تتزايد حالات الهجرة غير الشرعية يوما بعد يوم حيث يقرر الشاب بإرادته أن يسلك طريقا نهايته حتمية متعللا بظروف بلده التي لفظته ولم يعد يجد للعيش بها سبيلا. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: إذا كنا نطالب شبابنا بنبذ فكرة السفر بالمخالفة للقوانين والاتفاقيات حفاظا علي حياتهم وحتي لا يتعرضوا للمساءلة فما هو البديل الذي قدمناه لهم كي يصبح هذا المطلب منطقيا وواقعيا ؟.. وهل هناك خطوات فعلية اتخذتها الدولة في هذا الصدد ؟.. الخبراء يجيبون في السطور التالية... أكدت الدكتورة أمل طلبة أستاذ التمويل بالجامعة الأمريكية أن مشكلة الهجرة غير الشرعية تقف وراءها الكثير من الأبعاد منها ما يتعلق بالناحية المالية والاقتصادية. وهناك بعد آخر يتعلق بوهم مترسخ لدي الشباب بأن خروجهم من بلدهم يعني تحسن ظروف معيشتهم. لكننا في الحقيقة بحاجة إلي تغيير ثقافة الشباب بالتركيز علي أن العمل عبادة. وأن مصر لن تبني إلا بسواعد أبنائها وليقتدي الشباب المصري بنظيره في دول أوروبا أو حتي في دول الخليج والدول العربية سيجد أن العمل لديهم يعني التزاما واجتهادا. أضافت قائلة: من خلال تعاملي مع الطلبة حاولت اكتشاف ما يدفعهم للغربة فكانت إجاباتهم مليئة بالإحباط من المستقبل المظلم الذي ينتظرهم بدون الواسطة في حين أن الغربة تمثل بالنسبة لهم الجنة المنتظرة. لذلك تري الدكتورة أمل أن الثقافة السائدة لدي شبابنا بحاجة إلي تغيير وبيدهم أنفسهم مشيرة إلي أن هناك تغييرا بدأ يحدث بالفعل حيث قام أحد الشباب برفع دعوي قضائية لرفض تعيينه بوزارة الخارجية بدون واسطة .وهذه بداية الطريق الصحيح أن يدرك كل شاب ما له وماعليه ولا يترك حقه. وأن يبدأ كل منا بنفسه. "إلغاء المجانية" طالبت الدكتورة أمل طلبة بضرورة تغيير مناهج التعليم لتعريف الطفل بأهمية العمل بدءا من المرحلة الابتدائية. أشارت إلي أن البطالة موجودة في كل دول العالم. لكن ثقافة شبابنا أيضا تمنعه من التعايش معها لأن كلا منهم يريد أن يعمل بجوار منزله. وإن حدث ونقل مقر عمله لمكان آخر لثار ورفض الانتقال إليه لمجرد بعده عن منزله. كما يبحث معظم الشباب للأسف عن الوظيفة "الشيك" التي يتفاخر بها وبانتمائه إليها مما أدي إلي تجاهل التعليم الفني وتكالب كل الشباب علي دخول الجامعة وبالتالي زيادة أعداد خريجيها وصعوبة توفير فرص عمل لهم خاصة وأن كلا منهم يبحث عن وظيفة مرموقة تتناسب مع شهادته الجامعية. لذلك فإن جزءا من تغيير الثقافة الذي نتحدث عنه لابد أن يتطرق إلي ضرورة توصيل فكرة أن التعليم الفني والمهني لا يقل أهمية عن التعليم الجامعي بالإضافة إلي ضرورة الاستغناء عن فكرة مجانية التعليم الجامعي مثلما يحدث بالعالم كله حتي لا نكبل أنفسنا بتخرج أعداد كبيرة من الطلاب لا نتمكن من تشغيلها. "عدم انتماء" اتفق معها المستشار محمد علي مبارك أمين عام الحزب العربي للعدل والمساواة قائلا: إن الشباب المصري يبحث عن المكسب