الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام علي خاتم الأنبياء والمرسلين. سيدنا ونبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين. وبعد فإن المناسبات الدينية علي قسمين: قسم يحتفي به لارتباطه بعبادة معينة ينبغي علي المسلم أن يأخذ منها الدرس المستفاد بجانب القيام بما توحي به هذه المناسبة مثل: احتفاء المسلمين بليلة القدر في شهر رمضان. فهي ليلة مباركة لنزول القرآن الكريم فيها. ومطلوب من المسلم أن يحييها بالصلاة وقراءة القرآن وما إلي ذلك من الطاعات. القسم الثاني: يمثل مرحلة من مراحل الدعوة الإسلامية وما لاقته من مثبطات ومحاربة من أعداء الإسلام. ولم يرتبط بها عبادة معينة. وإنما يحتفي بها لأخذ العبرة واستفادة الدروس المختلفة لإصلاح ما تفسده الحياة المدنية من حين لآخر مثل: الاحتفال بذكري الهجرة النبوية وما فيها من دروس كثيرة يمكن أن نطبقها الآن في حياتنا الحاضرة. ومن هذا القسم: مناسبة الإسراء برسول الله - صلي الله عليه وسلم - من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي. والعروج به - صلي الله عليه وسلم - من المسجد الأقصي إلي ما فوق السماء السابعة. ففي هاتين الرحلتين من الدروس والعبر ما يفوق الحصر. وقد أشارت سورة الإسراء إلي شيء من ذلك في قوله تعالي:"سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا". هذا يخص رحلة الإسراء. وسورة النجم تكفلت ببيان ما جري في الرحلة السماوية والمتأمل في مطلع سورة الإسراء يري أنها بُدئت بقوله تعالي ¢سبحان¢ وهو لفظ يدل علي أن ما بعده خارق للعادة. فلا مجال للعقل فيه مهما أوتي من الذكاء والفطنة. كما لا يرد السؤال الذي يجري علي ألسنة بعض الناس: هل كان ذلك بالجسد والروح أو بالروح فقط. والرد علي من يدعي أن ذلك بالروح سهل للغاية فإنه إذا كان كذلك لما كان معجزة. فإن كثيرا من الناس حتي من غير المتمسكين بالدين يرون أنهم سافروا إلي أقاصي الدنيا وهذا لا ينكره أحد. وإلا فما الذي أنكره المشركون لو كان ذلك بالروح فقط؟! فلندع هذه الترّهات ولنأخذ بعض الدروس والعبر من هذه الرحلة المباركة: وأول هذه الدروس: إمامته - صلي الله عليه وسلم - للأنبياء جميعا في المسجد الأقصي حيث وقفوا صفا واحدا ينتظرون من يؤمهم في الصلاة فجاء جبريل - عليه السلام - وأخذ بيده - صلي الله عليه وسلم - وقدمه فصلي بهم إماما. وفي هذا دلالة واضحة علي وحدة الرسالات السماوية وأنها تهدف إلي توضيح منهج الله تعالي ودعوة الناس إلي عبادة الله وحده. وإن اختلفت في التفاصيل. فالرسالات السماوية كالبنيان الذي وضع فيه كل نبي لبنة حتي اكتمل باللبنة الأخيرة في شخص ورسالة سيدنا محمد - صلي الله عليه وسلم -. وهذا ما يدل عليه قوله تعالي:"بل جاء بالحق وصدّق المرسلين" الصافات الآية 37. كما يشير إليه مطلع سورة الإسراء حيث تحدثت السورة عن الإسراء في آية واحدة. ثم تلاها الحديث عن موسي عليه السلام وبني إسرائيل "وأتينا موسي الكتاب وجعلناه هدي لبني إسرائيل". الدرس الثاني: بعض مرئياته - صلي الله عليه وسلم - ودلالاتها العظيمة سواء أكانت في الأرض أم في السماء. * فقد ثبت أنه - صلي الله عليه وسلم - رأي أقواما بطونهم كالبيوت فيها الحيّات تُري من الخارج. فسأل عنهم جبريل - عليه السلام - فقال: هؤلاء أكلة الربا. * كما رأي أناسا يزرعون ويحصدون ما زرعوه في وقت واحد. كلما حصدوا زرعهم رجع كما كان. فسأل عنهم فقال له جبريل - عليه السلام -: إنهم المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنات. * ومر - صلي الله عليه وسلم - بأقوام مشافرهم ¢شفة البعير الغليظة¢ كمشافر الإبل. قال: فتفتح أفواههم فيلقمون اللحم ثم يخرج من أسافلهم فسمعهم يضجّون إلي الله عز وجل. فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء من أمتك: "الذين يأكلون أموال اليتامي ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا" سورة النساء الآية 10. * كما رأي جبريل عليه السلام علي حقيقته له ستمائة جناح سد بهما ما بين المشرق والمغرب. * وأهم هذه الدروس أن الله تعالي فرض عليه - صلي الله عليه وسلم - وعلي أمته الصلاة. فهي العبادة الوحيدة التي فرضت في السماء نظرا لمكانتها العظيمة. فهي أهم أركان الإسلام وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة فإن صلحت صلح سائر عمله ونظر فيه. وإن فسدت فسد سائر عمله ولم ينظر فيه. وهي العبادة الوحيدة التي يحكم علي تاركها عمدا وجحودا لفرضيتها بأنه كافر. وقد كانت خمسين صلاة إلا أن الله تعالي تفضل علي هذه الأمة فجعلها خمسا في الفعل وخمسين في الثواب. فحمداً وشكراً للرحمن الرحيم بعباده حيث تفضل بالتخفيف علي هذه الأمة ولم يحرمها من الثواب العظيم.