فجر تصريح المستشار محفوظ صابر وزير العدل المستقيل بشأن عدم صلاحية ابن عامل النظافة لتولي وظيفة قضائية حالة من الألم والسخط بين فئات واسعة إذ اعتبره الكثيرون بمثابة ترسيخ للطبقية وتصنيف البشر علي أساس شرائحهم المادية والاجتماعية دون النظر لكفاءتهم أو صلاحيتهم لأداء المهام الموكلة إليهم ... في السطور التالية نناقش خبراء القانون بحثا عن إجابة للسؤال الأصعب : هل يبيح القانون قصر وظائف معينة علي شرائح بعينها فيما يمكن أن نطلق عليه "وظائف أولاد الذوات"؟ الدكتور أنور رسلان أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق جامعة القاهرة أكد أن تصريح وزير العدل السابق بشأن عدم إمكانية تعيين ابن عامل النظافة في هيئة قضائية يمثل وجهة نظر رجل مسئول عن مرفق العدل في البلد وهو كيان حساس ومقدس يعد المسئول الأول عن إقامة العدل وتحقيق العدالة الاجتماعية في وطننا لذلك فإن وظائف القضاء لا تصلح لأي فرد لأن من يعمل بها لابد أن تتوافر فيه سمات معينة واستعداد مسبق لا يقتصر علي مجرد حصوله علي ليسانس الحقوق وفقط. وهنا تأتي أهمية اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب فهناك ملايين الحاصلين علي ليسانس الحقوق . لكنهم ليسوا جميعا مؤهلين للعمل بالقضاء . مثلما لا يصلح أي فرد لأن يكون وزيرا أو محافظا فالعبرة بقدرة الفرد علي العطاء في وظيفته وموقعه وهذا هو الأساس الذي يتم علي أساسه اختيار المسئولين في مواقعهم فرئيس الدولة يختار وزيرا للعدل وآخر للمالية وثالث للتعليم علي أساس قدرة كل منهم علي الأداء في موقعه ونجاحه في أداء المهمة الموكلة إليه. أخطاء فردية سألناه عن مدي قانونية حرمان شخص من وظيفة سيادية بسبب انخفاض مستوي أسرته اجتماعيا فأجاب قائلا : إن هذه حالات نادرة . وتكون عادة ناتجة عن أخطاء فردية لا تتكرر بفضل تدخل الجهات الرقابية "فالبلد ليست سايبة". شدد رسلان علي أن العبرة بالمواصفات الشخصية التي تؤهل صاحبها للعمل والإنجاز في موقعه مؤكدا علي أن المساواة وتكافؤ الفرص أمران موجودان بالفعل ومتعارف عليهما منذ القدم نافيا تماما أن يكون هناك أي تمييز في الوظائف . دكتور عبد المجيد عبد الحفيظ أستاذ القانون العام وعميد كلية حقوق حلوان سابقا طالب بضرورة التفرقة بين قانون العاملين المدنيين بالدولة وهو القانون رقم 47 لسنة 1978 والذي عدل بقانون 504لسنة 2000 وحل محله مؤخرا قانون الخدمة المدنية منذ حوالي شهر ونصف . وبين القوانين الخاصة التي تتعلق بوظائف لها مواصفات خاصة مثل قانون تنظيم الجامعات الذي يتناول شروط أعضاء هيئات التدريس من مدرسين وأساتذة مساعدين وخلافه . وهناك قانون خاص بهيئة الشرطة يتناول كيفية اختيار الضباط وضباط الصف وغيرها من رتب الشرطة . وهناك بالمثل قانون خاص بالسلك الدبلوماسي والقنصلي وآخر خاص برجال القوات المسلحة وهكذا . شروط تفضيلية أكد الدكتور عبد المجيد أن هذه القوانين تتناول وظائف ذات طبيعة خاصة وتستلزم ممن يلتحق بها القيام بواجبات ومسئوليات مختلفة عما يقوم به القطاع العريض من موظفي الدولة . فرغم ثبات كادر شئون العاملين علي مستوي كافة قطاعات الدولة حيث يكون واحدا في الجامعات والوزارات والهيئات الحكومية . إلا أنه عند النظر إلي اختيارعضو هيئة التدريس نجد أن له مقاييس خاصة كأن يكون الأول علي دفعته والأعلي تقديرا والأكثر تفوقا في مادة التخصص . كذلك رجال الشرطة أو القوات المسلحة يتم إخضاعهم لاختبارات قاسية علي مستوي النظر واللياقة البدنية وغيرها أي أن هذه الوظائف تتطلب مواصفات خاصة لشغلها فالدبلوماسي مثلا لابد أن يكون والداه من حملة المؤهلات العليا فهذا الشرط يضمن خروج المتقدم لشغل الوظيفة من بيئة مختلفة عن متقدم آخر أبويه غير متعلمين فيفضل الأول عند الاختيار لأن مهاراته قد تكون أفضل في التعامل والاتيكيت واختيار الكلمات وغيرها .. أي أن تعليم الأب والأم هو شرط تفضيل وليس شرطا لشغل الوظيفة .