لما كان البيان واجبًا علي الدعاة والمرشدين. إذ هم نواب عن النبي الأمين. المكلف من رب العالمين بأن عليه البلاغ المبين. ولما كان لهذا البيان أثره في تثبيت أقدام الرواد والتابعين. وصد هجمات المغرضين والضالين. لما كان هذا وذاك استشعرتُ المسئولية نحو الجموع المباركة التي أقبلت علي الجمعية الشرعية تباشر من خلالها أنشطة: الدعوة. والعمل الصالح. قبل أن تستوعب المنهج الذي تبناه مؤسسها وإمامها المبارك المحقق المجدد الشيخ محمود محمد خطاب السبكي في هذين المجالين. وقبل أن تدرك ظروف النشأة. ومسار الدعوة. وما آلت إليه في هذا العصر. وما ينبغي أن تقوم به من جهد. وما وضع علي أعناق أعضائها من تبعة. أمام هذه الهجمات الشرسة من أعداء الدين والحياة. أولئك الذين يتآمرون علي الإسلام في داخل الأمة وخارجها. في الداخل تنمو جماعات المنافقين الموالية لأعداء الله يبلبلون أفكار العامة. ويحاولون بشتي الوسائل سلخ الأمة من هويتها. ومميزاتها. وقيمها. وأصولها العقدية والدعوية. وفي الخارج يضطهدون كل ما هو مسلم. ومن هو ملتزم. ويصمونه بالإرهاب والإفساد لقيمهم المنفلتة من قيود الفضيلة والأخلاق. ويتخذون ذلك ذريعة للقتل وسفك الدماء. وتعذيب الأطفال والنساء. وهدم المنازل علي الأبرياء. وتجريف المزارع ومنع الغذاء. وسحق النشء الغض البريء تحت عجلات الدبابات سواء كان ذلك في فلسطين. أو في الشيشان. أو في كشمير. أو في السودان. أو في العراق. أو في سوريا فملة الكفر واحدة "وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضي إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةى فِي الأَرْضِ وَفَسَادى كَبِيرى" "الأنفال:73". من أجل ذلك كان لابد من توضيح العقيدة والمنهج. وإبرازًا لما توصل إليه أئمتنا من طرق الإصلاح. ومجالات العمل الجاد المثمر للإسلام والمسلمين. دون أن نخاصم أحدًا يعمل للإسلام بمنهج آخر. فنحن لا ندعي أننا الوحيدون علي الساحة في ميدان الدعوة والإصلاح. إنما نعرض منهجنا. ونمد أيدينا للتعاون علي البر والتقوي. وعلي سلوك الصراط المستقيم. ذلك الذي دعانا إليه رب العزة في قوله سبحانه: "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" "الأنعام:153". ظروف نشأة الجمعية: في الثلث الأول من القرن الرابع عشر الهجري. عاشت مصر مِحَنًا قاسية جراء الاحتلال الإنجليزي. ومحاولاته الدءوبة لتغريب شعبها. وصرفه عن مبادئه وأخلاقه. ومقتضيات دينه. وحضارته. وسلوكياته التي تميز بها عبر القرون الإسلامية الزاهرة. خطوات التغريب : وقد اتخذ المستعمر لذلك عدة وسائل: "1" منها تنحية التشريع الإسلامي عن حكم الحياة. وتذرع في ذلك بتنوع الآراء في المذاهب الإسلامية المختلفة. واستطاع بالترغيب والترهيب أن يحل محل هذا التشريع. القوانين الغربية التي تحمل في طياتها قيمًا غريبة عن الإسلام والمسلمين. تضيّق منافذ الحلال. وتفتح الأبواب علي مصاريعها للحرام. "2" ومنها تغيير مسار التعليم ومناهجه السائدة لدي المسلمين علي مدي القرون السابقة. حيث كان المسلمون يأخذون من إشارة القرآن الكريم للمنهج النبوي في تعليم الأميين خطة عمل متكاملة. فكانوا يبدأون في تربية أبنائهم بإدخالهم الكتاتيب التي يسمعون فيها كلام الله. ثم يحفظونه. ومعه أحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم والقواعد الأساسية لعلوم الشريعة واللغة العربية. ثم ينطلقون بعد ذلك التحصين. يتخصصون في مجالات العلم المختلفة. وكان ذلك نتيجة فهمهم لقوله تعالي: "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالي مُبِيني" "الجمعة:2". واستطاع المستعمر أن يحيط الكتاتيب بهالة من النقد اللاذع. والسخرية الهادفة إلي صرف الناس عنها. وإدخال أولادهم المدارس الحديثة. التي تُعني باللغة الإنجليزية. وتُهمِل فيها العلوم الدينية والعربية. وتقتصر مهمتها علي تخريج الكتبة والموظفين. "3" ومنها ربط الاقتصاد المصري بقيود. تجعله تابعًا ومستجديًا للمنح والهبات. وتتيح لهم نهب ثروات مصر وخيراتها. واستثمارها لديهم في المصانع والمؤسسات. "4" ومنها تحريض النساء علي الرجال. حتي تتفكك روابط الأسرة المسلمة. ويظل التطاحن داخل الأسرة بين الرجل والمرأة. نتيجة الإيحاء لها بأن من حقها التبرم. والتفلت من قيود العفة والفضيلة في الملابس. وفي التبرج وإثارة الشهوات. وغرروا بالنساء حتي رفعوا شعار ¢تحرير المرأة. من سلطة الرجل¢. مشوهين معني القوامة التي لم يفرضها الرجال ولكن شرعها رب الرجال والنساء علي أنها مسئولية ورعاية وإنفاق وأخرجوها للعمل دون حاجة أو ضرورة. مما قضي علي المحضن الصالح لجيل يتربي وسط وئام ومودة ورحمة. أراد الله أن تكون آية من آياته في تشريع الزواج. "5" ومنها منع حفظة القرآن الكريم من الالتحاق بالجيش. بحجة تكريمهم. وإبعادهم عن الإهانة في الخدمة العسكرية. والهدف الأساسي ألا يكون في الجيش من يتحمس للجهاد ضد هذا العدو الغاصب. ومن منطلق أن هؤلاء هم الذين يستطيعون أن يبثوا في نفوس الجنود استشعار الرغبة في الشهادة دفاعًا عن الإسلام وعزة المسلمين. "6" ومنها التهوين من شأن الأزهر وعلمائه. حتي لا تكون لهم كلمة مسموعة لدي الشعب. كما كان في عهد الحملة الفرنسية. حين كانت الثورات ضد المستعمر تنطلق من الأزهر. "7" ومنها العمل علي توهين الرابطة بين أقطار الأمة المسلمة. ومحاولة القضاء علي الوحدة الإسلامية. وقد اشتهر عنهم مبدأ ¢فَرِّقْ تَسُدْ¢. فأشاعوا النعرات القومية والقطرية والعرقية. وأحيوا الانتماء إلي الفرعونية. والفارسية. وترددت في جنبات العالم الإسلامي شعارات تدعو إلي انغلاق كل قطر علي مشكلاته وأحواله. فمصر للمصريين. وسوريا للسوريين. وليبيا لليبيين. وهكذا. حتي لا ينهض قُطر في الدفاع عن أخيه في حالة التهام المستعمر لهم واحدًا بعد الآخر. وفي سبيل ذلك. قامت الصهيونية العالمية بدور خبيث في إلغاء الخلافة العثمانية. مستغلة ما كان في سياسة هذه الدولة من بعض المظالم. ومظاهر الغطرسة والإهمال.