السهل والسريع ويترك فرصا حقيقية متوافرة في الوادي الجديد. وأسوان والبحر الأحمر وشرم الشيخ حتي لا يكلف نفسه عناء البحث. فيخاطر بنفسه ويجري وراء الأوهام ويضيع "تحويشة عمر" أهله فيجبر أمه علي بيع الجاموسة وأباه علي بيع القراريط لينفق حصيلة كل ذلك علي حلم زائف هو الهجرة إلي أوروبا رغم توافر فرص العمل في بلده. شدد علي ضرورة تخلي الشباب عن حلم المكتب والسكرتيرة واللاب توب. مع ضرورة الاهتمام بالتعليم الصناعي والحرفي خاصة أننا اتجهنا الآن لاستقدام عمالة بنغالية وهندية في مصانع العبور والعاشر من رمضان نظرا لتمتعهم بالمهارة وتحمل ساعات العمل مع انخفاض أجورهم. أضاف قائلا: للأسف الشديد الشباب المصري يرفض أن يتعلم أو يبذل أي مجهود. وفي المقابل فإنه يقبل امتهان أي مهنة في الخارج مهما بلغت بساطتها ومهما تحمل فيها من مشاق أو إهانات. فقد سافرت ليبيا ووجدت عاملا مصريا يدير مشروعا كاملا مساحته خمسين فدانا ويعمل به من السادسة صباحا وحتي السابعة مساء ويرفض أن يشاركه أحد في العمل حتي لا يأخذ مكانه. ولو بذل المصري مجهودا مثل ما يبذله في الخارج في جمع القمامة أو غسل الصحون لجمع أضعاف ما يربحه في السفر وجنب نفسه عناء الهجرة غير الشرعية. لكن للأسف لا توجد مفاهيم صحيحة لدي الشباب. بل معظمهم يستقي أفكاره ومعلوماته من بعضهم بناء علي تصورات مغلوطة. حذر مبارك من مشكلة في غاية الخطورة وهي عدم انتماء الشباب مطالبا إياهم بالصبر علي أحوال البلد. والحرص علي اكتساب وتعلم مهارات جديدة تؤهلهم للعمل فلدينا مشروعات كثيرة تبحث عمن يعمل بها وأبرزها مزارع الوادي الجديد التي تقدم مرتبات تصل لثلاثة آلاف جنيه شهريا لكنها لا تجد عمالة مدربة. فهلوة وتسيب الدكتورة سهير سند أستاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الجنائية أكدت أن المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في شرم الشيخ أعقبه الاتفاق علي مشروعات قومية. وتعاقدات مع شركات محلية إقليمية ودولية تحتاج لأيدي عاملة. لكن المشكلة لدينا تنحصر في عدم وجود المهارات. لذلك نحن بحاجة إلي مشروعات قومية في مجالات التدريب لأن التعليم لدينا يفرز خريجين ليسوا علي مستوي الكفاءة المطلوبة فتكون النتيجة أن فرص العمل لا يقدم عليها الشباب إما لعدم قدرتهم علي ممارسة العمل لكفاءتهم المحدودة أو لأن العائد منه لا يغطي النفقات المطلوبة له خاصة إذا كان في مكان متطرف يستلزم مواصلات وانتقالات وخلافه فتكون النتيجة أن يقبل الشباب بالأعمال الهامشية التي يمكنهم التحكم في ظروف الالتحاق بها وفي الوقت نفسه توفر لهم نفقات الملبس والإقامة والمواصلات وغيرها. لذلك طالبت الدكتورة سهير وقبل ضخ فرص العمل بتحديد آليات تساعد الناس علي القيام بهذه الأعمال حتي نتلافي مشكلات الهجرة غير الشرعية والبطالة المقنعة. فمثلا هناك عمالة مؤقتة يتم تثبيتها رغم عدم امتلاكها الكفاءات المؤهلة للعمل فتصبح هذه العمالة عبئا علي علي مؤسساتها وتحمل ميزانياتها فوق ما تحتمل. بل إن مؤسسات الدولة أصبحت مجبرة وفقا للقانون علي ثبيت هذه العمالة المؤقتة.