. علي الناخب ان يراعي الحق في اختيار من يمثله وألا يسير وراء الكذابين والمنافقين وأصحاب الشعارات الخادعة.. وأن يكون ولاؤه وحبه في المقام الاول لله وللوطن.. ولا ينساق وراء الانتماءات الحزبية كالاعمي وإنما يحكم عقله وضميره.. ولا يميل مع النزعات العرقية والقبلية والطائفية والدينية التي تفرق ولاتجمع وتروج للفتن.. ولا يسير وراء المرشح الذي يقدم الرشاوي الانتخابية بأي شكل.. سواء أكانت مساعدات عينية أو أموالاً.. فمثل هذا المرشح فاسد بكل تأكيد.. وسوف يعمل جاهداً فور دخوله البرلمان علي أن يسترد قيمة هذه المساعدات والرشاوي أضعافاً مضاعفة بطرق غير مشروعة. شهادة الناخب أمانة.. وعليه ان يعلم ان الشخص الذي يختاره سيكون لسان صدق عن الأمة.. لذلك يجب ان يبحث عن المرشح الصادق في قوله وفعله.. المرشح الذي إذا قال صدق وإذا وعد وفي وإذا أؤتمن لم يخن الامانة.. حتي في مرحلة الدعاية الانتخابية التي تنطوي علي منافسة حادة بين المرشحين لا يمكن ان تستثني من دائرة الامانة بمفهومها الاسلامي القويم ومفهومها الاخلاقي المنضبط بالشرع قبل القانون.. ومن ذلك عدم استغلال الشعارات البراقة لخداع الناس.. وعدم استغلال النصوص الشرعية من الاحاديث النبوية والآيات القرآنية لتزكية النفس عند الجمهور والحط من قدر الاخرين أو اتهامهم بما ليس فيهم.. ووضع هذه النصوص في غير موضعها لتكون وسيلة للتقرب من البسطاء واللعب علي أوتار الدين.. وأيضا عدم استخدام المنابر الدينية والمساجد في غيرما خصصت له. ولا شك أننا إذا نظرنا إلي العملية الانتخابية برمتها علي أنها أمانة يجب ان تؤدي علي الوجه الاكمل إرضاء لله ورسوله وأملاً في تجنب المساءلة يوم الحساب الاعظم فسوف نحصل علي مرشح سوي يتقي الله في وطنه ومسئوليته ويعرف واجباته قبل حقوقه.. ونحصل علي ناخب واع يعرف من يختار ولماذا يختار ولايفرط في صوته لمن لا يستحق.. ونحصل علي منافسة حرة نزيهة شريفة.. لا يتبادل فيها المتنافسون الاتهامات الباطلة والافتراءات الكاذبة.. والفائز الاكبر في ذلك هو الوطن والشعب والمستقبل الذي نريد له أن يكون أفضل من الماضي والحاضر. تعميق مفهوم الامانة في النفوس لن يتحقق إلا بإيقاظ الضمائر.. وإيقاظ الوازع الديني.. وتلك مسئولية كبري يجب ان تشارك فيها كافة مؤسسات الدولة.. المساجد والكنائس والمؤسسات الثقافية والتعليمية والصحف ووسائل الاعلام.. لابد ان تتحرك كل هذه المنابر لتوعية المواطنين بأن الانتخابات كسلوك سياسي.. لا يمكن ان تتم بعيداً عن الدين.. والضوابط الشرعية. ليس معني ذلك الخلط بين الدين والسياسة-أو إقحام الدين في السياسة.. ولكن معناه أن تكون الممارسة السياسية والانتخابية محكومة بالقيم والمعايير الدينية.. وإن شئت فقل إن الهدف هو تديين السياسة وليس تسييس الدين. هناك فارق كبير بين المفهومين.. فتسييس الدين يهدف إلي احتكار الدين لفئة معينة أو جماعة أو مجموعة دينية أو طائفة أو تنظيم معين يجعل من الدين سلماً لاعتلاء السلطة أو التقرب إلي الناس باستخدام شعارات دينية وآيات قرآنية.. والحكم علي الناس بمعيار الايمان والكفر.. وإقصاد الآخر الوطني بدعوي الاختلاف الديني.. ناهيك عن اقحام الفتاوي الدينية في الممارسة السياسية لتحقيق أغراض حزبية ضيقة.. أما تديين السياسة فالمقصود به تحقيق الالتزام الديني والقيم الدينية في كل سلوك انساني بما فيه السلوك السياسي أو الانتخابي.. فالقيم الدينية لا تنفصل عن الحياة.. ولا تنفصل عن السياسة. ليست هذه مثالية.. ولا دعوة غير واقعية.. وإنما هي دعوة للعيش في كنف الدين بما يرضي الله في كل شئوننا.. والتطبيق الصحيح للدين في شئون الحياة لترجمة مقولتنا الشهيرة: الاسلام صالح لكل زمان ومكان وقد طبقت شعوب كثيرة هذه القيم الدينية في حياتها وفي سياساتها وانتخاباتها ففازت.. وصار للصوت الانتخابي فيها قيمة عالية.. لانه صوت صادق أمين نزيه.. غير كاذب وغير مخادع.. ونحن لسنا أقل من هؤلاء.. فقط نريد التدريب علي ذلك في مناهج التربية والتعليم والتشجيع والوعي في برامج الاعلام.. والله الموفق.