كما أن هذا الشرط لا يلغي جدارة وتفوق ابن غير المتعلمين لكنه يدخل في إطار المفاضلة واختيار أفضل المتقدمين. اعتبارات سلوكية لفت الدكتورعبد المجيد عبد الحفيظ إلي أن هناك جوانب سلوكية ينبغي مراعاتها عند اختيار المتقدمين لبعض الوظائف فمثلا لا يصلح اختيار ضابط شرطة حكم علي أحد أقاربه في قضية مخلة بالشرف بل لابد أن تتمتع عائلته بحسن السمعة والسيرة . وهذا لا علاقة له بابن الوزير أو ابن الغفير والخطأ الذي وقع فيه وزير العدل المستقيل أنه تحدث في أمر ليس من اختصاصه وكان المفترض أن تكون إجابته أن من يثبت عليه جريمة أو يتبين سوء سمعته لن يقبل في القضاء ولو كان ابن وزير . أضاف أن الالتحاق بالسلك الجامعي أيضا تسبقه تحريات بحث جنائي للمتقدم تشمل أقاربه حتي الدرجة الرابعة إذا ثبت تورط أي منهم في قضية مخلة بالشرف لا يمكن قبوله ولو كانت قضية تبديد منقولات أو إصدار شيكات بدون رصيد لأنها أحكام ماسة بالشرف والنزاهة . أي أن العبرة بالبيئة والمجتمع المحيط بالمتقدم لشغل الوظيفة وليس بمستوي أسرته . استشهد الدكتور عبد المجيد بنفسه قائلا : أمي لم تكن متعلمة . ورغم ذلك نجحت في تربيتنا وتعليمنا وخرجت اثنين يعملان بسلك القضاء واثنين أساتذة جامعة. التوريث دكتور نبيل حلمي أستاذ القانون الدولي وعميد كلية حقوق الزقازيق سابقا قال : لا شك أن لكل وظيفة مؤهلاتها . ولكن هناك أيضا مبدأ تكافؤ الفرص فقد نص الدستور علي عدم التمييز . ومن ثم لا يوجد تمييز من الناحية الرسمية والدستورية . لكن قد يري البعض بطريقة غير رسمية أن صلاحية شغل هذه الوظيفة أو تلك تستلزم توافرمواصفات معينة لا توجد في قانون تعيين الوظائف وهذا ما أعتقد أن وزير العدل السابق كان يعنيه لأنه ليس لديه سلطة في التعيين للقضاة أو لغيرهم فعمله تنفيذي يمكنه من خلاله تعيين موظفين في وزارة العدل فقط . أضاف أنه لابد أن يكون هناك كفاءات ومواصفات لمن يعين بإحدي الوظائف التي تتحكم في صنع القرار فلا يجوز أن يعين شخص عائلته تتاجر بالمخدرات أو مجرمين جنائيين أوسياسيين وإلا اختل ميزان الدولة وسقطت . أشار إلي أن عدم التمييز لا يعني التطابق بمعني أن شخصا تخرج في كلية الآداب بتقدير جيدجدا مثلا لا يمكن أن يتساوي بآخر مكث يدرس في نفس الكلية لعشر سنوات وكذلك لا يمكن أن يتساوي شخص حسن التربية و"ابن ناس" بآخر ابن تاجر مخدرات أو يعمل بالدعارة فالكفاءة لا تعني المساواة في كل شيء . بل هناك مؤهلات عملية ونظرية لابد من توافرها فيمن يشغل أي وظيفة وامتحانات الالتحاق لا تعني التمييز بل هدفها طلب الكفاءة القادرة علي إدارة بعض الوظائف الحكومية . نفي الدكتور نبيل وجود أي استبعاد للكفاءات بسبب انخفاض المستوي الاجتماعي لذويهم قائلا : هذا غير صحيح ولا يحدث فأوائل كلية الحقوق لدينا يتم تعيينهم في الجامعة وفي النيابات رغم أن أهلهم ينتمون للطبقة الكادحة . ومن يتضرر من أي قرار يخالف الدستور والقانون فعليه التوجه لمجلس الدولة لإلغاء هذا القرار. أضاف أن تصريح وزير العدل بشأن أبناء عمال النظافة كان رأيا شخصيا ولكل فرد الحق في أن يعبر عن رأيه . أشار الدكتور نبيل حلمي إلي أن التمييز الحقيقي يتمثل في توريث الوظائف بمعني أن يلحق الوالد ابنه بالهيئة أو الجهة التي يعمل بها لمجرد أنه ابنه ويحرم آخرين قد يكونون أكثر كفاءة وأحق من ابنه بشغل تلك الوظيفة وهذا ما منعته محكمة القضاء الإداري مؤخرا بإصدارها قرار وقف توريث الوظائف بجميع المجالات .. سألناه : وهل سيندرج القضاء والسلك الدبلوماسي أيضا تحت هذا القرار أم سنفاجأ باستثناءات؟ فأجاب قائلا : هذا القرار مطبق بالفعل فقد مضي عهد التعيين بجرة قلم وأصبحت الكفاءة هي المعيار . وعن مفوضية مكافحة التمييز التي نص دستور 2014 علي إنشائها قال :إن الكلام عنها الآن سابق لأوانه فلننتظر حتي يتم إنشاؤها ثم نقيمها . لكننا في كل الأحوال نرفض انتهاك حقوق الإنسان.