أضافت أن حتي الدول العربية التي كانت تستوعب كثيرا من المصريين أصبحت تعتمد علي غيرهم لأن مهاراتهم محدودة ليس علي المستوي المهني فقط. لكن شخصية العامل المصري أيضا يغلب عليها ثقافة الفهلوة والتسيب مما أدي لتراجع الطلب علي المصريين حتي علي مستوي أبسط الأعمال مثل خادمة المنزل التي أصبح الكل الآن يفضلها فلبينية أو أجنبية هجرة داخلية الشيخ منصور رفاعي وكيل وزارة الأوقاف الأسبق أوضح أن كل فرد مطلوب منه أن يبحث عن رزقه ورزق أسرته. وقد تضيق سبل الرزق في بعض الأماكن وتنغلق الأبواب فلا يجد الإنسان عملا في هذه الحالة يمكنه أن يهاجر إلي أي مكان. والإمام الشافعي رضي الله عنه يقول: سافر تجد عوضا عمن تفارقه وانصب فإن لذيذ العيش في النصب إني رأيت وقوف الماء يفسده إن سال طاب وإن لم يسل لم يطب فالسفر إذا مقصد مهم في حياة الإنسان للبحث عن عمله. ولما كان العالم قد قسم إلي دول وإمارات وأصبح من الضروري الحصول علي إذن بالدخول إلي وطن آخر حسبما تنص الاتفاقيات والالتزام بالعهود والمواثيق فلا يجوز مخالفة هذه الاتفاقيات من أجل الانتقال إلي بلد آخر. وإنما يكمن الحل هنا في الهجرة الداخلية في إطار حدود البلد نفسه لأن الله تعالي أخبرنا أن بعض الناس يبيعون دينهم. ويتخلون عن قيمهم فتسألهم الملائكة يوم القيامة: أين كنتم ؟ فيقولون: كنا مستضعفين في الأرض. فتقول لهم الملائكة: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ؟ أضاف الشيخ منصور: إذا ضاق الرزق في القاهرة مثلا فلا مانع من أن أسافر للوادي الجديد أو إلي سيناء أو إلي الصحراء الشرقية كي أبحث عن عمل هنا أو هناك. أما أن أخرج إلي بلد آخر هربا بدون تأشيرة أو إذن بالدخول فهذه جريمة وخطأ قد يؤدي بصاحبه إلي القتل أو الحبس أو الغرق أو الإهانة. وقد أمرنا الله بألا نقتل أنفسنا وبالتالي فالذي يهرب من الحدود مستعملا مركب متهالك يعد منتحرا لأنه أقدم علي عمل خطير يعرف أن فيه التهلكة والدمار لشخصه فهوآثم لأنه لم يأتمر بأوامرالله ولم يتوقف عند حدوده. وجه الشيخ منصور حيثه للشباب قائلا: إذا كانت بلدك واسعة فلماذا تعرض نفسك للهلاك وتعمل في الخارج أعمالا تستنكف أن تقوم بها في بلدك ؟ قد يقول قائل: في الخارج لا أحد يعرفني.. وهذا مردود عليه بأن الإسلام كرم العامل الذي يمتهن أي مهنة شريفة لا يدخل فيها حرام. بل إن الله تبارك وتعالي يكافئه ويعلي قدره. طالب الشيخ منصور رفاعي الدولة بألا تنسي دورها ومسئوليتها الخطيرة. فالصحراء واسعة . لكنها تقوم ببيع الأرض بأسعار خيالية يجاملون بها فلانا وفلانا. لكنني من موقعي أخاطب رئيس الدولة ورئيس الوزراء وأقول لهم إن الذين يغرقون في البحار هربا أنتم مسئولون عنهم أمام الله لأنكم لم توفروا لهم العمل في بلدهم. ولم تعطوهم أرضا يزرعونها